الدولة | سوريا |
---|---|
المحافظة – المدينة | دمشق |
الطائفة | روم أرثوذكس |
الموقع على الخريطة | ![]() |
⛪ النشأة الأولى والكنيسة القديمة
يُرجَّح أنّها أُنشِئَتْ في عهد الإمبراطور البيزنطي أركاديوس (395-408) وكانت عظيمة البناء. ذَكرتها المصادر التاريخيّة باسم كنيسة مريم.
بعد الفتح العربي الإسلامي (635) أُهمِلَتْ وتخرَّبَتْ، ثم عُمِّرَتْ من جديد عام 706. وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (717-719) أُعيدَتْ إلى أصحابها تَعويضًا عن كنيسة مار يوحنّا المعمدان (الجامع الأموي الحالي)، فعمّروها عمارةً عظيمة. ثم احترقَتْ عام 926، فأُعيدَ بناؤها في السنة عينِها الخليفة العبّاسي المقتدر بالله، وتعرّضتْ للحريق عام 1009 بأمرٍ من الحاكم بأمر الله الفاطمي، لكنّه عاد وسمح بإعمارها بعد عام واحد.
🔥 التعرّض للهدم وإعادة البناء عبر القرون
تخرَّبَتْ من جديد عام 1260 وأُعيدَ بناؤها. ثم خرَّبها جنود تيمورلنك عام 1400 ونهبوا كنوزَها وأمتعتها وأوانيَها… فأعاد البطريرك ميخائيل الثالث إعمارَها، ورُمِّمَتْ أو أُعيدَ بناؤها عام 1524. ولمّا تشقَّقَتْ جدرانها بزلزال دمشق المدمّر عام 1759، هدمها البطريرك دانيال وأعاد إعمارَها عام 1777. وفي أحداث “سنة الطوشة” 1860 أُحرِقَتْ وتخرَّبَتْ، فأعاد البطريرك إيروثيوس الأول (1850-1885) بناءَها عام 1861، وضمّ إليها ساحة كنيسة كبريانوس ويوستينا، وألغى كنيسة القدّيس نيقولاوس لعدم الحاجة إليها، ودمج هذه الكنائس في كنيسة واحدة سُمّيت “المريميّة”.
ثم جدَّدها البطريرك ألكسندروس طحّان (1930-1958) عام 1953، فهُدِمَ سقفُها المتشعِّث وأُعيدَ ما هُدِمَ وزُخرفَ بالنقوش والألوان والرسوم. هذا وتبرّع بترميمها وتجميلها المُحسن ميشيل مرهج مرهج عام 1998 في عهد البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم.
📜 مرجع آخر: تاريخ الكاتدرائية المريمية
مريم اسم السيدة العذراء والدة الإله، وهي في الأصل كلمة آرامية، وهي صفة مؤنثة بمعنى نقية أو طاهرة. وتُعَدّ هذه الكاتدرائية المسماة على اسم والدة الإله من أهم وأجمل المواقع الأثرية المسيحية في دمشق وبلاد الشام. يرتبط تاريخها العريق بتاريخ دمشق، أقدم مدن العالم قاطبة، إذ يعود تاريخ هذه الكنيسة إلى القرن الأول المسيحي.
في عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير اعترفت الدولة الرومانية لرعاياها بحرية العبادة، وأصبح المسيحيون قادرين على إعلان إيمانهم بصراحة من دون التعرض للاضطهاد وظهرت الكنائس علانية بعدما كانت حتى هذا التاريخ في الكهوف والدياميس. عندها أظهر “المريميون” معبدهم الذي كان صغيراً نسبةً إلى قلة عددهم وخصصوه لمريم العذراء.
⛪ الكنيسة الأرثوذكسية الأولى
أول كنيسة أرثوذكسية أوجدها القديس حنانيا الرسول، أول أسقف على دمشق، في بيته، وسماها المؤمنون على اسمه. وثمة قول أنها أُقيمَت فيما بعد في القرن الثاني الميلادي على أنقاض هيكل وثني، على اسم الصليب المقدس. وقد جعلها المسيحيون كاتدرائية المدينة، حيث كان أسقف دمشق يلي بطريرك أنطاكية من حيث الترتيب الأسقفي.
⚔️ الفتح العربي الإسلامي وإغلاق الكنيسة
في عام 635م دخلت الجيوش العربية الإسلامية دمشق من بابين: الباب الشرقي بقيادة خالد بن الوليد عنوةً وحربًا، ومن باب الجابية (الغربي) بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح صُلحًا بوساطة سرجون النصراني (جدّ القديس يوحنا الدمشقي)، والتقى الجيشان عند المئذنة البيضاء بجوار (الدار البطريركية الأنطاكية حالياً) كنيسة مريم، فأُغلِقَت الكنيسة واعتُبِرَت من أملاك الدولة لوقوعها على الحد الفاصل بين دخول جناحي جيش المسلمين صلحًا وحربًا.
(إن الكنائس الواقعة في شرق المدينة حيث فتحت المدينة حربًا حُوِّلَت إلى مساجد، بينما بقيت الكنائس الواقعة في غرب المدينة حيث دخل أبو عبيدة صلحًا بأيدي أصحابها، وكان عددها خمس عشرة كنيسة بينها كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان ودار الأسقفية) وبقيت مغلقة حتى عام 706م حيث أعادها الوليد للأرثوذكس بقوله: “إننا نَعوض عليكم عن كنيسة يحيى بكنيسة مريم” وكان ذلك تَعويضًا عن تحويل كاتدرائية المعمدان إلى الجامع الأموي. وعندها جَدَّد الأرثوذكس أسقفيتهم مجددًا وجعلوها بجانب كنيسة مريم.
🏛️ التطورات التاريخية للكاتدرائية
منذ عام 706م وحتى الآن مرت على الكاتدرائية أحداث جسام، حتى أن ثباتها يُعَدّ أعجوبةً بالمقارنة مع ما اندثر بفعل الإنسان والزمان من كنائسٍ وأديارٍ مسيحية لا تزال أطلالها في كل الديار الشامية شاهدةً على ذلك.
فهي كانت قد بقيت مغلقة قرابة 65 عامًا حين أعادها الوليد، ثم دُمرت بفعل بعض الجهلة أثناء خلافة الخليفة العباسي (المقتدر بالله) سنة 926م، مع دير النساء الملاصق لها. درب مريم ويصل بين قوس النصر بجانب البطريركية وباب الفراديس وهو غير موجود الآن وكنيسة النساطرة في حارة جعفر أيضًا لم تعد موجودة. فأمر الخليفة المذكور بإعادة بنائها دون البقية.
ثم أُحرِقَت عام 950م أيام أحمد بن طولون صاحب سورية ومصر. ثم أُعيدَ حرقها بأمر الخليفة الفاطمي (الحاكم بأمره) عام 1009م، مع كل الكنائس في بلاد الشام ومصر، بما فيها كنيسة القيامة في القدس. ثم أمر بإعادة بناء بعض هذه الكنائس ومنها الكاتدرائية المريمية بدمشق وكنيسة مريم في القاهرة وكنيسة القيامة في القدس، وقد أشرف على إعادة بناء المريمية والي دمشق (ختكين) التركي.
وقد حسنتها الرعية شيئًا فشيئًا وخصوصًا زمن الأسقف ثيوفيلوس، الذي أحضر لها فنانين يونانيين مهرة في فنون الزخارف والتصوير الكنسي، فغدت كاتدرائية رائعة، حتى إن الرحالة العربي ابن جبير بعد ما زارها عام 1184م وصفها بقوله: “في داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن عظيم تعرف بكنيسة مريم، ليس بعد كنيسة بيت المقدس عندهم أفضل منها، وهي جميلة البناء، تتضمن من التصاوير أمرًا عجيبًا يُبهر الأفكار ويستوقف الأبصار، ومرآها عجيب وهي بأيدي الروم ولا اعتراض عليهم فيها”.
🔥 الفتنة الطائفية وإعادة الإعمار
وفي عام 1260م حدثت فتنة طائفية شديدة هدمت فيها كنيسة مريم، بعد خروج التتار بقيادة هولاكو انتقامًا، لأن هولاكو كان قبل فتح دمشق قد أوصى جيشه بنصاراها خيرًا كونه كان نصرانيًا نسطوريًا. وأعادت الرعية ترميمها بشكل بسيط وفق أوضاعها المالية الصعبة إلى أن انتقل مركز الكرسي البطريركي الأنطاكي من إنطاكية إلى دمشق عام 1342م، بعدما خَرَّبَ الظاهر بيبرس إنطاكية سنة 1268م في حربه ضد الصليبيين الفرنجة.
وفي عام 1404م وفي زمن البطريرك الأنطاكي ميخائيل الثالث، هاجم تيمورلنك التتري بلاد الشام، وفتح دمشق عنوةً واستباحها لجنوده مدة ثلاثة أيام بلياليها، فنهبوا كل شيء بما في ذلك كنيسة مريم (التي كانت قد أصبحت غنية وفخمة) وهدموا رواقها الغربي وكنيسة القديسين كبريانوس ويوستينا التي كانت جنوبي كنيسة مريم.
وقد أعاد البطريرك يواكيم الرابع (ابن جمعة) عام 1524م بناء كنيسة كبريانوس ويوستينا، في حين أن البطريرك ميخائيل الثالث أعاد بناء كنيسة مريم شيئًا فشيئًا، كما أعاد زينتها وفرغ منها قبل وفاته عام 1410م.
وفي عام 1759م ضربت هزة أرضية شديدة معظم سورية وبلاد الشام، فتهدمت الكثير من المدن منها مدينة إنطاكية ومدينة دمشق، وسببت أضرارًا كثيرة، فهدمت النصف الأعلى من مئذنة عيسى في الجامع الأموي ونصف كنيستي كبريانوس ويوستينا وتصدعت جدران كنيسة مريم.
وقد أعاد البطريرك سلبسترس القبرصي (1724-1767) بناء كنيسة كبريانوس ويوستينا، دون كنيسة مريم، إذ إنه لم يظهر فيها ما يدعو إلى إعادة بنائها، حتى زمن دانيال البطريرك الأنطاكي (1767-1791) الذي استحصل على الإذن من والي دمشق محمد باشا العظم بهدمها وإعادة بنائها في عام 1777م. استمر العمل فيها لمدة سنتين، وكانت الرعية تُصلّي آنئذٍ في كنيسة مار نقولا التي كانت تقع في حرم المقر البطريركي.
وبتدبير عثماني ويهودي، بالإضافة إلى عوامل خارجية وداخلية، أُضرِمَت فتنة دمشق الطائفية في عام 1860م، وكانت من أكبر الفتن الطائفية في دمشق خصوصًا وبلاد الشام عمومًا، وقد خلّفت هذه الفتنة خسائر بشرية كبيرة جدًا، قدّرها القناصل والمؤرخون آنذاك بما يُنوف عن 9000 نصراني دمشقي، مع دمار لكل الكنائس في دمشق وأولها كنيسة مريم وكنيسة كبريانوس ويوستينا وكنيسة مار نقولا والدار البطريركية، حيث أصبحت جميعها أطلالًا مع أحياء النصارى في دمشق، بالرغم من دور المغفور له الأمير عبد القادر الجزائري والعديد من زعماء المسلمين في وقف الفتنة وحماية النصارى وإطعامهم وإيوائهم بعد النكبة.
✝️ شهداء الفتنة وإعادة بناء الكاتدرائية
أول شهداء الفتنة الخوري يوسف مهنا الحداد، ايكونوموس الكرسي الأنطاكي، والذي طوّبه المجمع الأنطاكي المقدس بدوره الموسع في تشرين الأول 1993م قديسًا باسم الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي. وبقيت كنيسة مريم خربةً طيلة ثلاث سنوات حتى أعاد البطريرك الإنطاكي إيروثيوس (1850-1885) بناءها بفضل بعض التعويضات من الحكومة والمعونات التي كان قد أرسلها المعتمد البطريركي الإنطاكي في موسكو الأرشمندريت غفرئيل شاتيلا.
وقد ضُمّت مساحة كنيستي كبريانوس ومار نقولا إلى الكاتدرائية واستُعملت حجارتها في إعادة بناء الكاتدرائية، التي أصبحت أكبر وأجمل كنيسة في دمشق بما احتوت عليه من نقوش وزخارف رخامية في الأيقونسطاس الرخامي البديع، وأصبحت على اسم رقاد السيدة العذراء.
جُعل للكاتدرائية الأروقة والفسح والحدائق خارجها، بالإضافة إلى بعض الغرف، ثم بنى البطريرك اسبريدون (1891-1898م) قبة الجرس الحالية.
🏛️ آخر تجديد
أما آخر تجديد للكاتدرائية المريمية فكان في عهد البطريرك الكسندروس الثالث في عام 1953م بعدما ظهر تصدّع شديد في سقفها. وقد أُعيدت نقوشها إليها. وبلغ مجموع ما أنفق عليها في حينه 2,322,245 ل.س، جمعت من مرافق ومؤسسات الطائفة في دمشق وخارجها، مع تبرعات المحسنين، إضافةً إلى منح مالية قدمتها الحكومة السورية مشكورة.
وتُعتبر الكاتدرائية المريمية من أكبر كنائس بلاد الشام وأجملها، وتتساوى من حيث السعة والجمال مع كاتدرائية القديسين بطرس وبولس في إنطاكية. بالتالي تكون الكاتدرائية المريمية أقدم كنيسة لا تزال حية في بلاد الشام، ولولا الظروف التي مرت عليها، وخصوصًا عام 1860م، لكانت تحتوي على أعظم الموجودات الكنسية من تجهيزات وآنية ومخطوطات تاريخية.