الولادة: 412
الوفاة: 503
لا يزال الغموض يلفّ حياة نرساي الملفان، فالتواريخ غير دقيقة، والأرقام مبالغ فيها، والكثير من كتاباته مدفون في مخطوطات خزائن المكتبات العالمية أو في طبعات غير نقدية. ولا تُتيح مصادر حياته متابعة سيرته بشكل علمي، لأن القدامى لم يهتموا بحياة شخص ما، إلا عندما اشتهر، إذ ذاك ينصب اهتمامهم على إبراز مناقبه، ومكانته وعلمه وقداسته، ويعودون إلى رواية أحداث طفولته بشيء من السحر، فيختلط الحقيقي بالأسطوري، ويصعب التمييز بينهما.
تُشير معظم المصادر، التي تحكي عن نرساي الملفان، إلى أنه أبصر النور في قرية ((عين دلبي))، على مسافة بضعة كيلومترات من مدخل مدينة دهوك، في شمال العراق، وعلى الأرجح بين عام412 ـ 413 ولما كبر الطفل، انضم إلى ربان((معلم))القرية ليتعلم القراءة السريانية والكتابة. والكتاب المنهجي انذاك كان كتاب المزامير ((داويذا)). ويذكر المؤرخ برحذبشبا عربايا أن نرساي تعلمه (أي حفظه) ولما يبلغ عامه السابع. وعندما أمر الشاهنشاه بهرام الخامس، الملقب ببهرام كور عام 421 ـ 422 ، بملاحقة المسيحيين لا سيما المهتدين منهم من المجوسية، وركّز على كبار رجال الدين، راح والدا نرساي ضحية هذا الاضطهاد، الأمر الذي اضطره على الفرار إلى المنطقة الحدودية الفارسية الرومانية مع معلمه وأقرانه. ولم يعودوا إلى بلدتهم إلا بعدما هدأت الحالة بفضل مساعي الامبراطور الروماني ثيودوسيوس الثاني. وبعد تسع سنين من الدرس والمتابعة، قصد ملفاننا عمّه عمانوئيل، رئيس دير كفر ماري في مقاطعة بازبدى. وإذ توسم فيه العم توقّد الذهن والرغبة في المعرفة، أرسله إلى مدرسة الرها الشهيرة لاستكمال تحصيله العلمي. ومكث نرساي فيها عشر سنوات، بعدها استدعاه عمه للتدريس في دير كفر ماري. لبّى نرساي دعوة عمه وغادر الرها إلى الدير، ولكن لم يبقَ فيه طويلاً، إذ عاد سراً إلى مدرسته التي استهوته. ويبدو أنه أمضى فيها هذه المرة أيضا عشر سنوات أخرى، قضاها بين البحث والتدريس.
وفي النهاية استدعاه عمه عمانوئيل، الذي كان قد طعن في السن، إلى تسلّم رئاسة الدير، فترك نرساي الرها على مضض. ولكن حالما توفي عمه، سلّم إدارة الدير إلى راهب يدعى جبرائيل، وعاد فاستقر هو في الرها. وكان ذلك على الأرجح سنة457 أي سنة وفاة هيبا أسقف الرها الذائع الصيت. وفيها التقى ببرصوما أسقف نصيبين. أما ما أورده التاريخ السعردي من أن نرساي وآقاق الجاثليق وبرصوما، قد قاموا بزيارة مدينة مصيصة لنيل بركة ثيودولس، خلف ثيودورس اللاهوتي الشهير (توفي عام 428 )، والذي لاندهاشه بعلمه وقداسته، سماه ((لسان المشرق وشاعر المسيحية ))، اعتقد أن هذا ليس سوى أسلوب من الأساليب الأدبية الشائعة عند القدامى لتعظيم بطلهم.
متى تبوأ نرساي رئاسة مدرسة الرها ومتى غادرها ؟
يوجد إختلاف بين المصادر بشأن تحديد تاريخ رئاسة نرساي لمدرسة الرها. تذكر بعض المصادر إنه أدارها مدة عشرين سنة، وتكاد تتفق المصادر نفسها على مدير واحد للمدرسة بين أفرام ونرساي تُسميه تارة ربولا وتارة قيورا. ويذكر أسقف حلوان أن قيورا خلف أفرام وساس المدرسة مدة 64 سنة أي إلى وفاته سنة 437. في هذه الحال يكون نرساي قد خلفه في السنة ذاتها. ويؤكد عربايا بأن عقب وفاة قيورا إتْجهت أنظار أساتذة وطلاب مدرسة الرها إلى نرساي القسيس، ونادوا جميعا بصوت واحد إنه الأكثر جدارة ومقدرةً بمنصب رئاسة المدرسة، ليس بسبب سنّه ونقاوة حديثه فحسب، بل بسبب سيرته. ترى هل هذا معقول؟ إذا قبلنا إنه خلف قيورا عام437 يكون عمره في هذه الحال نحو 24 سنة ،ولو سلمنا بأنه مكث عشرين سنة في ادارتها فتكون مغادرته سنة 457، الأمر الذي يتعارض مع بقية المعطيات.
لنحلل بدقة المعلومات التي في حوزتنا:
1- إن مدرسة الرها أغلقت تماماً بأمر زينون الامبراطور الروماني عام489 وهُدمت، وقد يرتبط بهذا التاريخ تأسيس مدرسة نصيبين كبديل لها. يقول سمعان الارشمي في رسالة كتبها عام 510 أي بعد وفاة نرساي بقليل : ((بعد موت هيبا طرد الفرس ((أي المؤيدين لآراء نسطوريوس) من الرها مع جميع الكتبة الرهاويين المؤيدين لهم. وإذ ذاك بمساعي الطوباوي مار قورا، أسقف الرها، وبأمر اصدره الامبراطور الروماني زينون، دُمّرت المدرسة نهائيا، حيث كان الفرس يدرسون، وشُّيد محلها معبد إكراماً للعذراء مريم والدة الإله :ثيوتوكس)) كذلك ابن العبري يؤكد أن الفرس غادروها عام 489، والتجأوا إلى مدينة نصيبين المجاورة حيث انشأوا مدرسة مماثلة. هناك سؤال يطرح نفسه، إذا كان الفرس قد غادروها فعلاً بعد موت هيبا سنة 457، فما الفائدة من تدميرها بعد 32 سنة؟
2- يذكر ماري بن سليمان في ((المجدل ص44 )) أن نرساي كان موجودا في الرها في بداية أسقفية قورا عليها (471 ـ 498 ) وبعده فرّ إلى نصيبين حيث استقبله برصوما أسقفها. في اعتقادي أن نرساي المولود ما بين 412 ـ 413، تسلّم رئاسة مدرسة الرها عام470 ـ 471 وله من العمر 58 سنة، ومكث فيها عشرين سنة، في أصعب فترة عرفتها المدرسة بسبب النزاعات المذهبية والسياسية، وغادرها عام 489، الأمر الذي يتماشى مع المصادر. أما مسألة قورا الأسقف، فنعرف أن الانتماء المذهبي في تلك الظروف لم يكن ثابتا، إذ ينقلب الشخص من مؤيد لمدرسة لاهوتية ما إلى معارض بسبب التطورات السياسية واللاهوتية. فيمكن أن يكون قورا نفسه مؤيدا في البداية للاتجاه الثنائي في الكريستولوجيا، ثم غيرّ رأيه إلى الطبيعة الواحدة.
يبقى العائق الأكبر أمام قبول رئاسة نرساي لمدرسة الرها في فترة 471 ـ 489 هو أن المصادر تذكر شخصاً واحدا بين مار أفرام وبينه، غير أنها لا تتفق على اسمه. وفي حال كونه شخصا واحدا، يكون قد بقي في الرئاسة مدة 98 سنة (أي من وفاة مار أفرام373 ـ 471 ورئاسة نرساي المقترحة) وهذا أمر غير مقبول. أما إذا استطعنا أن نستنتج من اختلاف الاسم بين ربولا وقيورا، وجود شخصين إثنين تواليا على إدارة المدرسة، فتغدو رئاسة نرساي في هذه الحالة أمراً اعتياديا.
على كل حال، في نصيبين احتضن برصوما الأسقف مدير مدرسة الرها الفار مع بقية الأساتذة، وعهد اليهم تأسيس مدرسة جديدة تسلّم رئاستها نرساي نفسه، ووضع لها نظاماً مشابهاً لنظام مدرسة الرها والذي بقي تحت الاختبار إلى أن تّم تثبيته في زمن هوشع خليفة برصوما سنة 496. وقد ورد في مقدمة النظام أن الأساتذة والطلبة ذهبوا إلى هوشع، وطلبوا منه تثبيت نظامهم بشكل نهائي، فأجابهم: ((لا يحق لأحد غيركم أن يثبت هذا النظام ويفرضه. اذهبوا ومعكم الطوباوي نرساي، الكاهن والملفان، ويونان، الكاهن والملفان واعملوا ما ترتأونه كنظام )). وركّز النظام الجديد على التفسير الكتابي الحرفي ـ التاريخي المتأثّر باتجاه مدرسة أنطاكية، لا سيما ثيودورس المصيصي، أحد كبار مؤسسي هذه المدرسة، ونرساي نفسه كان متحمساً له، ثم في الوقت عينه حافظ النظام على تقليد كنيسة المشرق المتمثل بخط أفرام، القريب من الخط الرّباني.
يبدو أن نرساي كان كاهناً ولم يبق، كما يعتقد راهباً أو أحد اعضاء جماعة العهد (بناي قياما)، ورد ذلك في شهادة عربايا وفي مقدمة نظام مدرسة نصيبين، وعند أسقف حلوان. كما نستشف ذلك من عمق أطروحاته ومعالجته لاسرار الكنيسة وطقوسها. ساس نرساي مدرسة نصيبين، التي أعطت كنيسة المشرق أبرز شخصياتها الفكرية والادارية حوالي 12 ـ 13 سنة، أي إلى أن وافته المنية عام 502 أو مطلع عام 503 عن عمر ناهز التسعين.
أما الخبر الذي أورده ماري بن سليمان واقتبسه منه التاريخ السعردي حول هروب نرساي من نصيبين إلى جبل قردو ، بسبب مضايقة ماموي زوجة برصوما، لأنه كان يوبّخ الأسقف على زواجه منها، فليس لنا دلائل لإثباته، خصوصاً وإن زواج الإكليروس، بكافة درجاتهم، كان أمراً مألوفاً عهد ذاك .
تآليفه :
كتب نرساي الكثير بحكم وظيفته، كتب شعراً ونثراً، وإليه ينسب البحر الإثنا عشري من أوزان الشعر السرياني المؤلف من12 مقطعاً صوتياً، يذكر له برحذبشبا عربايا وبرحذبشبا أسقف حلوان 360 ميمراً وأعمالا أخرى، من دون تقديم أي تفاصيل حول نوعية هذه الكتابات. أما قائمة التاريخ السعردي، فهي أوضح، إذ تذكر إنه كتب 360 ميمراً على عدد أيام السنة، وكتابا في السيرة القبيحة،
وفسّر التوارة ويشوع بن نون والقضاة وسفر الجامعة واشعيا وارميا وحزقيال ودانيال والاثني عشر نبياً وكتب تعازٍ، ويضيف عبد يشوع الصوباوي في كتابه ((فهرس المؤلفين))، إلى هذه القائمة، رتبة للقداس وتفسيراً له وتفسيراً للمعمودية وتراجم ومواعظ وارشادات وتراتيل وطلبات. لا نعرف، على وجه الدقة، هل هذه التفاسير هي نفسها التي وردت في الميامر، أم هي كتابات مستقلة؟ على الأرجح هي نفسها، ومع الأسف لم يصلنا من نتاجه سوى عدد من الميامر ومن التراتيل. ولا نزال في كنائسنا السريانية نتغنى بأناشيده الكثيرة، ونردد الكلمات التي قالها منذ 15 قرناً.
ميامرة :
يسرد ألفونس منكنا، في مقدمة طبعته لميامر نرساي، 81 ميمراً، يذكر إنه رآها مبعثرة هنا وهناك في المخطوطات وتكاد تكون قائمته هي المعتمدة حتى الآن. فوبس يكتفي بذكر 81 وكينيو ذكر 82، مكلاويد يشير إلى أنه وصلنا منه 80 ميمرا وسوغيثا واحدة. أما إبراهيم إبراهيم، فيذكر له 85 ميمرا، غير أن الميمرين 82 و83 لا يذكر منهما سوى العنوان من دون الاشارة إلى أي مخطوطات ولا مراجع بل وجد ذكرها في بعض الكتب. وقد أعطى في أطروحته موجزا تحليليا بسيطا لكل ميمر.
وزّع بومشتارك هذه الميامر، حسب المواضيع التي تعالجها، وقسّمها إلى مجموعتين مهمتين: الكتاب المقدس والطقوس لكون غالبية هذه الميامر تدور حول الدورة الطقسية، وقد استخدمت في الليتورجيا، غير أن فوبس قام بتفصيلها تحت عناوين عدة: الكتاب المقدس، التقوى، التفاسير، الطقوس، الحياة المسيحية، الكنيسة، اللاهوت، التاريخ، مما جعله يكرر نفس الميمر تحت عناوين مختلفة. وكينيو وزّعها على ثلاثة محاور: الطقس واللاهوت والأخلاق.
قام منكما بنشر 47 ميمراً فقط في مجلّدين عام1905 مع10 سوغيثات، ومن دون أيّ دراسة نقدية، وبعض منها مشكوك في صحتها، أقلّه في جزء منه، وعلى سبيل المثال الميمر15 في الاصلاح، وبعض العناوين لا تتماشى مع الفحوى. وقد نشر قرداحي نتفاً في ((الكنز الثمين))عام1875، كما نجد مقاطع في كتاب الفتات، طبع في اورمية1898، وفي المروج النزهية الجزء الأول 1901 وكتاب ((توركامي)) ليوسف قليتا الموصل 1928.
الميمر عن الملافنة الثلاثة: ديودورس وثيودورس وثيودوريتس، نشره مارتن مع ترجمة فرنسية في الجريدة الآسيوية على مرحلتين عام 1899 و1900. وترجم كونللي إلى الإنكليزية الميامر حول الأسرار في سلسلة نصوص ودراسات &Texts Studies كما نشر كينيو ميامر نرساي في الخلق، في الباترولوجيا الشرقية 34 عام 1968 مع ترجمة فرنسية، وكان قد ترجم أيضا الميمر 21 عن العماد والميمر17 عن الأسرار في Paris 7 .No ,Chretiennes Letters ,Chertienne Initiation .247 ـ 195 .p ,1963 وقد قام الأب د.جاك اسحق بترجمة القصيدتين21 ،22 إلى العربية (قالاسوريايا العدد 32 ـ 33 لسنة 1984 ص16 ـ 60 . كما نشر مكلاويد الميامر عن الميلاد والدنح والآلام والقيامة والصعود في الباترولوجيا الشرقية عدد 40 لسنة 1979، وعمانوئيل بتق ترجم خمسة أمثال من الإنجيل إلى الفرنسية، نشرها مقابل النص السرياني، باريس 1984. وتوجد ترجمة لبعض ميامره في الإنكليزية والفرنسية والألمانية، وقد اعتمد مترجموها طبعة منكنا.
أما سوغيثا، وهي محاورة شعرية منظومة على البحر السباعي، فينسبها البعض إلى أفرام والبعض الآخر إلى نرساي ولم تحصل أية دراسة جادة لمعرفة صحة نسبتها. وكان منكنا قد نشر عشراً منها في الجزء الثاني من ميامر نرساي، وبعضها نجده منشوراً في كتب أخرى تحت اسم أفرام مثل محاورة العذراء والمجوس، وكان مكلاويد قد بيّن أن واحدة منها فقط هي لنرساي.
أسلوبه :
يستعمل نرساي في ميامره أسلوب الصور والمقارنات، يقتبس معظمها من الكتاب المقدس ومن الطبيعة، كما يميل إلى أسلوب التوازي: وعادة يبدأ العجز بتكرار أول لفظة أو عبارة من الصدر أو أقلّه بتكرار الفكرة. إنشاؤه محبوك، وشعره سلس ومشوّق ولا يسبب الملل للقارئ، فمن حين لآخر يدعوه إلى المتابعة بجمل مثل: تعال، لنذهب، لنكن، أو يستعمل صيغة المنادى أو الأمر ويبدأ بالمدراش ثم بالميمر. هناك بعض التكرار في قسم من ميامره وقدر من التكلف، إلا أن لغته تكاد تكون خالية من الألفاظ اليونانية. ومما يجدر ذكره أن هذه الميامر كانت في غالب الأحيان، ترتل ولا يزال بعضها يحمل في بدايته ردة تكرر بعد كل بيت أو أكثر.
أطروحاته اللاهوتية:
من مميزات فكر نرساي إنه مباشر وواضح، ومنفرد في سموه ووقاره، وهذا ليس بغريب على شخص مثله قضى معظم حياته في البحث والتعليم. لذا، دراسة كتاباته ضرورية لمعرفة سير اللاهوت في خطه المشرقي خصوصاً. هذا اللاهوت الذي يعرضه نرساي كتعليم مسلّم به، بأسلوب يميل إلى التأمل والوصف الرمزي أكثر منه إلى العرض البرهاني المنهجي. كما أن قسماً منه جاء في إطار دفاعي وهجومي أمام الآراء اللاهوتية المتعددة السابقة أو المعاصرة له، والتي يعدّها منافية للإيمان، مثل آراء برديصان وابو ليناريوس وفالنتينوس وآريوس وأوطيخا… وقد واجهها بعنف وبألفاظ لا تليق بالروحانية المسيحية!!.
إن إشكالية اللاهوت في ميامر نرساي هي أن الألفاظ المستعملة كانت لا تزال ضبابية، غير واضحة. كل طرف أعطاها معنى معينا وبكثير من تصلّب. وقد تأثرّ نرساي بالفلسفة اليونانية، بأرسطو وأفلاطون وبآباء اليونان، لا سيما ديودوس وثيودورس وثيودوريتس الذين اعتُمدت كتاباتهم في التدريس في مدرسة الرها ثم في نصيبين. كما أن قراءة نرساي للكتاب المقدس كانت قراءة تاريخية بمعنى أنه يعتبر رواياته حوادث حصلت. يستعمل التفسير النمطي، أي يجد صورا للعهد الجديد في العهد القديم، ويستخلص منها عِبَرا للأخلاق المسيحية.
نظرته إلى الإنسان:
يراقب نرساي، عن كثب، حياة الإنسان ويتأمل بعمق في تقلباتها، فيصوّر بشعره فرحه وحزنه، راحته وتعبه، نجاحه وفشله، خيره وشرّه، تركيبه وكيانه، مازجاً الفلسفة بالواقع، والكتاب المقدس بالأخلاق، والروحانية بالتصوف. يتبع انتروبولوجيا زمانه وخصوصاً التي يعكسها الكتاب المقدس.
الإنسان ليس وليد المصادفة، إنما خلقه الله بقصد محدّد على صورته ومثاله: ((لم يستهو ـ الله ـ خاطرة جديدة في خلق البرايا، فإنها كانت منذ الأزل في فكره وكيانه… وفي كل ما جاء إلى الوجود، لم يسمع الله سوى صوته، ولكن في خلق آدم ، ها نحن أمام شورى وخاطر جديد.. هلموا نصنع الإنسان شبيهاً بنا، به نشد كل شيء لما لنفسه وجسده من قرابة مع الكائنات فيكون شبيها بالسماويين في حياة النفس، وقريبا من الجسديين في تركيب الجسد.
نرى أن نرساي مرتبط بانتروبولوجيا الكتاب المقدس، مع بعض إضافات فلسفية اقتبسها من اليونان وخصوصاً أفلاطون وأرسطو، مثل فكرة أن الإنسان عالم مصغر وإنه مركب من عنصرين: من جسد فانٍ ونفس خالدة: ((صنع الله الجسد أولاً بخلقه الإنسان ثم أوجد النفس وأحلها فيه)). ((غرس الله الحياة في الطبيعة المائتة. فاقتنى الناس الحياة الخالدة في ضمائرهم)). وتبقى النفس بعد الموت في حالة سبات إلى يوم القيامة حيث ترجّع جسدها.
ويرى نرساي أن الإنسان في خلقه وكيانه صورة مصغّرة للثالوث، وهنا يكون قد تعدى مدلول الكتاب المقدس في لفظة ((لنصنع))، كما فعل بقيّة آباء الكنيسة الذين رأوا في صيغة الجمع إشارة إلى الثالوث الأقدس.
يقول: ((في نفسنا صاغ الله مثالا … يشير إلى أقانيم القيّوم الثلاثة: الابن والروح اللذين من الآب، كما أن الكلمة والحياة تنبثقان من النفس)). يكمل الإنسان مجرى حياته بفضل الناس الآخرين وبدونهم لا يمكن أن يكون إنساناً حقاً، ويشّدد نرساي على العلاقات وعلى المشاركة: ((كم هو سيء ألا يشرك الإنسان في سعادته الناس الآخرين، وحتى لو كان سعيدا في نفسه، يبقى خاليا من السعادة. كم يبقى المرء جاهلاً إذا عمل لمنفعة نفسه فقط! إن الذي يملك لنفسه فقط، لا يملك البتة… ولا يمكن للإنسان أن يكون إنساناً حقاً من دون الناس، وحتى برّه من دون الآخرين ليس ببرّ )).
الإنسان في نظر نرساي حرّ يمكنه تحقيق ذاته وصورته. لذلك هو في صراع مستمر من الداخل (الأهواء) ومن الخارج (مع الأرض والكائنات الأخرى) في محاولة لترويضها وتوظيفها : ((إن الباري إذ كوّن الإنسان وضع فيه ذروة الحكمة، لقد صنعه سيّد إرادته لكي يقرر مصيره كما يشاء. في حرب مع الأهواء ليل نهار، ولا حدّ لساحة شهواته. حرب ضارية معلنة دوما ضد نزعاته، وإن غفي انسلت الشهوات، وسبت حريته.
أما نظرته إلى المرأة والزواج، فمرتبطة بمعطيات الكتاب المقدس. فالمرأة التي يتكلم عنها أساساً في ميمرين 12 و47 هي أمّ الحياة وأمّ الموت، مرعى الفضيلة، ومنبت الرذيلة، بؤرة غيرة وشهوة وأحقاد، إنها سبب كل الشرور التي حصلت للبشر منذ بداية الخليقة. ويستشهد بما حصل ليعقوب ويوسف وشمشون وداود. ويدعو المرأة إلى الاقتداء ببعض نسوة العهد القديم كسارة ورفقة وحنة وبخاصّة إلى اتباع مثال حواء الثانية مريم؛ ويقيم مقارنة بين حواء ومريم على غرار ما فعل ايريناوس وأفرام . ويحذّر القارئ من الوقوع في فخاخ المرأة: ((انهن يجعلن العفيفين دنسين، ويشوشّن على المتزنين، ويضعفن الأبرار. ويل لمن يقع في شباك حيلهن..إذا كانت حواء قد كسرت داؤد كنارة الروح، فمن ترى يقدر أن يصمد أمام حرابها. إلا إنه يرفض أن يرى الشرّ في طبيعة المرأة، إنما الشر هو في سوء استعمالها لحريتها: ((ليس ميلك إلى الشر مرتبطا بطبيعتك، بل إرادتك هي التي تخطأ… وإرادتك هي التي تقودك إلى حيث تريدين. الخير والشر يعملان فيك وأنت مسلّطة عليهما كحرّة، وحريتك هي التي تفعل الجميل والقبيح)).
((في البدء خلقها باري الكل مسكناً بهياً. إلا إنها وسّخت جمال نفسها بأعمال قبيحة)).
ويستعمل نرساي في وصفه هذا كلمات خشنة. وبخصوص الزواج، يسير نرساي في خط مار بولس:
الرجل رأس المرأة، والزواج سريره نقي، ويلّح على وحدة الزواج الذي هو بصورة الثالوث (الشركة) ويقدّم بعض نصائح عملية: ((نقية هي المرأة التي تبتعد من الدنس، ومقدس وطاهر زواجها وكذلك الطفل المولود منها ..إنها وزوجها متساويان في التعب والأجر، إنهما يرثان الأرض هنا وملكوت السماء هناك)). لذلك يدعوها إلى الحشمة في جسدها وفكرها.
يرى نرساي أن تجديد الخليقة سوف يكون أجمل من بدايتها. الخلقة الأولى زمنية والثانية سرمدية. وهذا التجديد يقوم به الله من خلال يسوع المسيح: ((قلت أن الخليقة كلها تصعد معه في صعوده، لأن كل الخلائق الناطقة والصامتة مرتبطة بجسده ونفسه. هلمّوا نستعد… )). ففي المسيح تحققت صورة الإنسان الكامل: ((لقد دعا الله آدم الأول صورته نظرياً ولكن في المسيح، آدم الثاني صار الإنسان صورته واقعياً. في المسيح تحققت الوعود التي قطعت لآدم الذي دعاه صورته وفسدت، ولكن ها هي ذي عادت جديدة في المسيح )). وقيامة المسيح هي النهاية السعيدة للإنسان، والتي إليها يصبو ويسير طوال حياته: ((المسيح قام من بين الأموات ولن يموت بعد، لذلك قام كل كياننا مع ابن جنسنا الواحد، كيان آدم بكل ما له، وإذا قام عضو منه، فقد قام الكل، أصعدنا معه حيث صعد، كما يذكر بولس، وإن كان ذلك حقيقة، فكل الكيان يصعد معه..إنه معه في الموت، ومعه في الحياة ومعه في المجد)) إذاً يؤكد نرساي: ((على مثال قيامة المسيح، مبدأ حياتنا، سيبعث الجسد الظاهر والنفس الخفية )). وفي ميامره عن الخلقة، يتصور نهاية العالم في سنة الألف، فهو مثل أفراهاط وأفرام يتبع مبدأ الألفية: 6 آلاف قبل المسيح وألف سنة بعده حيث تحصل النهاية الحتمية. نجد الفكرة عند معاصره يعقوب السروج .
الخطيئة الأصلية :
يتكلم نرساي عن أحداث الفصول الثلاثة الأولى من سفر التكوين في ميمر 29 ، حيث يسير بمحاذاتها.
يتبع خلق آدم وحواء والفردوس والسقطة والقتل الأول. كما نجد إشارات في الميامر34 و36. يذكر نرساي إن الله خلق الإنسان على صورته، وخلقه سيداً على الكون كله: ((في العالم، المدينة الملكية، وضع الله صورته المنظورة، وعرف قدرته الخفية)). إلا أن آدم بتمرده لم يمكث في الفردوس سوى نهار واحد: ((نهارا واحدا مكثت الكائنات المخلوقة ـ الإنسان ـ من التراب في الفردوس، إذ عند غروب الشمس غادرتها كغرباء إلى بلد آخر )). ويعدّ خطيئة آدم تجاوز على وصية الله. وكان حراً بقبولها إلا أنه فضل التجاوز لاختبار حقيقة حريته واستقلاله. وبسبب آدم فقدت الخليقة تناغمها: ((كل الخليقة راحت تبكي على صورة آدم الجميلة التي بها كانت متحدة بالمحبة، وجاءت الخطيئة فحلت رباطها)).
والجديد عند نرساي هو عدّه العمل والتعب والألم والموت ضمن تركيب الطبيعة المخلوقة وليس بسبب الخطيئة الأولى: ((إن تركيب جسد آدم يعلن إنه كان مائتا، وكذلك زواجه مع حواء كان مليئاً بالألم )). ((إنه ـ أي ـ الله كان يعرف بخلقه ايانا إنه صنعنا مائتين، خليقته كلها تشهد إنه كان يعرف ذلك، لأنه هو الذي خلقها خاضعة للموت)). ويتسآل لماذا يوجد ذكور وإناث إن لم يكن بهدف ضمان ديمومة الجنس البشري. وإن العصيان لم يكن سوى فرصة لبرهان الحرية. ويرفض نرساي نقل الخطيئة الأصلية بالوراثة، ذلك بتأثير ثيودورس في حين يقبله أفرام. ونلمس لديه تفاؤلاً كبيراً بخبرة آدم. من خلال هذه الخبرة الفاشلة،يدعو الإنسان إلى معرفة حدوده والإقرار بخطاياه والحاجة إلى التوبة. لأنه لا يوجد شر من موت الآثم .
فكرته عن الله :
يتكلم نرساي عن الله في ميامره المتعددة، وينطلق من علاقة الله بالخليقة (التدبير ) وليس عن كينونته… فأمام تعدد الخلائق يؤكد أن الله واحد أحد ووحدانيته مطلقة، وربّما هذا هو السبب في استعماله لفظة الكائن للدلالة على الله، ولفظة الكينونة أو الوجود للدلالة على الألوهية:
((إن الكائن واحد، وهو كما هو… وهو الذي أوجد الخليقة في البدء من العدم. والكائن لا يحتاج إلى أن يسأل العون من أحد في خلقه، كما أن الخليقة لا تقدر أن ترتفع إلى وجوده ـ ألوهيته)) ـ فالله هو الواجب الوجود، في نظر نرساي، ولا يمكن أن يُشركه كائن آخر في جوهر وجوده. وقد يرمي كاتبنا بذلك إلى إزالة الإلتباس عند مستمعيه بوجود قدرتين إلهيتين كما يدّعي المانويون: إله الخير وإله الشر. ((أنت هو كما أنت، وتبقى كما أنت من دون تغيير ورمزك يسير مع كل الخلائق من دون ما تعب)). ويعطي نرساي في ميمر 34 عن الله والخلقة، بعض صفات الله، بأسلوب النفي (apophatic ): ((لا بداية للكائن الذي أوجد الخليقة ولا نهاية له في نظام خلوده، إنه الكائن الواجب الوجود. هذا ما يستطيع العقل أن يقوله، لا غير. أما كيف هو، فالباب موصد أمام سؤاله.. إنه غير مركّب وغير محدود وغير منظور ولا يتغير عمّا هو أمام الضّد)). المهم في نظر نرساي هو تدبيره تجاه البشر: حنانه ورحمته، أمانته وحرصه، ويستشهد بآباء العهد القديم إبراهيم واسحق ويعقوب وداود وشمشون (طالع الميامر1،2،3،43 ).كما إنه يصف غضبه على الذين يخونون عهده .ويقوده حديثه عن الله إلى التكلم عن الثالوث :آب وابن وروح قدسٍ، من دون الدخول في تفاصيل لاهوتية نظرية. ويظل نرساي في نطاق التدبير فيعد حقيقة الثالوث أمراً مسلماً به.
يميّز في جوهر الله الواحد ثلاثة أسماء أو عمليات: الأبوة والبنوّة والانبثاق، ويستعمل للإشارة إليها لفظة أقنوم، بدلا من لفظة شخص، لكون الأقنوم يدلّ على جانب الكائن الخفي وشفافيته، في حين كلمة الشخص تشير إلى الجانب الظاهري الملموس .يقول نرساي : ((إبحث، إن أردت، بحثاً يليق بالكائن غير المحدود، كيف هي طبيعته المتساوية في الأقانيم الثلاثة. إبحث عن الطبيعة التي ليس لها بداية حيث يوجد: أبوّة وبنوّة وانبثاق.. وعندما أقول ((ثالوث)) لا أقصد ثلاثة كائنات، إنما أقانيم ثلاثة في وجود واحد..هم ثلاثة بحسب الأسم، وواحد ومتساوون بحسب الطبيعة )) ((الآب لا يدعى ابناً ولا الابن اباً، وتمييز اسميهما يُعلن حقيقة اقنوميهما. كما أن الروح أقنوم ينبثق من الآب ومساو له في كل شيء… واختلاف الأسماء لا يؤذي المساواة، إذ الأسماء تُشير إلى المرتبة، في حين تدل الأقانيم على المساواة في الوجود. ويستخدم نرساي مثَل الشمس وهو مثل مألوف عند كافة آباء الكنيسة، ليؤكد على الوحدانية من جهة والتعددية من جهة ثانية، وعلى عدم وجود تعارض بينهما، فالشمس واحدة في قرصها وضوئها وسخونتها، وبالرغم من أن القرص شيء والضوء شيء والحرارة شيء آخر، فإنها تسمى شمساً واحدة. كما يستشهد بمثَل الإنسان للدلالة على الوحدانية والتعددية، فالإنسان: جسد ونفس وقوى متعددة كالنطق والإرادة والحياة لكنه كائن واحد أحد، وكل الأفعال تنسب إليه. ويرجع نرساي في النهاية،فيؤكد بصراحة بأن الله والثالوث ليسا موضوع برهان، إنما هو موضوع إيمان: ((في الإيمان وحده ينبغي أن نبحث ـ فنزداد ـ إيماناً وحتى ذلك لا نقوم به كبحث مجرد، إنما بمحبة)).
تعليمه حول المسيح :
حتى نفهم تعليم نرساي بخصوص المسيح، علينا أن نضعه في إطار مفهومه للخلاص، الذي يتناوله في معظم ميامره، كما علينا أن نأخذ، بنظر الاعتبار، موقفه الدفاعي عمّا يتصوره اللاهوت المستقيم إزاء مفاهيم أخرى يعتقدها مضللة، مثل آراء ابوليناريوس ومفهوم الطبيعة الواحدة ونظرية الابنين: ابن الله وابن مريم. في نظر نرساي، المسيح صورة الله الممجدة، وهو الرباط الذي يوحّد العالم المادي والروحي، هذا الرباط كان الإنسان الأول قد حلّه بعصيانه. ويكمن الخلاص في قبول دعوة المسيح إلى معرفة الله ومحبته. وربما هذا هو السبب في تسميته المفضلة للمسيح بالرأس أو البكر: ((خليقة جديدة، خلق الباري على قمة الجلجلة، وأظهر قدرته الفنية في الإنسان المصلوب..ومثلما كان البدء قد أنجز خلقه في الإنسان، ها هو ذا ينجز خلقه في الإنسان في كمال الأزمنة)).
((كان آدم الأول قد دعي مجازا صورة الله ولكن المسيح، آدم الثاني،قد حقق في الواقع هذه الصورة .
أخذ صورة الباري وجعلها مسكنا لمجده. وفي المسيح تمّت بالواقع المواعيد التي كان قد قطعها مع آدم الذي أفسد صورته، فعادت وتجددت فيه)). ((كما كنا قد صرنا مائتين في آدم، هكذا أصبحنا خالدين في آدم الثاني، إذ شقّ لنا الطريق إلى الحياة الجديدة، وهو أول من فتح لنا باب السماء بالمسيح يتجدد كل شيء ويكتمل كل شيء ويخضع كل شيء تحت سلطان رئاسته)). ((وانظر أيها الإنسان، كم رفعك خالق الكل، إذ أخذ ما هو لك، وأعطاك ما هو له بالمحبة)). وهذا هو سبب عظمة درجة ذلك الإنسان _آدم الثاني _ الذي في عظمته، يرفع الخليقة إلى الخالق، شيء عجيب صنع الباري إزاء خلائقه، بإشراكه إياهم في أمجاد الوحي.
أما عن اتحاد الإله والإنسان في شخص المسيح الواحد، فلا يكتفي نرساي مثل بقية آباء هذه الفترة بلغة الكتاب المقدس، إنما يستعمل بعض مصطلحات فلسفية غير محددة المعنى بعد، للرد على الذين يقولون بطبيعة واحدة في المسيح، ويركّز على الجانب الإنساني لأهميته في تدبير الخلاص. لغته ومصطلحاته مختلفة، لا فقط عن الاسكندريين، بل أحيانا عن الانطاكيين، ويستخدمها في أطر مختلفة. ومن بين هذه المفردات: الطبيعة، الأقنوم والشخص وهي الكلمات الأساسية التي استُخدمت في الكريستولوجيا .
تختلف الطبيعة عند الآباء السريان المشارقة عنPhusis اليونانية. إنها طبيعة مجّردة وليس طبيعة عينية، كما يقدمها المطران إبراهيم إبراهيم. إنها إشارة إلى العناصر المشتركة بين الجنس الواحد، مثلا يتكلم نرساي عن الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية وطبيعة الخبز والماء والخشب والطين. فيقول عن طبيعة البشر: ((إنه _ المسيح ـ تكلم معهم بالجسد والروح بحسب طبيعتهم الجسدية والروحية)) في حين تعني لفظة اقنوم الطبيعة العينية الخاصة بالفرد. يقول نرساي : ((لم اقنومك)) أي لمُ ذاتك. ويستعملها في حديثه عن الثالوث الأقدس لكونها تعبّر عن الجانب الجوهري، فيقول ثلاثة اقانيم وليس ثلاثة أشخاص، لكون لفظة الشخص تشير إلى الجانب الظاهري الملموس للأنا. وقد استعمل بعض الآباء المشارقة لفظة الوجه. وليس كما يقدّمها إبراهيم إبراهيم بمفهوم الشخص الحالي أي الجانب الجوهري العميق للأنا. والطبيعة والشخص والاقنوم ليست مترادفة، كما الحال بالنسبة إلى الآباء الاسكندريين. في ميمره عن الملافنة الثلاثة، يناقش نرساي مفهوم الطبيعتين في المسيح: ((ميّز الملافنة _ الثلاثة _ الطبائع لئلا يتعكر التناغم بينها، جمعوها في الشخص الواحد.. شخصاً واحدا سمّوا الكلمة والجسد)) (عن مارتن 499 وقد ترجم لفظة برصوفا بالشكل Figure ) ويشير بالكلمة إلى الإلهي وبالجسد إلى الإنساني. ويشدّد على وحدة الشخص والابن الواحد، متبعاً نهج ثيودورس: يقول: ((إن الطبيعتين اللتين تكلمت عنهما والمتميزتين الواحدة عن الأخرى، ليستا شخصين ادخلهما فيه كما يفعل الظلمة _ الهراطقة _ إنما أقرّ بوجود شخص واحد: كلمة الآب والجسد منّا، واسجد للروحي من خلال الجسدي)).
((مع الخالق يُكرّم اسماً وسلطاناً، إذ يُدعى ابناً لله فهو الله. ابناً له ندعو الابن منّا. ومع اللاهوت نعدّه من دون فصل. ونعدّه شخصاً واحدا مع ما هو وكما هو منذ البدء)) . وهذا الاتحاد في الشخص الواحد، وليس اتحاداً ادبياً مثل اتحاد الرجل والمرأة. ويقول نرساي كما أن الإنسان واحد بالجسد والروح وملزم بمعرفة سبب اسمه ودرجته كذلك المسيح واحد أحد وليس اثنين: ((إننا ندعو المخلوق هيكلا صنعه الكلمة لسكناه والمخلوق هو ـ الابن ـ الوحيد الذي ارتضى أن يسكن فيه، مثلما نسمي النفس والجسد، الشريكين المتساويين، شخصاً واحداً. النفس هي الطبيعة الحية، والجسد هو الطبيعة المائتة، وندعوها شخصاً واحداً إثنان متميّزان الواحد عن الآخر. فالكلمة هي الطبيعة الإلهية والجسد هو الطبيعة البشرية. الأول هو الخالق، والثاني هو المخلوق، إلا أنهما واحد في الاتحاد. النفس لا تتعذب عندما تتعرض أعضاء الجسد إلى الألم، ولا اللاهوت يتألم بألم الجسد الساكن فيه. وإذا كانت لا تتألم النفس المخلوقة مثل الجسد، فكيف يمكن أن يتألم اللاهوت المتسامي على الألم ؟
تتألم النفس مع الجسد من باب المحبة وليس بالطبيعة وتنسب إليها الآم الجسد مجازاً)). وفي قانون الإيمان الذي ينقله في الميمر 17 عندما يشرح رتبة القداس، يقول نرساي: ((ونؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله، شخص واحد بطبيعتين واقنوميهما. إنه الوحيد المولود بلاهوته، والبكر بجسده)). ويلح على الجانب الإنساني التاريخي من خلال كلامه عن صوم يسوع وصلاته وتجاربه. إذا لم يكن قد صلى، فهذا يعني إنه لم يكن إنساناً حقاً، فإيماننا باطل.
وبخصوص تبادل الخواص، أي نسب ما هو إلهي إلى الإنساني، وما هو إنساني إلى الإلهي، يقبل نرساي ذلك مع التمييز :يقول: ((ابن الله يسوع ملكنا، غلب بالصليب، وبصلبه أخزى الشيطان وأزال الموت. وفي صلب ابن الله وجدت النبوات كمالها)). ((ابن الله نزل بصلبه إلى عمق القبر، وأصعد الموتى من هوة الموت)). ((بموته نال البشر الرجاء السعيد بحياة خالدة)). ((الجسد والكلمة ادعوهما إبناً واحداً لله، واحد مع اللاهوت ولا يمكن أن ينفصل. إني أميّز طبيعتين، ولكن لا أقول ((إبنين)). أقرّ بابن واحد ابن لله في ذاته وفي الجسد الماخوذ منا)). ((لم يدخل بولس انفصالا بين ابن وابن، فلا تعثر أيها الهرطوقي في تمييز كلماته. إنه ميّز الطبيعتين الواحدة عن الأخرى، وجمعهما في وحدة الشخص. ميزهما بسبب الألم والمجد ووحدهما بسبب المحبة غير المنقسمة)). ويستخدم نرساي للتعبير عن التجسد والاتحاد لفظتين اثنتين حل و سكن مرفقتين أو متفرقتين، عادة حل فسكن للديمومة. كما يستعمل لفظة .
إن الاختلاف هو في المفردات المستعملة والتي يصعب تحديد معناها في تلك الفترة، لكونها تستعمل في أطر مختلفة، ولا تعبّر عن تباين في عقيدة الإيمان. كما إن الإتجاه الذي يتبناه نرساي إتجاه تصاعدي، أي من الإنسان إلى الله، وهو الإتجاه الذي سار عليه الآباء الانطاكيون. من هنا نفهم إلحاحه على الجانب الإنساني لاهميته في تدبير الخلاص. يقول نرساي: ((بالنفس والجسد غلب آدم الثاني _ المسيح ولم يكن يعرف الجسديون أن يسيروا إلى العلى، فأعدّ الطريق أمام أعينهم ابن الأرض _ المسيح _ )).
مريم العذراء :
يقدّم نرساي صورة للعذراء مريم واقعية بأسلوب بسيط، خالٍ من المغالاة. والألقاب التي نجدها في ميامره هي: الأم، البتول، الأمة، السماء الثانية، ابنة داود، حواء الثانية والقديسة الطوباويّة. إنها بتول أي حبلت بيسوع وولدته من دون علاقة زوجية: ((حبلت البتول من دون زواج ولا علاقة زوجية، إنما بقدرة الروح أبعد الظن من فكرها، فعليه تسهل الأمور التي تعسر على الطبيعة )). حبلت البتول بخلاف الطبيعة وولدت من دون زواج. وإذا لم يرد في ميامره لقب ((أم الله). فذلك بسبب الإلتباس الذي يخاف نرساي أن يخلقه هذا اللقب لاهوتياً، كون الولادة والنمو هما من خواص الإنسان. ((ينسب إلى الإنسان كل ما كتب بخصوص ابن الإنسان: الحبل، الولادة والنمو))(نقلا عن مارتن ص508 ). ويكنّ مؤلفنا احتراماً عميقا للعذراء: ((يجب أن يعطى للقديسة اسم لائق: أم الصورة التي بواسطتها انجلت صورة اللاهوت المنظور. أما ابنها، فندعوه مسيحاً وابناً وملكاً ورباً))..(بورجيا83ص34 وجه).
ويجري نرساي مقارنة بين حواء الأولى وحواء الثانية، على غرار ما فعل ايريناوس وافرام وغيرهما من الآباء .
يقول نرساي:
بابنـــة البشر بـــــدأ المـــوت يفسد وبابنة البشر بدأت الحياة تتجدد
حيث ازدادت الخطيئة من دون حد هناك نما البـر من دونما قياس
حيث زرع الإبليس مرارة خبثــــه هناك نبتت سنبلة الحياة محيية الإنسان
بحواء أفسد عدو الإنسان البــشر وبابنة البشر صادتنا المراحم روحيا
هي ألبسَتْنا ثوباً مصنوعاً من أوراق وهذه ألبستنا حُلّة المجد غير الفاسدة
بابنة جنسنا نبعث لنا الحياة بلا قياس فلا تميتنا بعد ما حيينا بحياة منك .
أسرار التنشئة :العماد والافخارستيا
بالنسبة إلى نرساي، كما إلى بقية آباء الكنيسة الأولين، أسرار الكنيسة هي أسرار التنشئة المسيحية:
العماد والافخارستيا، لذا أعطوها أهمية كبيرة. ففترة الإعداد كانت تمتد إلى سنة وكانوا يشرحون للموعوظين (المقدمين على العماد) معاني السر ورموزه ومراحل الاحتفال به. كل ذلك بغية توعية الشخص بما هو مقبل عليه، وتمكينه من فهم دعوته المسيحية، ومتطلبات حالته الجديدة. وقد وصلنا من نرساي ثلاثة ميامر، يتناول فيها الحديث عن المعمودية والافخارستيا، ويسميهما الأسرار17 عن شرح الأسرار ،ويدور عموماً حول القداس و21 عن المعمودية و22 عن المعمودية والقداس .
كما نجد إشارات عنهما في ميمر 30 ((اكتشاف الصليب ومكانته)) و33 ((عن الكنيسة والكهنوت)) و35 عن الكنيسة.
المعمودية :
يصف نرساي بإسهاب مراحل رتبة منح المعمودية وهي:
1-الكفر بالشيطان وأعماله،والإقرار بالإيمان المستقيم ،والإعلان الرسمي بنبذ التعاليم المنافية له.
2-تسجيل اسم الموعوظ في سجل الكنيسة ،كعلامة انتمائه إلى جسد المسيح،(جماعة الإيمان)،عائلته الجديدة
3-مسح كل الجسم بالزيت دلالة على المناعة .
4-التغطيس ثلاث مرات علامة الولادة الجديدة:الموت والقيامة.
5-الثوب الأبيض رمز الحالة الجديدة ،والانتماء إلى الزمن الأواخري زمن الملكوت وعلامة رجاء.
يستعمل نرساي أسلوب الرمز والصور للكشف عن غنى السر،وتقريب معانيه إلى أذهان مستمعيه في جدلية واضحة:ولادة/نمو،تطهير/تقديس ،موت/قيامة،الخلقة الأولى /الخلقة الثانية،الإنسان العتيق/الإنسان الجديد،الإنساني/الإلهي.
1-المعمودية خلق جديد وولادة جديدة :
يعتبر نرساي المعمودية خلقاً جديداً أي بعد أن خلق الله الإنسان إنساناً اعتيادياً، عاد فخلقه في المعمودية إنساناً روحياً أي ابناً له،ويقيم مقارنة بين الخلق الأول والثاني : ((ويرفع الكاهن أنظاره إلى ذلك الرمز الذي به كان الخلق، ومنه يتعلم كيف يقوم بالخلق الجديد. ويتبع الأسلوب نفسه الذي به خلق العالم .ويسمع صوته كما سمع صوت الباري على وجه الأرض في البدء. ومثلما أمر الخالق، يأمر هو أيضا المياه البسيطة لتظهر فيها قوة الحياة.. ولنسمع الكاهن، يدعو الروح ويطلب منه أن يحل على المياه ويمنحها القدرة)). ((وفي المعمودية سبك _ الخالق _ صورتنا مثلما في كور، وعوض الطين الذي كنّا، جعلنا ذهباً روحياً ..خلقاً جديداً. خلق الخليقة التي كان قد خلقها في البدء، ونفض عنها عتق الموت)).
يرى نرساي أن ما وراء الخليقة المادية توجد خليقة روحية، ومثلما ينمو المرء إنسانيا، كذلك ينبغي أن ينمو روحياً. ((ولادته رمز الولادة التي ستتم في ملء الزمن، وسلوكه على الأرض رمز لما سيعيشه في ملكوت السماء. إنه ينشأ ويتقدم في درب الحياة الروحية. ومثل الروحيين يتناول طعاما روحيا.
ولادته روحية والغذاء المعد له مكيّف _ لحالته الجديدة _ ولادته روحية غريبة في نظر الأرضيين، وليس هناك ثمن للغذاء الذي يتناوله. أمّ روحية تُعدّ له حليباً روحياً. وعوض الثديين تضع في فمه جسد المسيح ودمه)). كان المعمد عموماً شخصاً بالغاً، وبعد العماد كان يتقدم إلى المناولة _ حتى الأطفال _ والمناولة تعني الاشتراك في حياة الابناء.
2-المعمودية موت وقيامة:
قيامة المسيح في منظور نرساي هي قيام عالم جديد، إنسانية جديدة، عالم لا يقوى عليه الفساد والموت. وهذا التحول يبدأ في العماد حيث يموت الإنسان عن الخطيئة ليحيا في الله ويمتلكه الله على مثال المسيح : ((ينقي الكاهن بواسطة المياه الأشخاص الملوثين، وبالأحرى بقدرة اسم الله وليس بقدرة المياه ويسحق قوة الشرير والموت. الشرير والموت يبطلان في العماد وينادي بقيامة الجسد وخلاص النفس. الجسد والنفس يُدفنان في المعمودية كما في القبر، ويموتان في سّر القيامة الأخيرة، يقول _ الكاهن _ هكذا: يعمّد فلان باسم الاب والابن والروح القدس.. ويغطس في الماء كما في القبر وينهض… ويبقى في جرن العماد في سّر مخلصنا وبنفس الصورة ينزل ثلاث مرات إلى الجرن، مثلما بقي الرب ثلاث ليال في القبر ..إنه يموت حقيقة كما مات محيي الكل، ويحيا حقيقة في صورة الحياة الأبدية. بالمعمودية ينزع عنه الموت مثلما ترك الرب كفنه في القبر وخرج منه)). وهذا الانتقال إلى الحالة الجديدة لا يمكن أن يتم من دون ثمن، من دون جهاد وتمرّس وتضحية: ((مثل الرياضيين ينزل المعمدون إلى الحلبة ويجاهدون..أن المقدم على المعمودية يدخل في صراع مع الشيطان وأعوانه وأعماله)). أما الثوب الأبيض فيرى فيه نرساي تجسيداً رمزياً للحالة الجديدة: فقد تعرّى عن الحياة القديمة، وبدأ يعيش حياة جديدة، ويتطلع إلى مستقبل متكامل، إلى عرس دائم، إلى الملكوت. يقول نرساي: ((مثلما يخرج الطفل من الرحم ويلبسونه الأقماط ، هكذا عندما يخرج المعمَّد من الماء، يتقبله الكاهن معانقاً اياه، كما يعانقه الحاضرون. وعوض الاقماط يلبسونه ثوباً أبيض، ويزّينونه كالختن في يوم عرسه. ومعموديته ترمز إلى العرس، وثوبه يشير إلى المجد المعدّ له. وجمال حلّته يرمز إلى جمال العالم الآخر. وما هو رمز الآن يصبح واقعاً انذاك ولا يمكن تكذيبه)). هذا التشبيه نفسه نجده عند أفرام (الترانيم النصيبيية27/28 والميلاد16/11 ).
الأفخارستيا:
يستعمل نرساي لفظة الأسرار للدلالة على الأفخارستيا، أو لفظة القربان أو الذبيحة أو ببساطة جسد ودم. وفي الميمر17 يكاد يشرح بالتفصيل رتبة قداس الرسل (اداي وماري بالنسبة للكلدان والآثوريين) في صيغتها الحالية التي تعود إلى القرن السابع. وهذا أمر يدعو إلى الشك في صحة إسناد الميمر إلى نرساي. ومن بين العناصر الغريبة قوله: ((إذ ذاك يتلو الذين هم في المذبح والجماعة التي في الخارج، الصلاة التي علمها الفم المحيي (أي أبانا الذي). بها نبدأ صلاة الصبح والغروب وبها نختم كل أسرار الكنيسة. هذا الترتيب لصلاة الأبانا، قام به البطريرك طيمثاوس الأول في القرن التاسع. كما يستخدم مصطلح الخواص لما يتحدث عن الثالوث الأقدس في حين، في بقية ميامره، يستعمل للتمييز بين الأقانيم لفظة الاسم .
يبدأ نرساي بإعطاء بعض تعليمات حول المشاركة في قسم الذبيحة: ((من لم ينل المعمودية يخرج الآن اذهبوا أيها الذين لم يتعمدوا، ولا تشتركوا في أسرار الكنيسة، لأنه لا يحق الاشتراك إلا لمن هم من أهل البيت..كل من لم يقتبل رسم الحياة _ التوبة _ يذهب الآن. كل من تاب ورجع عن الهرطقة، أي الإيمان المنحرف، لا يشترك في أسرار الكنيسة قبل أن ينال التوبة (الرسم)، وكل من جحد إيمانه ثم عاد إلى أصله، لا يشترك إلى أن يغفر له بالرسم. ثم كل من لا يتناول الجسد والدم يخرج. كذلك المحرمون.. يخرجون من الهيكل بألم، وينتظرون في فناء الكنيسة بحزن بالغ)). بعد هذه الشروط المألوفة في الكنيسة الأولى، يشرح نرساي مراحل القداس جزءاً جزءاً، كاشفاً لمستمعيه معانيه ورموزه.
الإستحالة:
في الميمر 17 يذكر نرساي الإستحالة من دون أن يستعمل العبارة، ويسرد كلام يسوع في العشاء الأخير إلى جانب ذكره لدعوة الروح القدس، كما الحال في القداس الكلداني الحالي .
وأعتقد أن ذلك إضافة، يقول : ((إنكم تقربون الخبز والخمر كما أوصيتكم، وأنا أكملهما وأجعلهما جسداً ودماً. جسداً ودماً أجعل الخبز والخمر بواسطة حلول الروح القدس وزيارته. هكذا قال محيي العالم لتلاميذه، وسمّى الخبز والخمر جسده ودمه وليس بالصورة أو الشبه سماها، إنما الجسد بثبات والدم بالحقيقة، ولو طبيعتهما تبتعد عنه من دون حد. إنه بالقوة والاتحاد جسد واحد ..واحد مع الجسد الجالس في المجد عن اليمين … يتحد المسيح بالخبز والخمر فوق المذبح))، ويذكر كلام يسوع .
أما في الميمر 21، فيشدّد على أن الاستحالة تتم بفعل الروح القدس، ولا يذكر كلام يسوع على العشاء، يقول: ((انظروا باستقامة إلى الخبز والخمر على المائدة اللذين تحولهما قدرة الروح إلى الجسد والدم )).
((قدرة الروح تنزل بواسطة ابن المائتين _الكاهن _وتحلّ على الخبز وتقدسّه بعظمة قدرته.
((قدرته_الروح _تحلّ على المائدة المنظورة، وتمنح القوة للخبز والخمر حتى يعطيا الحياة )). الكسر والرسم: رمز الموت والقيامة يذكر نرساي رتبة كسر الخبز وغمسه في الخمر، كرمز إلى موت وقيامة المسيح. وفي الحقيقة هذا شيء رائع. فحّبذا لو هتف الشعب:المسيح قام من بين الأموات. يقول نرساي: ((يكسر _الكاهن _الخبز ويغمسه في الخمر ويرسم قائلاً: باسم الآب والابن والروح القدس … وكالميت يقيمه سرّيا _ أسراريا _ ولكن بنوع حقيقي. حقيقة، قام ربٌ السرّ من القبر، ولا ريب يقتني السرّ قوة الحياة. الحياة الجديدة يقتني الخبز والخمر، ومغفرة الخطايا، ويعطيهما مباشرة إلى المتناولين)).
المناولة :
في الميمر 21 يذكر نرساي صراحة إن المناولة تتم تحت الرمزين: ((الخبز والخمر، كالملك يزيح _المتناولون _الخبز المقدس على راحة يدهم)). ((يعطي الكاهن الخبز ويقول:جسد المسيح الملك، ثم يروي(المتناول) الخمر بالشكل عينه قائلاً:دم المسيح)). ويشرح الميمر 17 طريقة تناول الخبز يجعل _المتناول _يديه على شكل صليب ويستقبل جسد الرب فوق الصليب ..ويعانقه ويقبّله بمحبة ورحمة)).
المراجع :
بالإضافة إلى المراجع الوارد ذكرها في المقال، هذه أهم المراجع المعتمدة: أدي شير : تاريخ كلدو واثور، الجزء 2، بيروت1912 _1913.
ألبير ابونا: أدب اللغة الآرامية، بيروت1970، وخلاصات الأدب السرياني لبومشتارك وشابو ودوفال ورايت.
سليمان الصائغ:نرساي الفيلسوف وشاعر الأدب الآرامي الكبير، النجم13، حزيران1953ص268 _270
in ,33 Homelie ,Narsai de Pensee la sur Etude ,.A .T ,JANSMAN
.430 _393 ,290 _265 ,168 _147 .PP ,1966 xi .Vol ,OS
of Homilies Metrical the ,.F .w,MACOMBER
.ff 283 .P (1973),93 ,OCP in ,Narsai
.P (1973 )93 ,OCP ,Narsai of Soteriology The ,MCLEOD
significance and meaning Its ,God of image the as Man ,MCLEOD
.468 _458 .P (1981)24 ,Studies theological in ,in Narsai
.1965 ,Roma ,Patrologia Syriaca ,ORTIZDE URBINA
rilevata dalla sua omelia sui ,Ortodossia di Narsai ,L ,.P ,SFAIR
313 – 327 .P ,33 1917 ,in Bessarione ,Dottori Greci
.cd 26 – 30 ,Paris 1931 ,XI .t ,in DTC ,Narsai ,.E , TISSERANT
– Mar Narsai and his Liturgical Ho ,.J .Th , THUMPEPARAMPIL
2 ,No ,XIII ,Vol ,in Christian Orient ,milies on Christian Initiation .123-134 .P (1992 ).
نصوص مختارة
شكل الأتحاد الإلهي والبشري في المسيح
ندعو الخليقة هيكلاً لأن الكلمة أبدعها لسكناه، فقد سرّ الإبن الوحيد أن يسكن في ما صنعته يداه. إنهما مثل الجسد والنفس تماماً يُسميان شخصاً واحداً. إن النفس في طبيعتها (منبع) الحياة والجسد (منبع) الموت، يُدعيان شخصاً واحداً بالرغم من اختلافهما الواحد عن الآخر. هكذا الكلمة هو في طبيعة الألوهة والجسد في طبيعة الناسوت، الأول هو الخالق، والثاني هو المخلوق، لكنهما واحد في الإتحاد.
إن النفس في الجسد لا تتألم حين ترى اعضاءه تتعذب، كذلك الألوهة لا تتألم حين يتعذّب الجسد الذي تسكن فيه، وإنْ كانت النفس المخلوقة مثل الجسد لا تتألم كحالة طبيعية، ويعزى ألم الجسد إليها مجازاً .
(نص مقتبس من المقالة 81 فاتيكان سرياني594 ص 69 وجه )
التدبير الإلهي في خلق الإنسان:
1-رسم الخالق صورته في ضمير البشر، فراحوا يرسمون صوراً روحية .
2-غرس الحياة في الطبيعة المائتة، فاقتنى الناس الحياة الخالدة في ضمائرهم.
3-ومن خلال ضمائرهم كلّهم وعلّمهم أن يتأملوا في غوامضه.
4-ثم كشف لهم بطريقة روحية، ليروا من خلال المرئيات ما لا يُرى.
5-منذ البدء كشف لهم الأمور الخفيّة وفقّههم ليدركوا قوّة عظمته.
6-أظهر قوّة عظمته في جَبْلِه آدم من التراب، وعلّمه أن يعبّر عن كيفية تركيب جبلته.
7-من التراب كان تركيب ابن التراب، وحالما جَبَله نَفَخ فيه نفساً روحية (ناطقة).
8-بنفسه اكتشف تكوين الضلع المستلّة منه، فطفق يقول إن حواء هي جزء منه.
9-بالوحي عَلم، إذ لم يكن باستطاعته أن يشرح العلّة الخفية عليه.
10-كما أن خلاصه الجسدي والروحي كان خفياً عليه، إلا أنه حالما خُلق اقتنى العقل لرؤية ذاته .
11-فتأمل بعين الروح كم طبيعته جميلة، وحمد وعظّمَ خالقه ومبدع الكل .
12-هذه هي بداية عمل الوحي فيه: كشف الله عن حبّه للارضيين، ليعلّمهم كم هم أعزاء عليه.
13-هذه المحبة أظهرها للبشر بواسطة الوحي الخفي، كشف لهم عن سرّه.
14-فأهابت قوة منه بالعقل المستتر فيهم، وراحوا ينطقون بطريقة روحية على مثاله.
15-كلمهم بصورتين، بالجسد والروح، وبحسب الطبيعة الجسدية والروحية.
16-فظهر لآل إبراهيم بالجسد، ونظروا إليه نظرهم إلى إنسان يكلمهم.
17-بالجسد وبخّ آدم على خطيئته، وسمع وقْعَ أقدامه في الجنّة مثل إنسان .
18-بلغتهم نفسها خاطبهم وأفهمهم ،وعلّمهم أن يقدموا قرابين المحبة .
19-علمهم أن يقدموا له قرابين المحبة، وبواسطة القرابين عرفّهم إنه عليم بكل شيء .
20-بواسطة القرابين اختبر هوى نفوسهم الخفي، وعنف قاين لعدم نقاوة سريرته.
21-فخاطبه بصوت جهوري، وقد رأى سماحة نفسه قائلاً : ((لا أرضى عن ذبيحة لا تكون خالية من الدنس .
22-حمل قاين الشرير توبيخ الله على محمل السوء، فأقدم على القتل عوضَ أن يندم وينكسر قلبه.
23-بعد أن اقترف السفاح جريمته، أخفى دم أخيه الذي سفكه حسداً، فناداه بصوت بشري: أين هابيل ؟
24-وبطريقة بشرية (حسّية) طالبه بدم أخيه، وأبان أن له مجالاً للعودة الحياة .
25-وبهذا الشرط أكسب الصوت من لا صوت له، ليعلن للجميع أن للطبيعة البشرية رجاء في الحياة.
26-لقد فقه الصالح (الله) الطبيعة البشرية عِبرَ الأجيال، وفي سبيل ذلك كان الكشف بأنواع شتى .
مثل العذارى
الردّة: لنسبّح العريس الذي رفع أصدقاءه، وأدخلهم إلى عرس ملكوته، يا إخوة .
-جيد التأمل في كلمات الروح التي تتضمّنها الكتب المقدسة، فمعانيها مفيدة لمن يتأمل فيها .
-جميل تعليم إنجيل ملكوت السموات، محبّته تدر عطايا مفيدة لمن يحب .
-كنزٌ عظيم تخفيه حروف كلماته، ومن يقرأها بشغف يغتني أبداً .
-إن أسطر هذه الكتب تشبه أشعّة النور، من ينظر إليها ولا يراوده الشك، يبصر كل شيء .
-إنه (الكتاب المقدس )دليل، خبره يسبق الروح، ومن يود مصاحبته بشوق يبلغ السماء .
-إنه ينادي البشر بمحبة كي يدنوا منه، ومن يدنو يغمره بحنانه وحبّه .
-كمعلم يدعو البشر إلى سماع تعليمه، ومن يقبل أن يصير له تلميذاً سوف يغدو معلماً .
-ملكوت السموات يشبه عشر عذارى، كنّ ينتظرون بسراجهنّ قدوم العريس .
-الآن وبعد أن أكمل فمهُ الحيّ هذا المثل، لنَدنُ ونبحث عن المعنى الخفي الذي يتضمنه.
-كثيرة هي المعاني التي يحملها هذا المثل في صورة هؤلاء النسوة :لماذا ترك الرجال واختار صورة النسوة ؟
-إذا كان مقصد كلامه الطبيعة البشرية لأنها واحدة، فلماذا ليست متساوية تماما بما أن العذارى يحملن كلهن علامة البتولية ؟
-لماذا يساوي بينهن لما يسميّهنّ عذارى ثم يعود فيقسمهن إلى مجموعتين ؟
-لماذا يحرمهنّ من رؤية عظمة محبته، وهن طاهرات من أدران الخطيئة ؟
-لماذا استولى عليهنّ الكرى ونمن ؟ ولماذا نهضن كلّهن؟
-كلهن أخذن سُرُجهنّ ولماذا لم يبق الزيت الاّ للحكيمات ؟
-يشبه ملكوت السموات (عشر ) عذارى، ياللعجب، كيف يمكن أن يُشبّهَ بشيء أدنى منه ؟
-جميلٌ هذا التشبيه، فهو بمجده يشبه به الذين يمجدونه، أي هم يشبهونه وليس العكس .
-إن الكائنات الدنيا لا يمكن تشبيهها بملكوت السماء، ولكن الملكوت يُشبّه بهم لأنهم مدعوون إلى نعيمه .
-بهذا المعنى يشبّه بنا نحن الأرضيين حتى نحصل على شبه أمجاده.
-جميلة الصورة التي رسمها معلم الحق، وليس بمقدور أي فنّان أن يرسم شبيهها بدقة .
-دقيقة الصورة التي رسمها رمزه وعرضها في بشارته، وما علينا إلا أن ننظر إلى رونقها بإمعان .
-أيها المشاهدون، هلموا نتأمل في كلمة ربنا الذي جمع البشر والملكوت في لوحة واحدة .
-إن صديق البشر، رسم أفعال البشر في لوحة، وعرضها في إنجيله للمشاهدين .
-سمى إنجيله ((الملكوت شبيه بالعذارى)) كونه بشّر به البشر .
-بقرب (مجيئه) تعلم الناس البحث عن الأمور السماوية، وبظهوره يشاهدون جمال الأمور الخفية .
-لقد قبل أن يشبه بالعذارى، لأنهن يرمزون إلى حياة من دون زواج .
-دعا جماعة الخدمة باسم العذارى لأن عليهم أن يسيروا بعفاف في الزواج .
-لقد رسم لوحة حبّه في شكل النسوة لأنهنّ رمز العفاف .
-حصر الرجال والنساء في نطاق محبته، معلناً إنه في مقدورهم العيش بعفاف .
-لو كان قد رسم لوحة تعليمه في شكل رجال، لكّنا تصوّرنا أنه رذل النساء .
-إنه بحكمةٍ رسم صورة النساء في لوحة تعليمه، لئلا تنقسم الطبيعة الواحدة إلى أجزاء .
-إنه رسم الطبيعة كلّها، وأرانا طبيعتنا حتى يسهل علينا اعتبار حقيقة ما نحن عليه .
-أظهر بالرموز فضائلنا ورذائلنا ورسم لنا الأفراح والآلام التي تنتظرنا .
-لقد قسم أسلوب حياتنا إلى مذهبين : الأول سماه حكيماً والثاني جاهلاً .
-شبه سعيَ المذهب الأول إلى الكمال بالحكيم، وعمل المذهب الثاني الخالي من المحبة بالجاهل .
-إنه شبه الأعمال بالسراج المعدّ، من منطلق أن الجميع عملوا، ولو ليس معا .
-وعدم التساوي في العمل هو سبب نقص الزيت، ولو تساووا لما نقص .
-بالزيت الناقص أشار إلى ما ينقص أعمالنا : إنها تفتقر إلى المحبة والرحمة .
-المسيح تحنن علينا فأشار إلى الرحمة بالزيت حتى نرحم رفاقنا كما رحمنا هو .
-شبه من يرحم رفيقه بالزيت، والزيت يهدّي الأفكار والحواس معاً .
-رسم من دون زيت لوحة العذارى الصفيقات لأنهن لم يليّننّ قروح الخطيئة .
-بالزيت شبه حياة الحكيمات لأنهن كنّ رحومات وحنونات ومسحن أنفسهن وأجسادهن بالزيت .
-سلوكهن دهن بزيت الرحمة، لذلك صمدن ولم تضعف عزيمتهن بطول الإنتظار .
-إعتاد الرسامون استعمال الزيت لصيانة لوحاتهم من التلف .
-فيخلطون الزيت بالألوان، ثم يرسمون الصور حتى تبقى بفعل الزيت نقيّة .
-إذا كان الرسامون يعرفون صيانة لوحاتهم المقتبسة من الطبيعة، فكم بالأحرى على البشر أن يصونوا صورتهم .
-لقد شبّه مخلصنا هذا الإهمال بصورة العذارى الجاهلات اللواتي لم يكن في سلوكهن زيت .
-في حين امتدح إرادة الحكيمات الصالحة اللواتي مزجن أعمالهنّ بالزيت .
-وبالرقم عشر جمع كل الجنس البشري حتى يكونوا مستعدين لاستقباله يوم ظهوره، هو الذي اشتاقوا إليه .
-شبّه يوم ظهوره بقدوم العريس، والكاملين (القدّيسين) بالعذارى الذاهبات لاستقباله .
– والنعاس الذي استولى على الجميع هو الموت الذي يساوي بين الصالحين والطالحين بنفس الانحلال.
-والصوت الذي ينادي في منتصف الليل، موقظاً الجميع، هو صوت ملء الزمن الذي يبعث الكل .
-يقول:إن العريس الذي خطبنا يأتي في منتصف الليل، لأن في الليل يستقبل العرسان عروساتهم .
-وبفعل الصوت نهض جميع الذين وصفت أعمالهم، مظهراً بذلك القيامة العامة ،فالبشر كلهم يقومون .
-لام القساة من خلال السُرُج الخمسة المطفأة ،لأنهم لم يرحموا، فلن يُرحَموا ويُحبوّا .
-إن الحكيمات اللواتي لم يبعن الزيت للجاهلات إشارة إلى عدم إمكانية طلب الرحمة هناك .
-وقولهن: ((إنه لا يكفي لنا ولكن)) إشارة إلى أن الأعمال على الأرض ليست بمستوى الأجر(السماوي) .
-ولما ذهبن ليبتعن زيتاً، عنى به وجود مجال للرحمة إن كنّا رحماء .
-وقدوم العريس أثناء غيابّهن، عنى به جهلنا ساعة مجيئه .
-ودخول الحكيمات مع العريس (إلى الملكوت) وغلق الباب، إشارة إلى دخول الأبرار إلى ميناء السلام العلوي للراحة .
-أما بقاء الجاهلات خارج باب الملكوت، فعلامة بقاء الأشرار على الأرض للعذاب .
-وصياح الجاهلات: ((يارب يارب افتح لنا )) هو صياح الرجاء، تصوّرن أن هناك رحمة للخطاة .
-واعتقدن أن المعلم الصالح لن يرذل سيرتهم بسبب أعمالهن الجاهلة .
-وجوابه: ((إني لا أعرفكن)) قرار بأن المحبة التي لا تمتزج بمحبة القريب هي فارغة .
-إن رؤية المحبّين، الذين يغمرهم الحب، أجمل ما في الوجود، ولون الضالين هو أقبح ما موجود .
-ليس لمجد ابناء النور شبيه، وليس ثّمة أقبح من أبناء الظلمة .
-النور والظلام يظهران للناس كيف يجب أن يسلكوا خلال حياتهم الأرضية .
(مترجم من طبعة الأب بثق النص السرياني 6-14 والفرنسي 6-14 ).
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت