| الدولة | مصر |
|---|---|
| المحافظة – المدينة | الدقهلية |
| الطائفة | أقباط كاثوليك |
| الموقع على الخريطة |
🕍 مقدّمة
كنيسة العائلة المقدّسة بجوار «شجرة السيدة مريم» بالمطرية تُعدّ أحد أهم معالم زيارة العائلة المقدّسة؛ فشجرة المطرية أقدم شجرة في مصر كانت السيدة العذراء تجلس تحتها. في أواخر القرن الرابع بُني هيكل بسيط بجوار شجرة مريم، وسرعان ما جذب عدداً كبيراً من زوار من مختلف مناطق مصر وخارجها.
📜 التاريخ القديم للموقع
في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس عمل الآباء في الكنيسة القبطية الكاثوليكية على بناء كنيسة بجوار شجرة مريم التي استظلت بها العذراء في ضاحية المطرية. وسرعان ما ابتدأت الكنيسة تجتذب المؤمنين من مختلف أنحاء مصر وخارجها؛ وكان المسيحيون الأجانب من دول وإرساليات متعددة حينما يأتون للزيارة ينصبون هياكل للصلاة والتقديس في هذا المكان، كلّ بحسب لغته وطقسه، لقربها من البئر الذي أنبعه السيد المسيح ولحدائق البلسم، علاوة على وجود شجرة مريم التي استظلت بها العائلة المقدّسة.
ورد في كتاب لأحد المؤرخين القدامى: «يبدو أنّ الرهبان سكنوا هذا المكان لخدمة هذه الكنيسة، إذ كان الهدوء يلف المكان وقربه من الصحراء في العصور الأولى، ولخدمة الشجرة وحديقة نباتات البلسم؛ فابتنوا لهم مساكن وقلالي حولها». وبعد المعاينات الأثرية كُشفت في الأرض المجاورة مبانٍ طينية تشبه قلالي الرهبان.
المؤرخ المعروف بـ«الشيخ المؤتمن أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود» بيّن أنّ الكنيسة الأولى التي تُرجع غالبًا إلى القرن الخامس اشتهرت باسم «كنيسة الذهب» لكثرة النذور الذهبية. وقد هدمت هذه الكنيسة، ثم أُعيد بناؤها سنة 1154م. وأخبرنا أبو المكارم كذلك بتحوّل هذه الكنيسة إلى مسجد وقت الحروب الصليبية.
بعد تلك الأحداث صار المسيحيون يحضرون عيد دخول المسيح إلى مصر (24 بشنس = 1 يونيو) ليحتفلوا فوق البئر والحجر الذي جلس عليه السيد المسيح، وكانوا يقيمون القداس الإلهي فوق البئر رغم تحوّل الكنيسة إلى مسجد.
🕰 زيارات الرحّالة ووصفهم
في أواخر القرن الرابع عشر أشار الرحّالة إيمانويل بيلوتي (1396–1438) إلى إقامة «مقصورة صغيرة للسيدة العذراء حيث تقوم شجرة مريم». وعند زيارة الرحّالة ترافيزان سنة 1512م لم يجد إلا كنيسة صغيرة «منزلًا صغيرًا أعيد بناؤه عدة مرات». وفي القرن السابع عشر زارها الرحّالة الفرنسي الأب فانسليب (1664 و1672/1673) فذكر أنّ البستان في المطرية به حوض رخامي يُملأ من بئر عجيب.
استمر الاعتراف التاريخي بأن المسجد المجاور لشجرة مريم كان في الأصل كنيسة السيدة العذراء القديمة، وظلت القداسات متواصلة في المنطقة خصوصاً عيد دخول السيد المسيح لمصر.
⛪ الكنيسة الحديثة وبناؤها
اهتم الآباء اليسوعيون (الجزويت) بزيارة العائلة المقدّسة لمنطقة المطرية، فاشترى الأب ميشيل جوليان اليسوعي قطعة أرض عام 1883م. بدأ تشييد الكنيسة في أبريل 1889م، واستغرق البناء نحو عامين ونصف، وتكرست على يد المطران جيدو كوربلي في نوفمبر 1891م لتكون الكنيسة بالشكل الحالي.
تشير وثائق عام 1915 إلى أنّ أكثر من 3500 زائر كانوا يحجون إلى هذا المكان سنويًا. وكانت أرض المنطقة (الكنيسة، شجرة مريم، ما حولها حتى ميدان المطرية — نحو سبعة أفدنة) ملكًا للكنيسة كأملاك وقف، إذ كانت تُعطى للهبات والتبرعات.
بعد ثورة يوليو 1952، وفي فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، أُخذ جزء كبير من أراضي الكنيسة لبناء مساكن شعبية عليها (من ميدان المطرية حتى شجرة مريم)، فحدث انفصال بين الشجرة والبئر وبين الكنيسة، وظلت الكنيسة مع الآباء الفرنسيسكان.
🏛 وصف المبنى والديكور
مبنى الكنيسة مستطيل الشكل، سقفه بنظام الأروقة والبواك. في نهايته الشرقية المذبح، وخلفه تمثال كبير للسيد المسيح مصلوبًا على الصليب. توجد شبابيك زجاج معشّق ملوّن لصور القديسين وتشكيلات نباتية وزهرية بألوان زاهية. على جانبي الكنيسة تمثالان من رخام أبيض موضوعان في بهوين لقديسين من قديسي الكنيسة الكاثوليكية، وفي منتصف الكنيسة تمثالان حديثان بالحجم الطبيعي للسيد المسيح والسيدة العذراء بجوار عمودين كبيرين.
قبل أبواب الكنيسة يوجد بهو كبير تعلوه فرنطونة حجرية يرتكز عليها أربعة أعمدة صغيرة بطول مترين تقريبًا، وتظهر خلفها ثلاثة شبابيك تعلو واجهة الكنيسة من الخارج. توجد أيقونات جصّية معلّقة لمشاهد من حياة السيد المسيح، ومجموعة لوحات فنية تمثل قصص رحلة العائلة المقدّسة إلى مصر، رُسمت منذ أكثر من 150 سنة بمدينة ليون في فرنسا للفنان العالمي رينوار، ومقاساتها نحو 2×4 أمتار للوح واحد. مع مرور الزمن والعوامل المناخية ظهرت شقوق في هذه اللوحات فاستُدعي ترميم دقيق لها.
⚰️ المدافن والمقابر
خلف كنيسة العائلة المقدّسة مقابر للرهبان الجزويت الذين خدموا في مصر منذ القرن السادس عشر، وفيها مقابر طينية تحت مستوى سطح الأرض توصل إلى عيون رخامية تتجاوز الثلاثين، كل عين عليها اسم الراهب المدفون. رُصدت فيها أجساد لبعض الرهبان لم تتحلل رغم مرور أكثر من مئة سنة على نياحتهم، مثل أبونا جوليانو (تنيّح 1911م). وتعلو هذه المقابر المياه الجوفية في مواسم الفيضانات، مما يستدعي أعمال رفع مياه ومعالجة للعزل.
ما لا يعرفه الجميع عن بئر شجرة مريم أنه متصل بالكنيسة، فعندما يفيض ويرتفع الماء فيه تصل مياهه تحت أرض الكنيسة، مما يؤكد صلتها بمنطقة الشجرة وبئر مياه العائلة المقدّسة.
🌳 شجرة العائلة المقدّسة
داخل أسوار المدافن نسخة من شجرة العائلة المقدّسة بحالة جيدة، إذ أخذ الآباء الفرنسيسكان فرعًا من شجرة مريم من الجيل الرابع وغرسوه في حديقة الكنيسة فنمت وكبرت وأزهرت.
🏥 الخدمات والنشاطات الاجتماعية
تضم الكنيسة العديد من الخدمات والمراكز: مستوصفًا طبيًا، حضانة، مكتبة، مشغلًا للحرف، تعليم الحرف اليدوية، فرعًا من جمعية مار منصور، تأهيلًا مهنيًا لذوي الاحتياجات (أطراف صناعية)، ناديًا صيفيًا، فصول تقوية مجانية، مركز خدمة الأمومة، مبنى للخدمات يضم قاعة للمناسبات باسم القديس مرقس، وقاعة للعزاء ومرافق للمؤتمرات. كذلك مدارس تحمل اسم العائلة المقدّسة، منها مدرسة في الفجالة وُضع أساسها في 22/4/1888م.
👩👧 الرهبانيات والقديسون
تخدم مصر رهبانات نسائية عديدة منها «راهبات العائلة المقدّسة» التي أسستها القديسة إميلي دي روو (1787–1852) في فرنسا عام 1816م، وتولت الخدمة في لبنان ومصر منذ 1894م. من قديسي الكنيسة المعروفين: القديس مار منصور والقديس فريدريك أوزانام.
🙏 الكهنة والخدمة الكنسية
خدم بالكنيسة عدد من الآباء، منهم المتنيّح يوسف كادس، والأب فرنسيس جاسر الذي خدم نحو 18 عامًا، والأب منصور البصير (خدم 17 سنة)، وأب آخر خدم عامين ونصف. الآباء الكاثوليك يُرسَمون للخدمة على الكنيسة أجمع؛ فينتقلون بين الرعايا حسب توجيهات الرئاسة الدينية.
🗓 ملاحظة تاريخية وخاتمة
لم تُعرف لدى الأقباط تفاصيل إقامة العائلة المقدّسة في مصر إلا في أواخر القرن الرابع الميلادي، حين ظهرت السيدة العذراء للبابا ثاؤفيلس (الذي جلس على الكرسي الرسولي 384–412م) فقالت ما وضعه في ميمر خاص عُرف بميمر حلول السيدة العذراء بجبل قسقام.
في النهاية، تمثل كنيسة العائلة المقدّسة بالمطرية موقعًا ذا قيمة روحية وتاريخية كبيرة — تجمع بين أثر تاريخي ممتد وأنشطة اجتماعية وخدمات تستفيد منها أسر الحي كافة — وتبقى شجرة مريم والبئر دليلًا حيًّا على تلك الذاكرة المقدّسة.