الأبرشيات والكنائس

 


وعلى أثر هجرة السريان من ديارهم اندثرت مطرانية الرها وغيرها من الأبرشيات السريانية في كل من سيويرك وخربوط وأضنة ، كما تم إخلاء عشرات الكنائس والأديرة والمدارس وغير ذلك من آثار السلف في تلك الربوع .
وكان من الطبيعي أن تؤدي هجرة السريان من الأراضي التركية إلى إعادة تأسيس أبرشيات وكنائس حديثة في سوريا ولبنان وذلك في عهد مطرنة مار سويريوس أفرام برصوم ، مطران سورية ولبنان وقتذاك فكانت من ثمرة أتعابه واهتمامه أبرشية حلب وتوابعها في حي السليمانية بحلب( 1924) وأبرشية الجزيرة والفرات في الحسكة (1933) وأبرشية بيروت في حي المصيطبة في بيروت (1933) وغيرها من الأبرشيات والكنائس والمدارس السريانية التي شيدها السريان خلال سنوات قليلة بعد الحرب العالمية الأولى .
 
ولا بد لنا من كلمة إيضاحية ، ولو عابرة ، نضيفها إلى كتابنا هنا لمن يريد أن يعرف الظروف والأحوال التي مرت على أبرشية حلب وتوابعها للسريان قبل أن تكون مقررة ، معترفة كأبرشية شرعية .
أنشئت كنيسة مار أفرام للسريان في حي السليمانية بحلب بعد هجرة الرها بقليل .شيدها من ماله الخاص الوجيه السرياني سليم عازار ( 1924 – 1925) في عهد البطريرك مار أغناطيوس الياس الثالث شاكر ومطرنة مار سويريوس أغرام برصوم ، مطران سورية ولبنان يومذاك . وحتى هذا التاريخ كان السريان المقيمون في حلب يصلون في كنيسة لهم في محلة ((قسطل الحرامي)) القريبة من سوق النحاسين بحلب .

بقيت كنيسة مار أفرام تحت رعاية لفيف من الكهنة والرهبان في عهد مطرانها  حنا عبه جي لفترة من السنين ، ثم المطران مار اثناسيوس توما قصير حتى عام 1932ثم خلفه غريغوريوس جبرائيل انطو ، النائب البطريركي وطال عهده فيها حتى أواخر الأربعينات . وفي عهد هذا الأخير أصبحت كنيسة مار أفرام مقر كرسي المطرانية مقررة معترفة شرعياً وسميت باسم (( أبرشية حلب وتوابعها للسريان الارثوذكس )).

بقي كرسي أبرشية حلب شاغراً بعد هذا لفترة من السنين قام خلالها الأب الخوري الياس شيلازي بما يلزم من الخدمات الروحية والإدارية حتى عام 1949 . وفي عام 1950 رسم مار ديونيسيوس جرجس بهنام مطراناً لأبرشية حلب . ومنذ أن تولى كرسيه الأسقفي دخلت هذه الأبرشية العامرة طور البناء والتقدم والازدهار . وفي غضون السنوات الأخيرة من عهده  لزم صاحب النيافة فترة من الراحة وبعدها تقاعد لأسباب صحية. فرشح قداسة البطريرك مار أغناطيوس يعقوب الثالث الربان حنا ابراهيم ، مدير اكليريكية مار افرام في العطشانة – لبنان . مطراناً لها ، فانتخبه الشعب السرياني بالصوت الحي ، وعلى أثره رقاه قداسته يعاونه ستة من الأحبار إلى درجة الاسقفية باسم (( مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم )) وذلك في كاتدرائية مار أفرام السرياني في حفلة روحية نادرة
بتاريخ 4
آذار 1979 .


ونحن اليوم ، حين ننقل إلى القار
ئ هذه الأسطر القليلة من ملفات أخبارنا المحلية نعتز بتقديم أسمى آيات الشكر والتقدير إلى صاحب النيافة مار ديونيسيوس جرجس ، مطران حلب وتوابعها سابقاً ، ولخلفه مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم ، الراعي الحريص على شعبه الذي منذ أن وقف على عتبة حياتنا الروحية والاجتماعية ، برهنت بصمات أعماله الباهرة لأبرشية حلب وتوابعها أنه رسول الآمال والأماني خاصة وقد جعل من نفسه شمعة مضيئة إلى جانب المؤسسات الكنسية والمجالس الإدارية من أجل البناء والتقدم والازدهار ، كما له مواقف في مجالات فكرية وعمرانية واجتماعية ومسكونية على الصعيدين المحلي والعالمي . وما أشد سعادتنا حين جعلنا له في قلوبنا مكاناً مرموقاً محاطاً بهالة من المحبة والوفاء .

ومضى السريان يعانون شدائد الحياة من كثرة ما حل بهم من البؤس والحرمان من جراء الهجرة . وقد وجدوا في سورية ميناء السلام ، فاستعدوا للنزول إلى ميدان العمل لبداية جديدة وجعلوا من حلب الشهباء أرض السعادة ...أرض البناء والعمران .

ويجدر بنا أن نذكر كلمة قصيرة عن المساعدات المادية التي قدمها لنا إخواننا السريان المغتربون عندما بلغ نبأ هجرة الرها شواطىء القارة الأميركية البعيدة البعيدة... فنهض هؤلاء وقاموا بتضحيات كبيرة تلبية لنداء الفقراء والأرامل واليتامى ومدوا لنا أيديهم لتخفيف وطأة الفقر والبؤس والحرمان وغير ذلك من ويلات الهجرة التي حلت بنا بعد الرحيل ، ورأى هؤلاء في بؤس الفقراء رسالة الواجب فأرسلوا لنا مبلغاً محترماً من التبرعات لإغاثة الفقراء من مهاجري الرها ، تاركين أمر التصرف بها إلى الرجال الإداريين عندنا . وبدأ هؤلاء بدورهم يفكرون بكل أمانة وإخلاص بهذه المساعدة وأمر صرفها . فعوضاً عن صرف هذه العطايا على الفقراء لتخفيف جانب من حرمانهم المادي اعتزموا صرفها في تغطية تكاليف بناء عدد من المأوي
والملاجئ ، أو حارة من بيوت صغيرة بنيت من تراب وطين لإيواء ما يقارب عشرين أسرة فقيرة من مهاجري الرها . وتلك هي مجموعة البيوت التي صارت فيما بعد في مقدمة الأوقاف السريانية التابعة لكنيسة مار جرجس .-1- 2-
هذا وحمل الرهاويون معهم عند مغادرة بلادهم جانباً يسيراً من تراثنا الفكري من بقايا مكتبة الرها الشهيرة منها كتب صلوات وفروض دينية طقسية تستعمل على مدار السنة ، ومنها مخطوطات من نفائس المؤلفات السريانية . وقد ضاع بعضها بعد الهجرة بقليل وما تبقى منها موجود في كنيسة مار جرجس في حي السريان بحلب .

ومن جملة المخطوطات السريانية الموجودة في خزانة الكتب الرهاوية انجيل على غاية من القيمة التاريخية من مخلفات القرن الثاني عشر الميلادي على وجه التقدير ، وكذلك انجيلان صغيرا الحجم بالخط الكركري الدقيق كتبهما اياونيس الونكي ، مطران قبادوقية والرها ( 1599 – 1624 م ) . ومن هذه المخطوطات أيضاً نسخة فريدة عن مخطوط عنوانه (( مكتب زبنى)) أي التاريخ الديني المدني العام ألفه بالسريانية العلامة البطريرك ميخائيل السرياني ( 1126 – 1199 م ) . وقد نقله بالتصوير الضوئي ونشره المستشرق المعروف الأب يوحنا شابو منقولا إلى الفرنسية في أوائل هذا القرن . 
ولكتاب (( مكتب زبنى)) قصة دارت حوله عام 1931 ، يوم كان السريان الرهاويون بحاجة ماسة إلى كنيسة ومدرسة وما يلزم هاتين المؤسستين من المال. فاقترح مفكرو الطائفة ورجالها الإداريون بيع هذا الكتاب لأحد المتاحف الغربية والاستفادة من قيمته المادية في البناء والعمران . ومن أجل هذا تم عقد عدد من الجلسات المغلقة التي حضرها مراراً أعضاء الجمعية الخيرية وجمعية مار يعقوب الرهاوي ولفيف من الرجال العاملين في الحقل الطائفي . وفي الجلسة الأخيرة المنعقدة في 4 تشرين الثاني عام 1931 تمت الموافقة على بيع هذا الكتاب على أن يصرف نصف قيمته المادية لبناء كبيسة كبيرة ونصفها الآخر لبناء مدرسة ابتدائية حديثة حسبما جاء في بنود محضر تلك الجلسة .

ودارت الأيام تلو الأيام ... وجاء إلى حلب نيافة المطران مار سيويريوس أفرام برصوم ومعه مستشرق بريطاني تناول الكتاب وقدر ثمنه بستمائة ليرة ذهبية وأبدى استعداده لشراء الكتاب بهذا الثمن إذا تمت الموافقة على ذلك .
وعند هذا الحد حدث ما كان يخطر بالبال من الحوادث والمفاجآت . إذ انتصبت أمام نيافة المطران فئة من الشعب الرهاوي تريد الاحتفاظ بتراث الآباء . فشاهدت باحة الكنيسة معارضة شديدة صاخبة مما أدى إلى بلبلة صاخبة ما بعدها بلبلة ، فعاد كتاب
(( مكتب زبنى )) إلى مكانه أمانة عند أحد الأعيان واختفى محضر الجلسة الأخيرة كصفحة مطوية في ملف الأخبار .

وعلى القار
ئ أن يعرف كذلك ما الذي حل بالقسم الباقي من تلك الكتب التي لم نتمكن من حملها معنا إبان الهجرة . وأنا اليوم حين أسطر هذه الصفحة المطوية من أخبارنا ما زلت ساخطاً ناقماً على الأيام التي شاءت أن تظل تلك الكتب المكدسة في إحدى الغرف المهجورة في باحة كنيسة الرسولين حيث شاهدتها تحترق وتتحول إلى رماد في وسط النار وأنا دون العاشرة من عمري وقتذاك .
وما قلناه عن تراثنا الفكري يصح قوله عن تراثنا الفني الديني الماثل في العديد من المصنوعات الفضية كالمباخر والصلبان والأطباق والكؤوس . والثريات والشمعدانات وغيرها من الأواني الكنسية المطلية بعضها بالذهب . ولعل الذين عاصروا حوادث الهجرة يعرفون ما الذي حل من سوء تصرف بتلك الذخائر النفيسة ، فذهبت وشأنها وهي تذوب وتتحول إلى سبائك فضية بيعت يومذاك ودخل ما يعادل قيمتها نقدا في ذمة المصروفات المستورة ؟ !
وجاء بصحبة من هاجر من الرها رهط كبير من أرباب المهن والصناعات التقليدية اليدوية وعدد غير قليل من الأغنياء وصغار التجار والمزارعين ولفيف من عازفي الكمان وأصحاب مجالس الغناء والفنون الشعبية ونخبة من كبار الشمامسة ذوي المؤهلات الفنية في الألحان البيعية وثلاثة كهنة من الاكليروس السرياني هم : القس يوسف كيراكوس والقس بطرس برصوم سيفري والقس حنا رسام وبعد الهجرة بقليل تعين القس حنا رسام راعيا للكنيسة السريانية في الحسكة وانتقل القس بطرس برصوم مع أسرته إلى ولاية بوسطن بأميركا حوالي عام 1930 وبقي القس يوسف كيراكوس وحده يدير شؤون الطائفة الدينية والمدنية إلى أن تولى الأعباء الروحية معه القس ابراهيم دنهش من حمص عام 1933 حتى 1938 .

وبعد إحصاء النفوس لأول مرة في سورية عام  1925 منحت الحكومة الجليلة سكانها ومنهم السريان ا
لجنسية السورية (1926) . وعلى أثر هذه البادرة الوطنية البالغة الأهمية اندثر ما كان الرحيل عن الوطن قد أوجده في نفوسنا من الحنين والارتباط ومن الرجاء في العودة . والواقع إن تأثير هذا الارتباط الروحي الطبيعي بيننا وبين محيطنا القديم قد طال قليلاً إلى أن تلاشى شيئاً فشيئاً ما ساورنا من مشاعر العودة بعد هذه البادرة . ولم يطل الوقت بعد منحنا التبعية السورية حتى ارتدي السريان ثوباً وطنياً جديداً وطاقة روحية جديدة أوجدت اندفاعا في الأفراد والفئات للتغلب على البؤس والشقاء .

وانصرف السريان من ثم إلى الجد والعمل لتحسين أوضاعهم المعيشية وما يلزمهم من مآو ومساكن . ففي فترة قصيرة تحول مركز (( مخيم السريان)) إلى حي شعبي صار فيما بعد من أحياء حلب ويعرف باسم ((
حي السريان)) ؛ ففيه ثلاث كنائس  وثلاث مدارس ابتدائية ، وعدد من العيادات الطبية والصيدليات ، ومؤسسة استهلاكية ، وفرع للبريد ، وورشات لمختلف الصناعات والمهن اليدوية ، ومخازن للألبسة الجاهزة وحوالي 420 حانوتاً ، وسوق للخضروات والفواكه ، وسوق صغير للصياغة وناد للرياضة وناد آخر ( النادي الأفرامي ) للنشاطات الثقافية والاجتماعية والفنية ، ودار للعجزة والأوقاف وقاعات وصالات للمحاضرات والاحتفالات ومبنى حديث خاص بمطرانية السريان الأرثوذكس بحلب ومقر خاص للجركة الكشفية . والسريان القاطنون في هذا الحي يشكلون الأغلبية السائدة ، ويبلغ عدد نفوسهم حوالي ألف وستمائة أسرة حالياً ، وهذا الرقم يشمل الأسر الرهاوية التي قصدت الأقطار العربية المجاورة وكندا وأميركا وغيرها من ديار الغربة في الأعوام الأخيرة .

ولا يخلو لبنان أيضاً من السريان أبناء الرها الذين رحلوا إليه أفراداً وفئات على فترات قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها ، منها قرابة خمسين أسرة دفعتها المحنة والفقر إلى الرحيل والانتقال طلباً للرغيف والعيش في لبنان ( 1926 – 1928)، حيث ربط هؤلاء أنفسهم بالكنيسة الكاثوليكية مباشرة . وفي بيروت وحدها عدد كبير – حوالي ثلاثمائة أسرة – من الرهاويين وهم من ذوي الخبرة والمواهب بالمهن التقليدية فضلاً عن طبقة كبيرة من خريجي الجامعات والكليات ، يقطنون منطقة سكنية قريبة من سد البوشرية تدعى
(( حي السريان )). وهذا هو أحد الأحياء الذي يقطنه السريان في بيروت.

ولنا كلمة أخرى ننقلها إلى القارئ نقلاً عن ملف أبرشية السريان الأرثوذكس في بيروت ، وهي الأبرشية التي انتعشت وازدهرت ازدهاراً ملموساً في عهد مطرانها مار سويريوس يعقوب ، متروبوليت بيروت ودمشق (1950 – 1957) ، ( البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث فيما بعد) . وإذا اعتبرنا هذه الفترة الزمنية بداية عهد البناء والتقدم في حياة هذه الأبرشية فلا بد لنا من الاعتراف فيما احرزنها من التقدم والازدهار ، فيما بعد ، في عهد مطرانها مار أتناسيوس افرام بولس برصوم ، متروبوليت بيروت وزحلة للسريان
حالياً .  
ولأبناء الرها في بيروت دور طليعي هام وفضل كبير على ما أنجزت هذه الأبرشية العامرة لنفسها من البناء والعمران ، والرقي والتقدم ، ولا سيما منذ الحرب العالمية الثانية ، منذ أن برزت في الحقل الطائفي ((
جمعية النجمة )) التي أسسها الصيدلي المرحوم بطرس نقاش خدمة لأبناء هذه الأبرشية في الأمور التربوية والاجتماعية والخيرية وما إليها من خدمات أخرى في الحقل الطائفي . وقد انضمت إليها من أبناء الرها نخبة من العاملين الأوفياء ورهط كبير من الشبيبة دامت خدماتهم جانباً من العمر .

ومحلة السريان في حلب لم تكن على شيء من البهاء والجمال في باد
ئ الأمر . وما تزال ماثلة أعداد من البيوت القديمة وهي عارية إلى حد كبير من التنظيم الهندسي والتخطيط . وقد بنيت بجهد الإنسان الفقير ، المجرد من الوسائل والمال وبعد النظر ، وبدت صغيرة متواضعة لا تختلف كثيراً عن الأكواخ الريفية تتجلى فيها انطباعات كئيبة ممزوجة بمآسي الهجرة ، بعضها من الطين المجفف بحرارة الشمس ، وقد سقفت بالتوتياء وطليت الجدران بالكلس ، وكانت تتلاعب فيها الرياح الحارة صيفا والباردة شتاء وأهلها معرضون للشقاء والحرمان من النار والنور والماء على مدار السنة .

وقد زال أثر البيوت الخشبية من الوجود بسبب ما عاناه المقيمون فيها من قسوة الطبيعة في الصيف والشتاء ولم يبق منها سوى بيت العبادة ، أي الكنيسة الخشبية الصغيرة التي أقيمت لممارسة الطقوس الدينية في أوائل عام 1926.  وعاشت هذه الكنيسة التذكارية حتى عام 1932 إلى أن أقيمت في مكانها بالذات الكنيسة الحالية المعروفة اليوم باسم كنيسة مار جرجس للسريان
 بحلب .

وأول وكيل تولى خدمة الكنيسة الخشبية هو أوسطه أفريم ترزي سلطان . وتلاه مقدسي رزق الله تورو ثم الوكيل بطرس الوكيل حتى عام 1932 . وما أن تم بناء الكنيسة الحالية حتى بدأ يخدمها على التوالي رجال مخلصون من أبناء الشعب ، هم بدروس آلاجه جي وفتح الله مقدسي انطون وبطرس يونان وحنا جراح وسليم تورو واسطفان حنا طاشجي . وهذا الأخير لا يزال الوكيل الحالي يعاونه جورج زكريا ساعاتي الذي له خدمة متواصلة للكنيسة منذ فترة طويلة من الزمن.  
ولا بد كذلك من الإشارة إلى نخبة أخرى من الكهنة وقدامى الشمامسة الجديرين بأن تذكر أسماؤهم نظرا لكبر الخدمات الفنية التي قدموها في مجال الألحان الكلاسيكية البيعية التي هي في نظري ثوب جوهري تتباهى به طقوسنا الدينية .

فمن المعروف أنه كان عندنا قبل الهجرة في اورفة رهط كبير من الكهنة والشمامسة ذوي الخبرة والمواهب الفنية في حقل الألحان الكنسية المستمدة من الألحان الثمانية الشرقية التي اقتبسها آباء الكنيسة السريانية على فترات منذ عصر القديس أفرام السرياني لتلحين الابتهالات والأناشيد والفروض الطقسية على مدار السنة .ولا تزال أسماء الكثيرين من هؤلاء تدوي في أذهاننا ، كالمطران عبد النور اصلان اوغلي والقس بطرس اطمه جه والقس توما آلو جرجو والراهب الرهاوي جرجي بالجي ، والقس حبيب توكمه جي والقس ادي توما والمعلم هارون كشيش اوغلي ويعقوب عطار وحبيب ماران وفتح الله جتال وآجي آروش وبرصوم نوكمه جي واوهان القس صليبا وعبد النور بصمه جي وصليبا كوركجي وصليبا ملكون وخوجه يعقوب هارون ، ومنهم أيضا جرجي اشلون والمعلم اسحق جاميرلي والمعلم عبد العزيز اجناس وابراهيم آسطو وحنا طحان وحنا اسطفان طاشجي وجرجي اديمانلي وعبد الغني شماس وغيرهم من مهرة الكهنة والشمامسة الذين أدركوا شأن هذه الألحان التقليدية المتوارثة وما لها من قواعد فنية ، فهي لأجيالنا ولبعدنا تراث الآباء يحتاج إلى من يلتفت إليه ويعنى به أكثر من أي وقت مضى .
ودارت الأيام في إطار الزمن وتوالت السنون . ونشأ من بعد هؤلاء رهط آخر من أبنائنا الموهوبين ولكل واحد أحلامه في طيات قلبه ، منهم من مضى سعياً وراء تراثنا الصوتي فبات يدور حوله همس الإعجاب من كل جانب . وبهذه المناسبة يطيب لي أن أشير إلى الخدمات الفنية  التي قدمها الموسيقار الفنان الأستاذ نوري اسكندر لاستكمال مؤهلات فرقة
الكورال الكنسي – لكنيسة مار جرجس بحي السريان – في مراحل تكوينها وتدريبها تدريباً سالماً لممارسة الألحان البيعية وفق قواعدها ، إضافة للدروس والتمارين اليومية التي كانت فرقة الكورال الكنسي تتلقاها من مدربيها معلمي التربية الدينية واللغة السريانية الطقسية بمدرستنا الابتدائية أمثال منير بربر ( القس) والانسة شميرام حيداري والأستاذ يعقوب توما ( القس) والآنسة اليزابيت سيوركلي.. لقد أكدت هذه الفرقة على دورها البارز في الاحتفالات الدينية على مدار السنة .

ولكن هذا لا يعني أن لدى كنيسة الرها اليوم من الشمامسة من له معرفة شاملة بالألحان الرهاوية البيعية التي هي جانب هام من تراثنا الاجتماعي . فلقد تسرب إليها النسيان شيئاً فشيئاً حتى غاب عن أذهاننا قدر كبير من هذه الألحان وجمالها وطابعها وبالتالي غدت تفقد تأثيرها وتفاعلها مع نفسية المؤمنين أثناء الصلاة . ولست أدري كم بقيت لدينا من المعرفة الوافية مما تمكننا من صيانة ألحاننا البيعية على صورتها الأصلية التي نال بها صيتا أهل الرها وديار بكر جيلاً بعد جيل .

 

 

 

 


قنشرين كافة الحقوق محفوظة 2004 -2011


Qenshrin.com
Qenshrin.net


 
All Right reserved @ Qenshrin  2004- 2011