الولادة: 1840
الوفاة: 1916
🏛️ النشأة والخلفية
وُلد كيرلّس جحا باسم سمعان بن حنّا جحا وكاترين بيطار في حلب بتاريخ 16/28 تشرين الأول 1840. تعلّم في صباه العربية والفرنسية والتركية، ودرس العلوم الفلسفية واللاهوتية على يد المطران أثناسيوس توتونجي، مطران طرابلس المتقاعد، الذي فتح في بيته مدرسة شبه إكليريكية لتعليم الشباب، وخصوصًا المرشحين للكهنوت. لاحقًا أسند إليه المطران ديمتريوس أنطاكي بعض شؤون الطائفة الزمنية، ورسمه شمّاسًا إنجيليًا في 2 شباط 1861، وغيّر اسمه من سمعان إلى بطرس.
✝️ الكهنوت والخدمة المبكرة
شارك بطرس جحا في أعمال ترميم الكنيسة الكاتدرائية التي دمرها الثوار في “قومة البلد” سنة 1850. رافق المطران بولس حاتم في مجمع الطائفة في 29 أيلول 1864، وكان كاتم أسراره ووكيلاً عن المطران توتونجي. في 30 نيسان 1865، رُقّي إلى درجة الكهنوت المقدس وتولّى التواصل مع الدوائر الحكومية، موثقًا علاقاته مع والي حلب كامل باشا. وفي 10 أيار 1874 رسمه المطران بولس حاتم “خوريا” وصرّفه على إحدى رعايا حلب.
🕊️ نائبا بطريركًا وأسقفًا
بعد وفاة المطران بولس حاتم في 10 شباط 1885، عيّن الخوري بطرس جحا نائبا بطريركيا، ثم انتُخب مطرانًا على حلب في 25 آذار 1885 بإجماع الأصوات تقريبًا، وتمت رسامته الأسقفية في 3 أيار 1885 بدير القديس جاورجيوس بالشير، حيث تغيّر اسمه إلى كيرّلس. وقد أُحاط الاحتفال برعاية الباشا والموسيقى الرسمية، وشهد مراسم استقبال رسمية ومبهجة عند دخوله حلب في 22 حزيران 1885.
🏫 المدرسة الأسقفية
لاحظ المطران كيرلّس جحا حاجة أبناء الطائفة إلى مدارس، فطور ووسع المدارس الابتدائية القائمة، لتصبح خمس مدارس في مختلف أحياء حلب، وافتتح مدرسة أسقفية كبرى باسم “مدرسة القديس نقولاوس الأسقفية بحلب” في آذار 1886، بفضل تبرعات آل الحمصي، وتجهيزات بلغت حوالي أربعة آلاف جنيه مصري. نظم المناولة الأولى والاحتفالات السنوية للطلاب، وكان متفانيًا في رعاية المدرسة، ويقوم شخصيًا بتوزيع الأوسمة على المتفوقين.
🎼 اهتمامه بالتعليم والموسيقى
خلال زيارته فرنسا في أواخر 1886، اشترى آلات موسيقية مدرسية ووسائل تعليمية للمدرسة. في سنة 1895 بلغ عدد التلاميذ 144، مع 9 معلمين، منهم الأخوة الماريانيت الذين ساهموا في تطوير التعليم الفرنسي والديني، قبل أن يعودوا إلى فرنسا بعد عدة سنوات. ومن تلاميذهم المتميزين: جوستان شعراوي، جوردان عبجي، المطران إيزيدورس فتّال، والخوري بطرس سابا.
🏛️ المآثر الدبلوماسية والأسقفية
في أواخر 1886، رافق المطران كيرّلس جحا البطريرك غريغوريوس يوسف إلى روما لتقديم التهاني للبابا لاون الثالث عشر بمناسبة اليوبيل الأسقفي الفضي، حاملًا هدية فاخرة باسم أبرشية حلب. بعد ذلك، زار فرنسا حيث استقبله رئيس الجمهورية ومُنح وسام “جوقة الشرف”، وأُقرت إعانة سنوية لمصلحة المدرسة الأسقفية الكبرى بحلب، كما اشترى مطبعة حديثة أرسلها إلى حلب. لاحقًا زار الأستانة، حيث حصل على وسام عثماني من الطبقة الثانية بعد مقابلة السلطان، وعاد إلى حلب في 1887 مع البطريرك، مُستقبَلاً بحرارة من أبناء الطائفة.
🕊️ الراعي الوقور
تميّز المطران جحا بولائه للكرسي الروماني وحبه لرعيته، وكان يصدر سنويًا رسائل رعوية ابتداءً من 1885، يدعو فيها لتربية الأولاد وتعليمهم في المدارس المسيحية. كما حفظت سجلات المطرانية قصائد تهنئة له من قساوسة وشعراء محليين، تؤكد مكانته الراقية واحترامه لدى الطائفة.
🎗️ الجمعية الخيرية
أسس سنة 1899 الجمعية الخيرية لطائفته بحلب، أولاً باسم “لجنة الرحمة”، وجعل القديس يوحنا الرحيم شفيعًا لها. وضعت الجمعية قانونًا مختصرًا ونظمت جمع التبرعات السنوي، حيث بلغ المجموع في البداية خمس ليرات عثمانية ونصف ذهب، لتقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين.
✝️ نحو المنصب البطريركي
بعد وفاة البطريرك غريغوريوس يوسف في 1897، عيّن المطران جحا قائمقامًا بطريركيًا في 27 تموز 1898، وصادقته الحكومة العثمانية. دعا إلى مجمع انعقد في دير المخّلص بصربا بين 10 و24 شباط 1898، انتُخب فيه بطرس الرابع جريجيري بطريركًا. ثم سافر إلى القدس ورومة لتقارير الطائفة، وعاد إلى حلب حتى أواخر 1901. في مارس 1902 بقي في دير المخّلص بصربا، وزار بطريركه العليل حتى وفاته في 24 نيسان 1902 في بيروت، حيث ألقى الصلاة على جنازته.
🏛️ تولي البطريركية
عند وفاة البطريرك غريغوريوس يوسف، عيّنت رومة المطران كيرّلس جحا مدبّرًا رسولياً للكرسي البطريركي، وأثبتت الدولة العثمانية تعيينه فورًا. دعا جحا الأساقفة إلى عقد سينودس انتخابي في عين تراز في 26 حزيران 1902، وانتُخب بطريركًا في 27 حزيران باسم كيرّلس الثامن، وحصل على تثبيت البابا والوسام المجيدي من الدرجة الأولى. منذ بداية ولايته، تميز بحب الشورى والعمل الجماعي، وحصل على الاعتراف المدني الفريد من نوعه من الباب العالي كرئيس لملة الروم الكاثوليك.
🕊️ الإصلاحات الروحية والإدارية
أصدر البطريرك جحا تعليماته لعقد المجمع الملي الذي كان مؤجلًا من عهد سلفه، وعين لجنة لصياغة قانون كامل للطائفة. في شباط 1908 رأس قداسًا احتفاليًا في روما بحضور البابا بيوس العاشر بمناسبة مرور 1500 سنة على وفاة القديس يوحنا الذهب.
⚔️ التحديات السياسية
في 1911 نزح إلى مصر، وبقي هناك أثناء الحرب العالمية الأولى. بعد خلع الخديوي عباس، شارك في حفل المبايعة للسلطان الجديد، ممّا أغضب الدولة العثمانية وأدت إلى خلع سلطته المدنية. تمّ تعيين مطارنة الطائفة قائمقَمين بطريركيين مؤقتين، بينما احتفظ الأرشمندريت ديمتري سكّريه بالسلطة الروحية.
✝️ وفاته وخلافة الطائفة
توفي البطريرك كيرّلس جحا في الإسكندرية في 9 كانون الثاني 1916، وأُعلن الخبر للأساقفة لاحقًا. بعد سلسلة من الإجراءات والموافقات البابوية، اجتمع الأساقفة في 29 آذار 1919 في دير المخّلص بصربا وانتخبوا المطران ديمتريوس قاضي مطرانًا على حلب، متوحّدًا بالسلطة الروحية والزمنية.
🕊️ الإكليروس الحلبّي في عهده
خلال فترة رئاسته للأبرشية، ضمّ الإكليروس الرعوي عددًا من الكهنة المميزين، مع تغييرات لاحقة نتيجة التعيينات والنقل، لضمان إدارة فعالة للطائفة وتربية رجال الدين الجدد، بما في ذلك إدخال الخريجين الجدد من الإكليريكية.
نقلاً عن كتاب “أساقفة الروم الملكيين بحلب في العصر الحديث”، مع بعض التصرف.