الولادة: 1635
الوفاة: 1647
📜 سيرته باختصار
القدّيس ملاتيوس الزعيم، واسمه قبل الرهبنة حنّا (يوحنّا) بن الخوري بولس، ابن الخوري عبد المسيح البرطس، وُلد في حلب في أواخر القرن السادس عشر، ونشأ في عائلة كهنوتية عريقة.
🧵 مارس مهنة الحياكة في شبابه، ثم سامه المطران ملاتيوس آرمه شماسًا، فخوريًا، فمعرّفًا. توفّيت زوجته بعد سنة 1627، وله منها ولد يُدعى بولس، الذي أصبح لاحقًا رفيق دربه ومؤرّخ سيرته.
👑 تنصيب يوحنا بن الزعيم مطرانًا على حلب (1635م)
في 14 أيلول 1635، اجتمع أهل حلب من كهنة وأراخنة ومسيحيين، ووافقوا بالإجماع على اختيار الخوري يوحنا بن الزعيم ليكون مطرانًا عليهم. أُرسل إلى دمشق حيث شرطنه البطريرك كير أفتيميوس الصاقزي في 27 تشرين الأول من نفس العام. لم يكتف البطريرك بتنصيبه مطرانًا، بل منحه لقب كاثوليك، ووكّله على بلاد آمد وأنطاكيا ونواحيها، مع السماح له بالتقديس هناك. عاد إلى حلب فاستُقبل بحفاوة، وخدم مطرانًا لمدة 12 سنة، متمسكًا بسيرة الأساقفة الفاضلين قبله.
🕌 استقبال السلطان مراد الرابع في حلب (1639م)
في السنة الرابعة من مطرانيته (1639)، زار السلطان مراد الرابع مدينة حلب في طريقه إلى بغداد لمحاربة الصفويين. استقبلته الطوائف المسيحية وأهل المدينة بحفاوة كبيرة، بمشاركة المطران والكهنة، ونُشرت الأقمشة الفاخرة على الطرقات. كانت المناسبة يوماً تاريخيًا يُذكر عبر الأجيال. أقام السلطان في المدينة ستة عشر يومًا.
⛪ زيارة البطريرك أفتيميوس الثالث إلى حلب (1640م)
في السنة الخامسة لمطرانية يوحنا، زار البطريرك أفتيميوس الثالث الصاقزلي حلب في 9 آب 1640، وأقام فيها 100 يوم. خلال زيارته:
شرطن الخوري يوسف الحلبّي مطرانًا على عكار ورحبة باسم “المطران أرميا”.
أقام 33 قدّاسًا في المدينة.
زار كنائس أخرى، منها كنيسة السريان حيث شارك في تنصيب مفريان على الموصل.
غادر حلب في 23 تشرين الثاني، ورافقه المطران يوحنا في الرحلة حتى حماة، ثم عاد يوحنا إلى حلب في 6 كانون الأول 1640، عيد القديس نيقولاوس.
🚶♂️ زيارة المطران ملاتيوس الزعيم إلى أورشليم (1642م)
في السنة السابعة من مطرانيته (1642م)، توجه المطران ملاتيوس برفقة ستين شخصًا من أهل حلب في رحلة حج إلى الأراضي المقدسة.
زاروا يبرود، معقل القديس ماري قونن الذي حبس الشياطين في جرار، وتمرّسوا بجمال الطبيعة وبساتينها الغنية.
انتقلوا إلى معلولا حيث زاروا رفات القديسة تقلا ودير القديس سرجيوس العجائبي، وتمتعوا بالمياه الغزيرة.
ثم توجهوا إلى حصن صيدنايا لزيارة سيدة البشر مريم العذراء، مما جدد فيهم الروحانية وانحلت عنهم الأحزان.
بعد ذلك وصلوا إلى دمشق حيث استقبلهم البطريرك بحرارة وأقاموا في قلاية البطريركية لمدة عشرة أيام.
ثم اتجهوا إلى أورشليم، حيث كانوا مع البطريرك أير ثاوفاني الذي عاد من غياب دام سبع سنوات لإصلاح البطريركية.
شاركوا في صلاة عيد الفصح في 10 نيسان وأقاموا زيارات كثيرة للأماكن المقدسة.
أقاموا في دير القديس مار سابا يومين، ثم عادوا إلى دمشق، حيث حضروا القداس وجرى رسم شمّاس جديد.
غادروا دمشق متجهين إلى حلب، حيث وصلوا يوم خميس الصعود.
خلال هذه الرحلة، تعرف المطران ملاتيوس على جاثليق بلاد الكرج مكسيموس، ودعاه لمرافقته في العودة، مما ساهم في توطيد العلاقات الكنسية بين بطريركية أنطاكية وجاثليقّيّة الكرج. لاحقًا، وعندما صار ملاتيوس بطريركًا باسم مكاريوس، زار بلاد الكرج وجلب تبرعات مهمة لدعم البطريركية.
🚰 جلب ماء السمرمر إلى حلب (1642م)
في نفس السنة، قرر والي حلب حسين باشا بن نصوح جلب ماء السمرمر من بلاد العجم بهدف مكافحة الجراد. تم استقباله بموكب احتفالي شارك فيه المسلمون والمسيحيون واليهود، مع ترتيل الأناشيد والتهليل، وأُقيم الماء قرب مقام الشيخ أبي بكر احترامًا له.
🔁 زيارة ثانية للبطريرك أفتيميوس الثالث إلى حلب (1644م)
في السنة التاسعة من مطرانية المطران ملاتيوس (1644)، زار البطريرك أفتيميوس الثالث حلب مرة أخرى، ودخلها في 1 شباط. استُقبل بفرح عارم، وأقام حوالي 100 يوم، وعقد مناسبات دينية مهمة منها تزويج المطران ملاتيوس الذي كان يبلغ من العمر 17 عامًا آنذاك.
في 17 أيار، توجه البطريرك إلى حماه وطرابلس ثم عاد إلى دمشق.
رافق البطريرك في زيارته الأب اليسوعي جيروم آيروت، الذي عهد إليه بفتح مدرسة في دمشق مشابهة لمدرسة دار المطرانية بحلب لتعليم أبناء طائفة الروم.
تولى الأب جيروم مهمة تربية ابن أخت البطريرك، ناوفيطوس الصاقزي، الذي أصبح بطريركًا لاحقًا في الفترة (1672-1682).
🤝 علاقته بالمرسلين الأجانب
كل ما نعلمه عن علاقة المطران ملاتيوس الزعيم بالمرسلين الكاثوليك الأجانب في عهد أسقفيته بحلب يتلخّص في تلميح عابر جاء في رسالة بعث بها المرسل اليسوعي الأب أميو (Amieux) إلى رؤسائه سنة 1650، يصف فيها البطريرك مكاريوس، قائلاً:
“وهو البطريرك الحالي، رجل صالح ويجيد الوعظ، مع أنه لم يتعلم الفلسفة أو اللاهوت. وهو يحبنا، لأنّه عندما كان مطرانًا على حلب، حصل هناك من آبائنا المرسلين، خلال مرض اعتراه، على العلاج اللازم، فشُفي على أيديهم.”
لم يكن المطران ملاتيوس تلميذًا للمرسلين الأجانب، بل تتلمذ على يد سلفه المطران ملاتيوس آرمه ومعاونيه من الإرساليين المحليين (الإيلايروس). وقد تجنّب المرسلين الأجانب قدر الإمكان في عهد أسقفيته بحلب، ورفض إرسال أبناء طائفته إلى مدارس روما. فالمرسل الفرنسيسكاني أنطونيو دي لاكويلا (Antonio de l’Aquila) في تقريره إلى مجمع انتشار الإيمان في روما سنة 1639 يشير إلى أن المطران ملاتيوس الزعيم لم يكن ميالًا لمشروع إرسال شبان من أبناء طائفته إلى مدارس روما.
مع ذلك، كان المرسلون الكاثوليك الأجانب في عهد أسقفيته يظهرون نشاطًا كبيرًا بين المسيحيين الشرقيين في حلب، دون معارضة واضحة من المطران ملاتيوس. وانتشرت الحرية الكاثوليكية الوحدوية بين أبناء طائفته حتى كتب أحد أبناء طائفة الروم الملكيين بحلب إلى روما سنة 1637 طالبًا تفسيحًا من أحد موانع الزواج التي كانت السلطة الكنسية المحلية آنذاك تمتنع عن إعطائه.
📚 عرض الأب اليسوعي جيروم آيروت على مجمع انتشار الإيمان افتتاح معهد إيلايريكي في حلب، وفي سنة 1645 عينت روما أسقفًا لاتينيًا على حلب، لكنه لم يستطع الإقامة فيها واستقال بعد خمس سنوات.
👑 ارتقاؤه السدّة البطريركية (1647)
في بداية السنة الثالثة عشرة من مطرانيته (أي سنة 1647)، داهم البطريرك أفتيميوس الثالث الصاقزي مرض شديد، وأفقدهم الأمل في شفائه. اجتمع الكهنة والإيلايروس في قلاية البطريركية، وقرروا رسم بطريرك جديد بناءً على وصية أفتيميوس، التي قال فيها:
“إن أردتم إصلاح الأمور وتوفيق الأحوال، فلا تجعلوا غير مطران حلب بطريركًا عليكم. وحسب التلميذ أن يكون مثل معلمه. فقد صنع هذا الذي سبقه، وأوصى بأن ينتخبوني أنا مطرانًا.”
🏃♂️ عند تلقي المطران ملاتيوس الزعيم لهذا الأمر، كان قد غادر حلب هاربًا من جور وظلم واليها قره حسن باشا، وذهب إلى بلاد المعرة وإلى آلّيّس. إلا أن الساعي بحث عنه حتى وجده وسلمه الكتاب الذي يحمل قرار تعيينه بطريركًا.
⚖️ في البداية تردد المطران ملاتيوس في قبول المنصب بسبب ثقل الأمر ومرض البطريرك، لكنه بعد إصرار ومتابعة صارح بأنه يوافق، فتوجه إلى الشام رغم ألمه، برفقة ابنه الشماس بولس.
📜 وعندما وصل إلى حماه وجد ساعيًا ثالثًا يحمل رسائل تؤكد وفاة البطريرك أفتيميوس الثالث ليلة الحادي عشر من تشرين الأول 1647، وتطلب منه الإسراع في تولي المنصب حتى لا تبقى البطريركية تحت وصاية، مما قد يسبب الفتن.
✝️ اتفق الجميع في دمشق على رسمه بطريركًا رسميًا في 12 تشرين الثاني 1647، وتوّج على النورية البطريركية باسم مكاريوس.
وساد في البطريركية الأنطاكية لمدة خمسة وعشرين عامًا (1647-1672). خلال فترة بطريركيته قام برحلتين إلى بلاد الكرج وملدافيا وفلاخيا:
الأولى من 9 تموز 1652 إلى أواسط 1659.
الثانية من 1664 إلى 1669، حيث توفي ابنه الأرشيديكون بولس في تفليس يوم 22 حزيران 1669، فعاد وحده إلى دمشق.
🔄 لاحقًا زار حلب مرات عدة، وسنوضح ذلك في تدوين سيرة خلفائه على أبرشية حلب. توفي في دمشق مسمومًا بتاريخ 12 حزيران 1672.
📚 ملفات ملاتيوس الزعيم وحرّاة النهضة الثقافية بحلب في أواسط القرن السابع عشر
لم يكن المطران ملاتيوس زعيم عالماً بالمعنى الحديث، بل كان بالأحرى محباً للعلم ومشجعاً للعلماء. ففي عهده وتحت إشرافه نشطت الحرّاة الثقافية بين المسيحيين الحلبيين ولاسيما بين أبناء طائفته. فكان يشجّع الشباب منهم على التعلم، ويتعاون مع نخبة من المثقفين في ترجمة الكتب العلمية من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية، ويبحث هو نفسه عن الكتب التاريخية القديمة، ويعنى بنسخها وحفظها. ويتذوّق فنّ رسم الأيقونات، ويهوى الخط الجميل، وتزيين المخطوطات بالمنمنمات المشوقة. وكان يستهويه على الخصوص ما يتعلق بتاريخ البطريركية الأنطاكية، من تعداد الأبرشيات التابعة لها والبطاركة والأساقفة الذين ساقوها على مر العصور، وسيرة القديسين والكتاب الذين اشتهروا من أبنائها. أما أنه عني بتدوين ما بلغ إليه من حوادث العصر الذي عاش فيه، فذلك واضح جلي. لكنه عني أيضاً بتاريخ بلاده عموماً، وآثارها المسيحية والإسلامية. وامتد حب الاطلاع عنده إلى كل ما اعتقد أنه مفيد لأبناء قومه من معلومات تاريخية وطبيعية.
🖋️ وقد حرص على أن يخلّف للأجيال التالية معرفة ما جرى في زمانه أو على يديه، فحمل ابنه الأرشيديكون بولس الزعيم على كتابة يوميات أسفاره بتدقيق، وأهم حوادث أسقفّيته وبطريركيته، بحيث يكاد يستطيع المؤرخ أن يتتبع سيرة هذا الرجل العظيم يوماً بعد يوم، بفضل ما خلّفه لنا عنه ابنه ومؤرخّه الأرشيديكون بولس.
إسهامات المطران ملاتيوس الزعيم الثقافية والأدبية (1635-1647)
حجم الإنتاج الأدبي:
لو أراد المرء أن يسرد عناوين جميع الكتب والمقالات التي ألفها أو ترجمها المطران ملاتيوس، أو تلك التي عني بنسخها أو تأليفها، لاحتاج إلى مجلد كامل. من أبرز هذه الأعمال:
المجموع اللطيف
كتاب النحلة
كتاب تاريخ جداول الأربع بطريركيات
مجموعات متنوعة محفوظة في المخطوط العربي المسيحي (رقم 28 في المتحف البريطاني).
ومعظم هذا الإنتاج ضخم وأنتجه أثناء توليه الأسقفية والبطريركية.
أولاً: الكتب المترجمة
المطران ملاتيوس بدأ معرفته باليونانية أثناء سفره إلى بلاد الفلاخ، لكنه لم يكن يتقنها تماماً. في أسقفيته بحلب (1635-1647) أشرف على ترجمات قام بها تلاميذه ومعاونوه، وأحياناً نسب إلى نفسه هذه الترجمات بتشجيعه وإدارته.
من الكتب التي عني بترجمتها:
كتاب السنكسار (مجموعة سير القديسين): نُقل إلى العربية سنة 1638، ومقسم إلى 4 أجزاء. محفوظ في المكتبة البدلايّة بلندن (رقم 92-95).
أثناء بطريركيته ألّف نسخة خاصة بقديسي البطريركية الأنطاكية، محفوظة في الفاتيكان (رقم 622).
كتاب التاريخ الشامل للمتروبوليت ذوروثاوس (1630): بدأ بترجمة الجزء الثاني، بعنوان “كتاب الدر المنظوم في أخبار ملوك الروم” (يتناول الفترة بين قسطنطين ومراد الرابع). نُقل عام 1648، لكن الترجمة أُنجزت بمعاونة الخوري يوسف كاتبه وابنه بولس.
الجزء الأول الذي تناول التاريخ العالمي حتى عهد قسطنطين الكبير، ترجم البطريرك ماريوس بعد وفاة الخوري يوسف، ويحمل اسم “التاريخ الرومي العجيب المجيد”.
كتاب خلاص الخطأة: مؤلفه الراهب أغابيوس لندوس (نشرت 1641 باليونانية). ترجمته للعربية أشرف عليها المطران ملاتيوس عن طريق الخوري يوسف المصور. هناك نسخ عديدة لهذا الكتاب، وبعض فصوله اقتطفها الخوري يوسف وجمعها في كتاب منفصل بعنوان “كتاب الفرائد اللطاف في سر الاعتراف”.
ثانياً: في مجال الفن
كان المطران ملاتيوس صديقاً حميماً للخوري يوسف المصور، مؤسس المدرسة الأيقونغرافية الحلبيّة.
المصور أهدى عدة أيقونات مهمة، منها أيقونة القيامة التي كتب عليها توقيعها وذكر فيها المطران ملاتيوس (1645).
هذه الأيقونات محفوظة في مجموعات خاصة ومطرانية الروم الكاثوليك بحلب.
ظهر فنانون آخرون في عهد المطران ملاتيوس، مثل ميخائيل بن جرجس بن الخوري يوحنا، الذي أنجز نسخ مزخرفة ومزينة بالرسوم الجميلة.
ثالثاً: أبرز ممثلي النهضة الثقافية في عهده
الأرشيديكون ميخائيل بجع:
تلميذ المطران ملاتيوس ومساعده في الترجمة والكتب الطقسية.
معلم اللغة العربية للرهبان الأجانب.
أقام علاقات مع روما وحصل منها على كتب يونانية وقواميس، رغم أنه لم يعلن اتحاده مع روما جهراً.
نقلاً عن كتاب أساقفة الروم الملكّيّين بحلب في العصر الحديث بتصرف.
موسوعة قنّشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت