| الدولة | العراق |
|---|---|
| المحافظة – المدينة | نينوى |
| الطائفة | – |
| الموقع على الخريطة |
🏔️ جبل القوش ودير الربّان هرمز
عندما يقترب الزائر من جبل قِردو أو جبل باعَدري الذي يمتد من القوش إلى باعَدري مركز إمارة الإيزدية، يجذبه أول ما يجذب ناظريه صرح محفور في صدر جبل القوش، ويتراءى له فيه قوة الإنسان في البناء في هكذا موقع ليحفر بأنامله ذلك الصرح الصخري الشاهق، الذي يرتفع تسعمئة متر فوق سطح البحر، ويبعد عن الموصل شمالًا بمسافة ثلاثين ميلًا.
يُعتبر دير الربّان هرمز الذي بقي ثابتًا وتحدى عشرات النكبات التي مرت عليه، أحد الآثار الشامخة المطلة على سهل نينوى المليء بالعشرات من المواقع الأثرية التي لا تزال أغلبها شاخصة.
🕍 تاريخ الدير وأصوله
يعود هذا الصرح بتاريخه ـ حسب العشرات من المصادر ـ إلى أنه كان من الصوامع وأماكن العبادة الوثنية.
وهناك العديد من الآراء حول هذا الموضوع؛ فمن رأي يقول إنه كان معبدًا وثنيًا وزرادشتيًا، وآخر يقول إنه كان معبدًا لصنم آشوري تُقام له مراسم سنوية في نينوى الآشورية في القرن السابع قبل الميلاد.
ومن رأي آخر يقول إن الدير كان موجودًا قبل الميلاد بسبعمئة عام، حيث كان موطن النبي ناحوم الذي جاء ذكره في الكتاب المقدس، والذي تنبأ بخراب الموصل.
ويقال إن موقع الصوامع التي تقع بالقرب من موقع الدير الحالي جاء ذكره في قصص سَبي اليهود الذي حدث على يد القائد الآشوري تِغلات بلاصر الخامس (727 – 722 ق.م).
🌲 موقع الدير وطبيعته
تحيط بالدير من جهاته الثلاث القمم العالية، وفي عمق الوادي أشجار خضراء صيفًا وشتاءً، ويكثر بالقرب منه نبات عرق السوس.
قال الكاتب الفرنسي الشهير الأب مارتان:
«إن بنيان دير الربّان هرمز المدهش وموقعه الجذاب يجعلان هذا الأثر المجيد لا مثيل له في الغرب ولا شبيه له في الشرق».
🕊️ الرموز والبناء
يعلو بوابة الدير صورة حمامة من الجهة اليمنى، وثعبان يتدلى من الجهة اليسرى، دلالة على الحكمة والنقاء.
يعود تاريخ بناء الدير إلى يد الربّان هرمز الفارسي الأصل من مدينة لاياط في بلاد الأحواز.
وترجع قصة بنائه إلى عهد البطريرك إيشوعياب الذي عاصر الخليفة أبا بكر وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما).
وقد مرض ابن حاكم الموصل عقبة بن فرقد سنة 642 ميلادية بمرض عضال، فأوصاه الناس بإيصاله إلى الربّان هرمز، الذي كان ناسكًا في إحدى الصوامع بالقرب من موقع الدير الحالي.
وعندما وصلوا البلدة كان ابنه قد فارق الحياة، لكن الربّان طمأنهم، وبعد صلاة طويلة أُعيدَ إليه الحياة بإذن الله تعالى.
فأقام الحاكم فرحًا عظيمًا شارك فيه المسيحيون والمسلمون معًا. ومنذ ذلك الحين حظي الربّان بمكانة عظيمة لدى الحاكم، الذي أمَرَ بمساعدته في بناء الدير، فخصص له سبعة أوزان من الفضة وأراضٍ وأملاكًا كثيرة.
🔔 أثر الدير وأهميته
ما يزال في الموقع آثار عين الماء التي اشتهر بها الدير، وكانت تُسمى عين القديس، وكذلك البرج الذي يعلوه الناقوس الذي كانت دقاته تُسمع في جميع أرجاء المنطقة.
ويقدس الدير جميع أبناء المنطقة؛ فإلى جانب المسيحيين يزوره الإيزدية والمسلمون للتبرك وطلب الشفاء.
ويُحتفل سنويًا في شهر نيسان بذكرى الربّان، حيث تُشعل الشموع طلبًا للشفاعة والبركة.
وهي الآن تشهد حملة كبيرة لإعمارها وترميمها.
🔥 النكبات التي مر بها الدير
تُشتهر الدير بأنها تعرضت لعدة نكبات أدت إلى تدميرها وإحراق مخطوطاتها النادرة.
ومن أشد الحملات التي تُعُرِّضَتْ لها حملة الشاه طهماسب ونادر شاه وتيمور لنك، ثم إحراقها من قبل أمير رواندوز محمد كوره في القرن التاسع عشر، ومن بعده حملة إسماعيل باشا حاكم عمادية.
🙏 الروحانية والحياة في الدير
يتناقل الناس في المنطقة القريبة من هذا الدير العديد من الأحاديث والحكايات النادرة، لكن ما يميزها دوماً هو أن هذا الدير تتجسد فيه حياة الخلوة والتقشف والمشقة والخشونة، وكذلك أنه كان ملجأً لعلاج المرضى، حيث كان يُشفَى المجانين بعد أن يحرضهم الربّان على التوبة وعبادة الله.
اكتسب الربّان هرمز شهرة كبيرة في هذا الدير، فكان محل ازدراء الرهبان في الأديرة القريبة، وخاصة دير بسقين، حيث حاولوا الإيقاع به لدى حاكم الموصل، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل.
مات هرمز في هذا الدير عن عمر ناهز أربعةً وتسعين عامًا، واكتسبت القوش شهرة من هذا الدير، فرغم المعروف عنها بأنها موطن النبي ناحوم، فإن وجود الدير في الجبل الذي يطل على البلدة أضفى عليها شهرة أخرى.
⛪ استمرارية الحياة في الدير
استمرت الحياة في هذا الدير أحد عشر قرنًا بلا انقطاع.
يشعر الزائر إلى هذا الدير بأنه يصل إلى عالم آخر مليء بالرهبة، وصرح فائق الجمال.
فإلى جانبي الدير هناك الصوامع الكثيرة وبقايا رحى كانت تُدار لطحن الحبوب عن طريق الدواب، بينما الصوامع كانت ترتبط مع بعضها بطرق خفية غير ظاهرة للعيان.
وكل من أراد أن يسكن هناك كان يحفر صومعته في الصخر، ويقال إن البعض منهم استمر لأكثر من عشر سنوات، أما الفترة التي قضاها الربّان هرمز في بناء الدير فيقال إنها استمرت اثنتين وعشرين سنة.
🙏 نبذة عن حياة الربّان هرمِز
وُلِدَ الربّان هرمِز، مؤسِّس الرهبانيّة الأنطونيّة الهرمِزيّة الكلدانيّة، في بيت لافاط (شيراز) من مقاطعة الأهواز في أواخر القرن السادس الميلادي، من أبوين مؤمنين هما يوسف وتقلا.
دخل المدرسة في مدينته وهو في الثانية عشرة من عمره، وتلقّى مبادئ العلوم الدينية واللغوية، ونبغ في علوم الكتاب المقدس التي كانت تستهويه.
وفي العشرين من عمره شعر برغبة قوية في الانقطاع إلى حياة التنسك والزهد، فعزم أولًا على زيارة الأماكن المقدسة، فترك ذويه ورحل صوب فلسطين، وبعدها بفترة ذهب إلى دير برعيتا (ديرًا برعدة) الذي كان يضم نحو مئتي راهب.
🌄 حياة النسك والخلوة
ثم ترك هذا الدير وعاش في خلوة صارمة، وأقام في مكان منفرد في كوخ جبلي منقطعًا إلى الصوم والصلاة والتأمل والتقشف.
والتقى يومًا راهبًا اسمه إبراهيم، أصله من دير عابي.
وبسبب جفاف النبع الذي كان قريبًا من صوامعهم، سار الربّان هرمِز والربّان إبراهيم إلى موضع في جبل بيت عذري شرقي قرية القوش، وأقاما بجوار كهف فيه ينبوع ماء يتحلب من الصخور، وقد عُرف هذا النبع فيما بعد باسم عين القديس (عينا دقديشا).
واتخذ كلٌّ منهما مغارة بجوار العين، غير أن إبراهيم لم يمكث هناك سوى ثلاثة أيام، انتقل بعدها إلى شمال شرقي باطانيا حيث ابتنى له ديرًا هو الدير المعروف اليوم بـ دير مار أوراهـا.
🏗️ نشأة دير الربّان هرمِز
يُروى أن خمسين شخصًا من مدرسة إيثالاها في منطقة نوهدرا (دهوك الحالية) قصدوا الربّان هرمِز وانضمّوا إليه ليعيشوا حياة نسك جماعية. وسرعان ما بنوا لهم كنيسة، فكانت تلك نشأة دير الربّان هرمِز، وقد ساعد في تشييده أهالي القرى المجاورة، ومنهم رجل ثري من قرية باقوفا يُدعى خداوي شوبحي.
توسّع الدير سريعًا، وبلغ عدد الرهبان فيه في فترة قصيرة نحو مئةٍ وعشرة رهبان. ويمكن اعتبار فترة تأسيس الدير بين 628 – 647م، أي في عهد الجاثليق إيشوعياب الثاني الجدالي.
🕊️ نهاية حياة الربّان
بعد حياة طاهرة وعفيفة مقدسة، تُوفِّي الربّان هرمِز عن عمر ناهز السبع والثمانين سنة. قضى منها عشرين سنة في البيت والمدرسة، وتسعًا وثلاثين سنة في دير الربّان برعيتا، وستًّا في دير الرأس، واثنتين وعشرين سنة في ديره الحالي.
ودُفن في كنيسة الدير بإجلال عظيم، ولا يزال قبره قائمًا حتى اليوم في قبر الشهداء أو القديسين.
🔥 النكبات التي مرّ بها الدير
عانى الدير في القرون الرابع عشر والخامس عشر والنصف الأول من السادس عشر من محن ومصائب كثيرة؛ إذ كانت تلك فترات غزو وسلب ودمار وقتل.
وقد اشتهر الدير بأنه شهد العديد من النكبات التي كانت سببًا في تدميره وإحراق مخطوطاته النادرة.
ومن أبرز تلك الحملات:
- هجمة تيمور لنك على بغداد والموصل سنة 1393م ثم 1401م، فَتَفَرَّقَ الرهبان بعد أن أصاب النهب والخراب ديرهم، ثم عادوا إليه بعد أن هَدَأَت الأوضاع نسبيًا.
- هجمة برياك بيك المغولي سنة 1508م، حيث تشتّت شمل الرهبان وتعرّض الدير للدمار.
- هجوم يونس آغا سنة 1727م، فهجر الرهبان ديرهم إلى كنيسة مار ميخا في القوش.
- حملة نادر شاه طهماسب الإيراني التي اكتسحت القرى والأديرة، فأصاب الدمار والخراب الدير، وبقي خاليًا قرابة خمسٍ وستين سنة، حتى جدّده الأنبا جبرائيل دنبو سنة 1808م.
📜 أهم الأحداث التاريخية في الدير
- عام 1552م: اختير الراهب يوحنان سولاقا بلو، رئيس الدير، مرشّحًا للبطريركية، وتم تثبيته في روما في 20 شباط 1553م، وكان في زمانه نحو سبعين راهبًا.
- عام 1587م: زار وفد البابا غريغوريوس الثالث عشر الدير، فوجد بطريركًا اسمه إيليا مقيمًا فيه.
- عام 1606م: أُشير في تقرير مرفوع إلى روما إلى أن بطريرك كنيسة المشرق كان مقيمًا في الدير، وأن فيه قرابة مئتي راهب.
- عام 1666م: تهدم سور الدير بسبب زلزال.
🌅 معجزة الربّان هرمِز مع ابن حاكم الموصل
إذا زرت دير الربّان هرمِز اليوم، سترى في مقدمته صورة تُظهر حمامةً من الجهة اليمنى دلالةً على النقاء، ويظهر نور الله نازلًا من السماء على طفل يقف إلى جانبه الربّان هرمِز. وتحكي الصورة قصة حدثت سنة 642 ميلادية، حين مرض ابن حاكم الموصل عقبة بن فرقد بمرض عضال. فأوصى الناس بإيصاله إلى الربّان هرمِز، الذي كان ناسكًا في إحدى الصوامع القريبة من موقع الدير الحالي في جبل القوش أو جبال باعدري. وعندما وصلوا البلدة كان الابن قد فارق الحياة، لكن الناس أصرّوا على حمله إلى الربّان.
وعندما دخلوا الوادي طمأنهم الربّان، وبعد صلاة طويلة أُعيدَ إلى الحياة بإذن الله تعالى. فأقام الحاكم فرحًا عظيمًا شارك فيه جميع سكان المنطقة من مسلمين ومسيحيين معًا.
ومنذ ذلك الحين اكتسب الربّان مكانة عظيمة لدى الحاكم، الذي أمَرَ بمساعدته في بناء الدير، فخصّص له سبعة أوزان من الفضة، وأوقف له رُحىً كثيرة وأملاكًا وأراضي.