الدولة | لبنان |
---|---|
المحافظة – المدينة | الشمال |
الطائفة | – |
الموقع على الخريطة | ![]() |
⛪ كنيسة صيدنايا – كفرشليمان
من قرية صغيرة مُتواضِعة في قضاء البترون، تُشِعّ أنوار وتظهر معالِم أثريّة تَضع هذه القرية الوادعة في طليعة المواقع الدينيّة والتاريخيّة في لبنان، من حيث أهميّتها، مع كونها ما زالت غير معروفة. تقع هذه القرية في وسط قضاء البترون، وترتفع عن سطح البحر حوالي 700 متر، وتبعد عن مدينة البترون، مركز القضاء، حوالي عشرين كيلومتراً. وتَمرّ الطريق المؤدّية إليها بقرى إجدبرا، عبرين، بجدرفل، عين عيّا، وطى صورات ورشكيدا. وكلمة “كفرشليمان” هي سريانيّة مُركّبة من جزأين: “كفر” وتعني حقل، و”شليمان” أي سليمان، فيصبح المعنى التام إذن “حقل سليمان”.
🏛️ المعبد والتحوّل إلى كنيسة
كانت تقوم في تلك القرية مملكة فينيقيّة، ومن بقاياها مَعبد، تحوَّل في القرن الخامس الميلاديّ، مع انتشار الديانة المسيحيّة، إلى كنيسة على اسم صيدنايا. وهذا المعبد كما يبدو كان في الأصل خزّانًا للمياه أو مَدفنًا، وهو كناية عن غرفة محفورة في الصخر لا تتعدّى ثلاثة أمتار طولًا والمترين عرضًا وارتفاعًا، وهي لا تتّسع لأكثر من ثلاثة أو أربعة أشخاص، وقد ازدانت برسوم وجدرانيّات ونقوش مميّزة على صخورها.
🛠️ الترميم
في العام 2007، تمّ تَرميم هذا المعبد من قِبَل “جمعيّة المحافظة على جدرانيّات الكنائس القديمة في لبنان”، وذلك بتمويل من مؤسّسة فيليب جبر التي تبرّعت بالتكاليف.
🎨 الجداريات والرسوم
داخل هذا المعبد تُطالعنا الجداريّات والرسوم على الجوانب والسقف، منها الجدارية التي تُزيّن الحائط خلف المذبح والتي تُصوّر مشهد التضرّع المؤلّف من وجه المسيح وهو يُبارك، ووجهيّ العذراء ويوحنّا المعمدان يتوسّطهما المسيح وهما يتّجهان نحوه طالبَين الشفاعة للبشريّة. كما تبدو على الحائط الشماليّ العذراء المُرضِعة. وعلى يمين المدخل مشهد غير مألوف، إذ نرى شابًّا يستعدّ لإطلاق سهمه على غزال، ويتوسّط هذين الرسمين صليب مع كتابة باليونانيّة تقول: “يسوع المسيح مُنتصر”. نُسِبَت هذه الصورة إلى رؤية القدّيس أفستاقيوس الذي كان من القدّيسين الأكثر شعبيّةً في الشرق المسيحيّ، والذي تخلّى عن وثنيّته إثر ظهور المسيح له وهو في الصيد. وتَظهر على الحائط الغربيّ بقايا صورة كانت تُمثّل القدّيس جاورجيوس على الحصان.
أمّا السقف فتَحتلّه صورة المسيح على العرش وهو يُبارك بيد ويحمل الكتاب بالأخرى، وتُحيط به الكائنات السماويّة التي لم يَبقَ منها سوى وجه ساروفيم، والأسد والملاك، ويُجسِّد كلّ من هذين الأخيرين الإنجيليَّين مرقس ومتّى. ويَظهر على جانبيّ وجه المخلّص القمر والشمس. وتعود هذه الصور من حيث أسلوبها إلى القرن الثالث عشر.
🌟 التسمية والأسطورة
وقد سُمّيت هذه الكنيسة على اسم صيدنايا تيمّنًا بدير صيدنايا في سوريا الذي يَرجع بناؤه إلى سنة 547 للمسيح. والشائع لدى المؤرّخين أسطورة تقول إنّ الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأوّل لمّا خرج بجيشه لمهاجمة الفُرس، ولدى مروره في منطقة صحراويّة في سوريا، في محلّة “نايا” (التي تعني أراضي أو أماكن للصيد) فتك به وبجنوده العطش. فظهرت عليه غزالة أخذ يُطاردها، فمالت إلى ينبوع ماء، ولم تَترُك له فرصةً لإطلاق النار عليها واصطيادها، إذ تحوّلت إلى أيقونة للسيّدة العذراء، ومن ثمّ خرجت منها وقالت له: “لن تقتلني يا يوستينيانوس، بل ستُشيِّد لي هنا كنيسة على هذه الرابية”. ثمّ غاب شبح الغزالة، وعادت إليه في الحلم لترسم له تصميماً للدير نُفِّذ آنذاك وما زال حتى اليوم مُحتفظًا بعظمته البيزنطيّة.
🙏 البطريرك يوسف التيّان
ويُذكر أنّ البطريرك يوسف التيّان (1796–1809) كان يختلي في هذا المعبد للصلاة، بعدما استقال من السدة البطريركيّة. وأقام في القرية المذكورة بناءً على طلب أحد أبنائها لاوندس المُلقّب بـ “أبو شديد” الذي كانت تربطه به صداقة، وكان من مرافقي يوسف بك كرم، فبنى له غرفة مجاورة لدارته القريبة من الكنيسة.
ويروي الأب لويس صفير بهذا الخصوص، في كتابه البطريرك يوسف التيّان (1760–1820)، أنّ رجلًا يُدعى أبو شديد من كفرشليمان، الواقعة قرب إكليريكيّة القدّيس يوحنّا مارون، وكان تربطه صداقة متينة بالبطريرك التيّان، بنى له غرفةً قرب معبد مُكرّس على اسم سيّدة صيدنايا حيث كان البطريرك يتردّد مرّتين في الأسبوع للصلاة والتأمّل. وقبل ذهابه إلى قنّوبين للمرّة الأخيرة قال لأبو شديد: “اهدم هذه الغرفة التي بنيتَها لي بما أنّني لن أرجع إليها، اهدمها خوفًا من أن يَعمِد الوقف، بعد موتي، إلى المُطالبة بكلّ الأملاك التي تُحيط بها”.