لمحة عن الهيئات العاملة

في الحقل التربوي والتعليمي

 

جمعية مار يعقوب الرهاوي

جمعية لسان الأم

جمعية الشبيبة

تأسست جمعية مار يعقوب الرهاوي لأغراض تربوية تهذيبية عام 1927 ، وهي أول جمعية سريانية تشكلت بعد هجرتنا بهمة أحد رجالنا المخلصين وهو الأستاذ رشيد آلاجه جي ، بغية تمويل مدرستنا الابتدائية المعروفة اليوم باسم (( مدرسة بني تغلب الثانية للسريان )) ، وضمت هذه الجمعية رهطاً من الشباب الغيارى كان هدفهم الأسمى إيجاد مأوى لصغار الطلبة وإسعافهم بنعمة العلم والمعرفة .

كذلك يتوجب علينا اليوم أن نعيد إلى الأذهان الخدمات التربوية التي قدمها لنا في تلك الآونة رجال كنيسة مار أفرام بحي
السريان ، وقد أرادوا أن يكون للكنيسة الكاثوليكية نصيب في سياق التربية والتعليم والخدمات الإنسانية في إغاثة السريان المنكوبين . ففتحوا بدورهم مدرسة ابتدائية في بهو الكنيسة القديمة حيت نشأ كثيرون من أبنائنا الصغار مؤهلين بمباد
ئ القراءة والكتابة .
ويطيب لي أن أذكر للقار
ئ أن جمعية مار يعقوب الرهاوي مارست بكل وفاء وإخلاص مهامها ونشاطها في إنجاز الخدمات الضرورية من أجل تنفيذ برنامجها التربوي رغم قساوة  الظروف والحرمان المادي حتى عام  1936 حين اندمجت مع شقيقتها المعروفة باسم
 (( جمعية لسان الأم )) فكان ميلاد ((جمعية الشبيبة)) نتيجة لاندماج هاتين الجمعيتين اندماجاً سليماً في بوتقة واحدة . 
وبعد عام 1936 نزلت إلى ساحة العمل جمعية الشبيبة تسعى وتعمل على إنجاح  مسيرة التعليم والتربية بين طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية من جهة وفي صفوف الشعب من جهة أخرى للقضاء على آفات الجهل والتأخر والقيام ببناء مجتمع خال من الأمراض الاجتماعية .
كان تخلف الأسرة الرهاوية بادياً للعيان ، مرئياً من زوايا مختلفة ، اجتماعية ومادية ، كما كانت صورتنا الروحية تعكس مظاهر الفقر والحرمان ، لكل من أراد الاطلاع  على خفايا حياتنا الاجتماعية . وهكذا فقد كانت تلك الحياة كئيبة يخالطها الأسى ، ولكنها لم تكن خالية من القدرة البشرية . وأعتقد أن الردة النفسية تفعل في النفوس بقدر ما تفعل الضرورة والاقتضاء في القضايا الحياتية ، وكأنها قوة نجهل مصدرها كانت تدفعنا دوماً إلى الأمام . لم تقف النفوس الواعية الحائرة موقف المراقب أو الملاحظ الحيادي إزاء المدارس السريانية المتلاشية تحت رواسب التقاليد ، أعني الطريقة التدريسية القديمة ، بل فرضت على نفسها إغاثة الطالب المحروم من نعمة العلم والمعرفة بما لديها من الكتب المدرسية والأساليب التدريسية الحديثة التي درجت مدارسنا الابتدائية على تطبيقها بعد الحرب العالمية الثانية . 
ومنذ ذلك الحين طرأ تطور نسبي بين جدران المدرسة وهي تنتقل من حال إلى حال ومن مرحلة إلى أخرى ، تنتعش بالأساليب التدريسية الحديثة وتعتز بما أسدت إليها الشبيبة من خدمات تمهيدية إيجابية في مسيرتها التعليمية .
لقد تعمقت في النفوس فكرة الانتماء إلى الحركة التربوية ، من أجل بعث فجر جديد ، يطل علينا نتيجة ما يتوفر للطالب من مزايا عقلية وأخلاقية تساير التقدم والارتقاء . فلم تلبث الأسرة الحالمة باليسر المادي أن أبدت حرصاً شديداً على تربية الأبناء واهتماماً مماثلاً بتهذيب البنات بنعمة العلم والمعرفة ، وامتلأت قاعات الدرس بالفتيات إلى جانب الفتيان في كل مرحلة من مراحل الحياة التعليمية . 
/رهط من الشباب العاملين في الحقل الكنسي/

كانت هذه أولى خطوات نهضتنا التربوية والاجتماعية بعد الهجرة... بعد يقظة من نوم كان لا يختلف كثيراً عن النوم الطويل ، ولم تكن جمعية الشبيبة يومئذ تملك سوى الجهد الكبير ونخبة من الشباب الأوفياء والمخلصين يبذلون كل ما في وسعهم من الجد والعمل لإعلاء شأن الوطن والملة والكنيسة في وقت لم يكن لنا فيه مساعد ولا معين.

إن هذا الاعتماد على النفس والثقة بها ، هذا التساند العملي بين رفاق العمل إذا دل على شيء فإنما يدل على سلامة الجهود المتواصلة في المجال التربوي _ الاجتماعي والتي باتت الشغل الشاغل لجمعية الشبيبة وغاية هيئتها الإدارية التي كثيراً ما كانت تتشكل من الأعضاء الاداريين أمثال السادة : ابراهيم قاطرجي وباسيل حمامجي وحنا جراح وسمعان شماس وعبد النور خياط وعبد الكريم هاكو ونجيب سعادة ونوري خوري ويعقوب مختار وابراهيم بوجاقلي وغيرهم من أسرة الشبيبة التي تولى رئاستها عبد الكريم استانبوللي ويوسف نامق على التوالي قرابة ربع قرن من الزمن .
كانت سجلات هذه المؤسسة الكنسية تحتوي على صفحات متتابعة ملأى بالذكريات ، وملف أخبارها كان طافحاً بالوفاء والعطاء لخير الشعب وصالحه . وإذا كان العطاء من شأنه أن يكون مصدراً للسعادة الروحية فلنا نصيب في تلك السعادة من وراء أول تقويم سرياني متتابع قدمته لنا هذه الجمعية منذ عام 1937 لنزين به جدران بيوتنا المطلية بالكلس . وإذا قلنا إن رواتب الهيئة التدريسية كانت تصرف بكاملها من تبرعات وواردات جمعية الشبيبة عرفنا أنها قامت بمجهود جسيم مدفوعة بحب التضحية والواجب . وهي ذاتها التي ضمت مساعيها إلى مساعي المجلس الملي لبناء دار مدرستنا الحالية بحي السريان ، بعد الحرب العالمية الثانية .

وباختصار  كانت مدرستنا –
بني تغلب الثانية – بحاجة قصوى إلى الكتب الدراسية السريانية لتحل محل الوسائل التدريسية البالية ، أي التدريس الشفوي ، فحثت هذه المؤسسة أقلام اللغة السريانية على إعداد وإصدار سلسلة متتابعة من هذه الكتب الحديثة المصورة . كنا نجهل فوائد الخطب والمحاضرات والإصغاء إلى الأحاديث الدينية والأخلاقية والتاريخية ، أو الاشتراك في الحوار الفكري أو الدخول في المناقشات أو الانتماء إلى النشاطات الكنسية أو القيام بالرحلات ، فأوجدت لنا هذه الجمعية منبراً للخطابة ومكاناً للمحاضرات ومسرحاً للتمثيليات وصالة للاجتماعات وأخرى للدرس والمطالعة . وكم كانت كبيرة فوائد هذه النشاطات الرامية إلى نهضة جماعية ، فقد انضمت قافلة من النساء ( جمعية النهضة للبنات ) إلى جانب الرجال فرعاً مساهماً لإنارة الطريق المؤدي إلى آفاق واسعة نحو مستقبل مشرق . 
لقد سهرت هذه المؤسسة برجالها ونسائها استعداداً لتلبية نداء الشبيبة وأمانيها وأحلامها إلى جانب متطلبات مدرستنا الابتدائية وما يلزمها من دعم ونشاط من أجل تنفيذ برنامجها التربوي وتطويره .

ولا بد من الإشارة إلى تقدمها المنشود يوم كانت تحت إشراف لجنة مدرسية منظمة مؤلفة من السادة والسيدات : توفيق قلايجي وبشير كلور والمهندس عبد النور كلور والأستاذ بيير خوري وجورجيت كللو وفيوليت خياط ، وما طرأ عليها من نمو ملموس من حيث عدد طلابها وصفوفها يوم كان الأستاذ أمين لوقا مديرا لمدرستنا ( 1943 – 1947 ) . وازداد دعم حكومتنا الرشيدة لها واهتمام أبناء كنيستنا بها أيام كان الأستاذ يعقوب نامق مشرفاً عليها ، يتولى شؤون المدرسة الإدارية ويقوم مع الجهاز الإداري بتنفيذ الخدمات الضرورية سواء في المجال التربوي أو التنظيمي أو المالي . أضف إلى ذلك دور مركز التربية الدينية ( 1982 ) ودور المعلم المخلص لمهنته وخدمات الأسرة التعليمية الحالية ودورها الهام في تهذيب أجيالنا الصاعدة تهذيباً علمياً وخلقياً . ونحن ، ما زلنا نذكر خدمات فئة من معلمي ومعلمات مدرستنا الخاصة الذين قاموا بأعباء التعليم خير قيام خلال حقبة عزيزة من العمر نخص بالذكر منهم السيدات والسادة : كاترين اسكندر وجورجيت بقال وجانيت طاشجي وفريدة بولص وعبود عبد الاحد وكريم كسبار وغيرهم ولا ننسى كذلك خدمات القس منير بربر يوم كان راهباً ينتمي للأسرة التعليمية ويعمل مرشداً لطلاب مدرستنا الابتدائية وقد قضى سنين طويلة في تعليم الناشئة وتهذيبهم روحياً وهناك آخرون ممن جعلوا من الكنيسة والمدرسة ميداناً للتوعية والعمل حافلة بعطاء الفكر والقلب ، أمثال الأستاذ ابروهوم نورو ، فقد كان له وما يزال دور خاص في تعليم اللغة السريانية في إطار الدورات التعليمية وجدير بالذكر أن هذه الدورات نشأت وترعرعت بتوجيه ودعم مطران الأبرشية مار ديونيسيوس جرجس وبمساعي مديرها الأب الخوري برصوم أيوب ونخبة من الشباب منهم : برهان حنا ايليا وسليمان باهي والاكليريكي يعقوب آيدين والاكليريكي شمعون اسمر ( الخوري ) وغيرهم من العاملين في الحقل الملي ممن ثابروا في تعليم لغة كنيستنا الرسولية المقدسة عن طريق دورات تعليمية متسلسلة بين الأعوام 1961 – 1966 . وما أن انتهت مهمة الفوج التعليمي الأول حتى حل مكانهم خريجو الدورات السريانية ، منهم : جوزيف ترزي ( القس ) وجورج قمر وغيرهم من شبابنا ممن بادروا إلى التعليم والتدريس حباً بكنيستنا السريانية .
واليوم ، ما زلنا نشاهد موكب طلاب وطالبات الدورات في مسيرة حافلة مستمرة معطاء .

هذه لمحة خاطفة مقتبسة من ملف أخبارنا التربوية وهذه هي الظروف التي نشأت معها جمعية الشبيبة على هامش حياتنا التربوية يوم كانت الحياة أرضا قاحلة يابسة محرومة من الضياء الفكري ، فاحتلتها لتسد هذا النقص ، بل هذه الثغرة التي عانى منها قدماء الآباء تحت الكسوف الشمسي خلال عصور الانحطاط ، لم ترهبها قساوة الظروف ولا الحرمان المادي أحياناً ، بل ظلت مثالاً للتضحية والفداء ورمزاً للكرامة جانباً من العمر ، قرابة ثلث قرن من الزمن إلى أن تسرب إليها الضعف والعجز وتلاشت بدورها كما تتلاشى كل مؤسسة أو جمعية بفعل الظروف والزمن عندما تقف عن تفاعلها .وإذا كانت الأيام قد طوت كثيراً من العاملين في هذه الجمعية فإن ذكراهم ما تزال باقية بقاء الجهود والتضحيات التي بذلوها . وليس المهم رحيل أفراد ومجيء آخرين ، إنما المهم أن يظل الذين حملوا الأمانة حريصين على السير في الطريق نفسه .
إلى هنا ينتهي الجزء الأول من حديثنا عن مجالسنا الإدارية المرتبطة بمطرانية حلب وتوابعها للسريان وتجاربها الفردية والجماعية في إطار البناء والعمران ردحاً من الزمن بين الماضي والحاضر أرفعها في أسطر قليلة إلى القار
ئ السرياني للاطلاع والمعرفة لكونها حلقة من حلقات أخبارنا اليوم وغداً .
وعند هذا الحد نقف قليلاً لننتقل إلى صلب موضوعنا الأساسي الذي قد يوفر للقار
ئ طرفاً آخر من أخبارنا الخاصة من خلال نظرتنا وعلاقتنا بالحياة الاقتصادية والثقافية ، وهو الإطار الذي نجد فيه انعكاسات من مراحل حياتنا الاجتماعية كما نحن عليها اليوم .

والآن ، ونحن نتأهب لطي هذا الكتاب علينا أن نسأل عن، ونفهم مدى تقدمنا الاجتماعي ومركزنا من الحياة السعيدة المتطورة ، وعلينا كذلك أن نعترف بقيمة المؤهلات والمواهب العقلية والتناسب الضروري بينهما كأداة للمعرفة... ومن سياق الوعي أن نسأل ونعرف بعد هذا ، أين نحن من التربية والتقدم الصناعي ؟ أين نحن من طبيعة حضارتنا وتراثنا الديني، تراث أسلافنا الصالحين؟ أن نحن من محافل المعرفة والأدب، أدب اللياقة والسلوك الوطني وروح الاستشارة والتعاون التي كثيراً ما تؤدي إلى البناء والعمران؟ وأين نحن من العمل الجماعي والتضامن والتعاون في سبيل الفرد وإعلاء شأنه وما هي طبيعة هذه العلاقات التي تربط أخلاقيا واجتماعيا بين الفرد والأسرة والوطن؟ هذا هو السؤال الكبير، والأهم من ذلك هو الجواب على هذا التساؤل.

والإجابة على هذا السؤال اليوم أتركها لأجيالنا الصاعدة السائرة مع التقدم الحضاري


المؤلف يوسف نامق
حلب ـ سوريا
25-11-1984

 

 

 


قنشرين كافة الحقوق محفوظة 2004 -2011


Qenshrin.com
Qenshrin.net


 
All Right reserved @ Qenshrin  2004- 2011