الولادة: –
الوفاة: 341
إن المعطيات السيروية عن مار شمعون برصباعي شحيحة .فكل ما نعرفه عنه هو إنه من مواليد مدينة (سوس )في إقليم عيلام .نلقاه في مستهل القرن الرابع مع فافا الجاثليق ،اركذياقونا له ثم خلفا .أسهم في جمع أساقفة المملكة الساسانية تحت ولاية كرسي المدائن ،أي ساليق وقطيسفون. وفي ربيع عام 341 أصدر شابور الثاني مرسوما يقضي بأن يدفع المسيحيون جزية إستثنائية مضاعفة حتى تتيسر له مواصلة الحرب ضد الرومان .
ولما لم يتمكن المسيحيون من دفعها لأنها تفوق طاقتهم،أمر بأن يقبض على زعمائهم وينكل بهم .وكان الجاثليق شمعون في مقدمة المعتقلين البالغ عددهم 103 وبعد استجوابات متتالية اتهموا بالخيانة والموالاة للرومان .وسيق مع مجموعة المعتقلين إلى مدينة كرخ ليدان في إقليم الأهواز حيث كان الملك يقيم ،ولما حضروا أمامه ،طلب منهم أن يجحدوا إيمانهم ،ويسجدوا للنار المقدسة أو الشمس عين الإله ،وله نفسه كجزء الإله اهورمزد،و الإ ضرب أعناقهم بالسيف ،فما كان منهم إلا أن أصروا بثبات على إيمانهم ،وامتنعوا عن السجود للنار وللملك . وأمام هذا الإصرار أمر شابور بقطع رؤوسهم ،فاستشهد شمعون ورفاقه في يوم الجمعة العظيمة 14 نيسان 341 ،وكانت هذه بداية الاضطهاد العنيف الذي يعرف بالأربعيني لأنه دام نحو أربعين عاما (339 ـ 379 )والذي أودى بحياة آلاف المسيحيين.
قام المؤمنون خفية بنقل جثمان الجاثليق إلى مدينة سوس ،ودفنوه فيها ،وكنيسة المشرق (الآثوريون والكلدان)تحتفل بتذكاره في مناسبتين:الأولى مع رفاقه في جمعة المعترفين بالإيمان ،التي تلي عيد القيامة والتي هي بمثابة تذكار جميع القديسين في الكنائس الغربية ،والثانية في التذكار المخصص له في الجمعة السادسة من موسم الصيف. لقد جاء في التاريخ السعردي الذي عنه اقتبست الخلاصات التاريخية ،إن شمعون أوفد مع شهدوست خليفته أو مع يعقوب النصيبيني لحضور مجمع نيقية المنعقد عام325 .إن هذا القول مجرد مفارقة تاريخية ،لأن المجمع عقد في المملكة الرومانية المعادية للفرس ،وكنيسة المشرق لم تسمع بنيقية وتقبله إلا في مجمع اسحق عام410 ،الذي إلتئم بمساعي الاسقف ماروثا الميافرقيني المبعوث الرسمي للامبراطور الروماني لدى البلاط الساساني ،وأي علاقة مع الرومان كانت تفسر عمالة ،ويدفع المسيحيون ثمنها!
تآليفه :
يذكر عبد يشوع الصوباوي ،في فهرس المؤلفين المشرقيين ،إن لشمعون رسائل (8)ولكنها لم تصلنا و لا نعرف طبيعتها ،وما جاء على لسانه في سيرة حياته هو من وضع الكتَّاب ،ويتسم بطابع دفاعي ، ويشجع المعتقلين المسيحيين على الدخول في حومة الجهاد ،متسلحين بإيمانهم على أمل الخروج منه ظافرين .أما ما وصلنا من كتاباته ،فيقتصر على بعض تراتيل طقسية .وهو نفسه قام بأول ترتيب للصلوات ،موزعا أداءها على جوقتين ومقسما المزامير إلى هولالاي ومرمياثا ،لتسهيل استعمالها والتراتيل التي وصلتنا هي:
1-((بك يا رب الكل ـ لاخومارا ))ترتل في الرتب الطقسية كافة ،وهي بمثابة قانون إيمان مسيحاني ليتورجي ،خال من المصطلحات المجمعية التقنية.
2-يا عالم أفكار البشر ،ترتل في زمن الصوم (الفرض الكلداني جزء 2ص77 )وتناجي قدرة الله الآب لسند ضعف الإنسان في خضم الشدائد.
3-وإن نزعتم عنكم لباس الخارج ؛ترتل في تطواف القرابين في قداس الأحد الجديد (الفرض الكلداني جزء2ص450 )،ترتيلة بديعة تحّث المسيحيين على التمسك بالرجاء .وإن هم ثبتوا على معموديتهم وتناولهم القربان وسط أمواج الظلام القاتم ،فازوا بالحياة الخالدة.
4-بعين الفكر والحب ؛ترتل في تطواف القرابين في قداس خميس الفصح (الفرض الكلداني جزء2/ص356).وهي ترتيلة لاهوتية عميقة ،يدعو فيها المضطهدين إلى التشبه بالمسيح الصاعد إلى الألم والموت من أجلهم .فالتضحية هي السبيل الأقصر للانضمام إليه.
5-سبحانك ربي لأنك خلقتنا ،ترتل في زمن الصوم ،الأيام الاعتيادية (طالع قذام ودباثر،طبعة الآباء الدومنيكان 19.3 ص35)وهي ترتيلة تبرز تدبير الله الخلاصي ،وتدعو الناس إلى التجاوب معه ورفع الحمد له.
أطروحاته الفكرية :
هذه التراتيل تتسم عموما بطابع الصلاة والمناجاة :من حمد وثقة واستسلام،وتهدف إلى شد عزم المسيحيين ،وسط الضيق ،لئلا يتزعزع ثباتهم .ويشجع ضعاف القلوب لحمل الصليب على مثال المسيح الذي احتمل الآلام من أجلنا .يعزيهم بالمستقبل المجيد ،إن هم التزموا بقيم الإنجيل: ((إن نزعتم عنكم لباس الخارج ،لا تنزعوا عنكم حلة الباطن ،أيها المعمدون ))(افين شلحيتون1).لكن لا تخلو هذه التراتيل من تعليم لاهوتي عميق واصيل ،فهو ينطلق بالضبط من التدبير: فالله الواحد الأحد هو الذي خلقنا مجانا على صورته الحية ،ومنحنا العقل والحرية(سبحانك ربي2 )وهو آب وابن وروح قدس ـ جوهر واحد وثالوث في آن معا .والمسيح خلصنا بفضل التجسد(سبحانك5)وعرفنا بالله ،وأشركنا في وليمة السماء (سبحانك9و10 )وهو ربنا ومخلصنا وباعث حياتنا (لاخومارا). تعبر هذه التراتيل عن روحانية شخص سائر إلى الاستشهاد بهدوء وسلام وثقة بالنفس ،وإيمان عميق بالرب .ويعرف أن موته ليس النهاية المحتومة ،بل تتويج للقائه بالمسيح.ويعرف أنه على مثاله،يبذل حياته من أجل الرعية .إننا نلمس فيها نفس دفء روحانية اغناطيوس الأنطاكي ،ونفس السلام والشوق المستقرين في قلبه ،كما تعبر الرسائل التي بعث بها إلى الكنائس السبع.
نصوص مختارة :
1- بك يا رب الكل نعترف ،وإياك يا يسوع المسيح نحمد ،أنت باعث أجسادنا ومخلص نفوسنا .
2-يا عالم أفكار البشر جميعا ،وفاحص خفايا قلوبهم ؛إنك تعرف ضعفنا ،فارحمنا .
3-وإن نزعتم عنكم لباس الخارج ،لا تنزعوا عنكم حلة الباطن ،أيها المعمدون .لئن لبستم السلاح الخفي لا تستطيع أمواج التجارب أن ترخي عزيمتكم .إنكم تعرفون أي كلمات ـ أي الإنجيل ـ سمعتم،وتعرفون من أي ذبيحة حية تناولتم فحذار أن يغويكم الابليس كما فعل بآدم ،ويبعدكم عن الملكوت المجيد .إنه يسعى لأبعادنا عن الفردوس ،كما فعل بآدم ،لذلك لنناد معا المسيح ،ليأت ويشدد بروحه القدوس نفوسنا جميعا.
4-بعين الفكر والحب لنتفرس كلنا في المسيح الذي ،من خلال الأسرار والرموز،يساق إلى عذاب الصليب ،وها هو موضوع على المذبح المقدس ذبيحا حيا،يحتفل الكهنة بذكرى موته ويحمدونه ويشكرونه على نعماه التي لا توصف.
5-سبحانك ربي لأنك منذ البدء من دون طلب خلقتنا
ـ سبحانك ربي لأنك سميتنا صورتك الحية ومثالك .
ـ سبحانك ربي لأنك بالعقل والحرية عظمتنا .
ـ سبحانك أيها الآب البار لأنك بمحبتك أبدعتنا .
ـ سبحانك أيها الابن القدوس لأنك باتخاذ جسدنا خلصتنا
ـ سبحانك أيها الروح القدس لأنك بمواهبك أثريتنا .
ـ سبحانك أيها الجوهر الخفي لأنك كشفت أقانيمك ببشريتنا .
ـ سبحانك ربي لأنك من ظلام الأوثان أعتقتنا .
ـ سبحانك ربي لأنك من معرفة الوهيتك قربتنا .
ـ سبحانك ربي لأنك إلى دار السماء البهي اولمتنا .
ـ سبحانك ربي لأنك عن رتب السماويين أخبرتنا .
ـ سبحانك ربي لأنك إلى أدوات ناطقة لخدمتك حولتنا .
ـ سبحانك يا ربي لأنك لحمدك مع الملائكة أهلتنا الحمد لك من كل الافواه أيها الآب والابن والروح القدس الحمد لثالوثك من الكائنات العلوية والأرضية الحمد لك في العالمين من الجسديين والروحيين الآن وإلى الأبد.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت