الولادة: –
الوفاة: 1823
باسيليوس عرقتنجيّ (١٨١٦-١٨٢٣) هو جبرائيل بن نعمة اﷲ عرقتنجيّ الحلبّيّ الأصل. دخلَ الرهبانّيّة الشويرّيّة سنة ١٧٨٨ ودُعِيَ فيها باسيليوس. تقلَّبَ في مناصبها، فانتُخِبَ مدبّرًا رابعًا سنة ١٨٠٨، ثُمَّ مدبّرًا ثانيًا سنة ١٨١١، ثُمَّ رئيسًا عامًا سنة ١٨١٤.
✝️ تعيينه مطراًنًا على حلب
بعد إبطال انتخاب مكسيموس مظلوم مطرانًا على حلب، اعتُبِرَ أنّ تعيين خلفه أصبح من اختصاص الكرسّيّ الرسولّيّ. لذلك عُيِّن الخوري باسيليوس عرقتنجيّ مطرانًا على حلب ببراءة البابا بيوس السابع في ٣ حزيران ١٨١٦. وأُعلِنَ فيها بطلان انتخاب مظلوم، واعتُبِرَت الأبرشّيّة في حالة شغور منذ وفاة المطران جرمانوس آدم. وكُلِّفَ المطران الجديد بتصحيح الأوضاع التي سبّبها عهد مظلوم، كالزواجات الباطلة وأحوال الكهنة الدخلاء.
نال باسيليوس الرسامة الأسقفّيّة في ١٦ تشرين الأّوّل ١٨١٦ من يد البطريرك أغناطيوس الخامس قّطّان. وفي اليوم نفسه، كَتَبَ البطريرك إلى النائب الأسقفّيّ العام بحلب جبرائيل مراش، مبيّنًا موقفه من الضرائب. وفي ١٧ تشرين الأّوّل ١٨١٦ أرسل المطران الجديد أوّل رسائله إلى إكليروس حلب، داعيًا إلى مطالعة ِعِلم الذّمّة، وعقد اجتماع أسبوعّيّ، ونشر الأخوّيّات والتعليم المسيحّيّ، وخَتَمَ بختمه الرهبانّيّ القديم، كما عيَّن جبرائيل مراش نائبًا أسقفيا عنه لمّدّة سنة.
🗳️ تدبيره أمور أبرشّيّته الحلبّيّة انطلاًقًا من لبنان
منذ أن عُيِّنَ باسيليوس عرقتنجيّ مطرانًا على حلب لم يطأ أرض أبرشيّته، بل أدارها من لبنان. وكانت إدارته رتيبة من غير مبادرات جديدة. ففي كانون الثّانّي ١٨١٧ حَدَّدَ أربع عشرة قضيّة أُحيلَت للنائب العام، منها السحر، وفتح رسائل المطران، والتجارة للكهنة. وفي الشهر نفسه أصدر منشورًا راعوِيًّا عُيِّنَت فيه تعرفة القداديس والاقتطاعات للفقراء ولمعلّم الاعتراف.
وفي السنة نفسها قَدِمَ إلى حلب النائب الرسولّيّ لويس غندلفّيّ، فنُزِلَ ضيفًا مكرّمًا، واستقبله الوزير خورشيد باشا بحفاوة.
ويُذكَرُ عهد باسيليوس خصوصًا باضطهاد سنة ١٨١٨، حيث استُشهِدَ أحد عشر مؤمنًا كاثوليكيًّا، وهو حدث أليم عمَّق الانقسام بين أبناء طائفة الروم، قبل أن تسود لاحقًا المحبّة الأخوِيّة والاحترام المتبادل.
🕊️ خلفّيّة الأحداث
في مطلع القرن التاسع عشر كانت طائفة الروم في حلب منقسمة إلى كاثوليك (الأكثرية) وأرثوذكس (الأقلية). وكان راعي الكاثوليك متغيّبًا في لبنان، بينما الأسقف الأرثوذكسي جراسيموس التركماني، يونانيّ الجنسيّة، هو الوحيد المعترف به من الدولة العثمانيّة. فاستُخدِمَ نفوذه لفرض سلطته على الكاثوليك.
في شباط ١٨١٨ صدر خَطّ شريف أُعلِنَ فيه أنّ جميع أبناء الروم، كاثوليكًا وأرثوذكس، يجب أن يتبعوا جراسيموس، وأن يُمنع الكهنة الكاثوليك والمرسلون الأجانب من الخدمة. فاحتجّ أعيان الكاثوليك لدى الوالي خورشيد باشا، وحصلوا على وعد بعدم تنفيذ هذه الأوامر. لكن الأسقف أقنع الوالي لاحقًا، فنُفِيَ أربعة عشر كاهنًا كاثوليكيًّا إلى لبنان.
وفي نيسان ١٨١٨ دعا جراسيموس الكاثوليك إلى القلاّية، فاجتمع نحو أربعة آلاف منهم ورفضوا سلطته. فاستُدعِيَ الوالي وقاضي الشرع، واتُّهِمَ الكاثوليك بالعصيان. وحين رفض ممثّلوهم الاعتراف بالمطران، هجم الجند وأُعدِمَ ثمانية بقطع الرؤوس، ثم لحقوا بالهاربين فقُتِلَ ثلاثة آخرون. فبلغ عدد الشهداء أحد عشر: تسعة من الروم الكاثوليك، وواحد من السريان الكاثوليك، وواحد من الموارنة. كما سُجِنَ نحو خمسمئة، ووُضِعَت الأختام على بيوت الشهداء والمساجين.
وبذلك غدا اضطهاد سنة ١٨١٨ محطة دامية في تاريخ كاثوليك حلب.
⚔️ التغّلّب على الأزمة
في ١٧ نيسان ١٨١٨ أُطلِقَ سراح جميع المساجين ما عدا الكاثوليك (نحو ٥٠٠)، لكن بعد أن قدّم وجهاء الطائفة طاعتهم للأسقف جراسيموس أُفرِجَ عنهم. أمّا الشهداء فبَقِيَت جثثهم ثلاثة أيام قبل أن تُدفَنَ مقابل غرامة، ودُرِجَت أسماؤهم في السنكسار الكنسيّ كشهداء. ودفع الكاثوليك مبالغ كبيرة لفكّ الأختام عن بيوت الضحايا واستمالة الوالي، الذي اضطرّ لاحقًا للتراجع تدريجيًّا عن موقفه.
صدر أمر بأن تُرفَعَ المنازعات الدينيّة إلى القاضي، ما سمح للكاثوليك بالامتناع عن الصلاة مع جراسيموس، لكنهم مُنِعوا من ارتياد كنائس الطوائف الكاثوليكيّة الأخرى، وفُرِضَت عقوبات صارمة على المخالفين. ومع ذلك، بدأت الدول الكاثوليكيّة، وخصوصًا النمسا وفرنسا، مساعيها للدفاع عن الكاثوليك، وأوكلت المهمّة إلى المطران مكسيموس مظلوم الذي قابل الإمبراطور النمساوي سنة ١٨١٨، فنال منه تعاطفًا ووعدًا بالدعم.
وبفضل هذه الجهود، تحسَّن وضع الكاثوليك منذ مطلع ١٨١٩. فتعُيِّنَ نعّوم غضبان وكيًلا للطائفة، وبسعيه طُرِدَ جراسيموس من حضرة الوالي. وفي شباط ١٨١٩ سُمِحَ للكاثوليك بالصلاة في كنائس السريان والموارنة، وشاركوا في قدّاسات علنيّة حضرها أيضًا الوالي بنفسه. وفي آذار ١٨١٩ أُجبِرَ المطران جراسيموس على مغادرة حلب إلى القدس، ثم صدرت أوامر من الأستانة بنفيه نهائيًّا وإرجاع الكهنة الكاثوليك من منفاهم في لبنان.
📜 تقييم الأزمة ونتائجها
في بداية عهده هادن المطران جراسيموس الكاثوليك، وسمح لهم باستعمال كنيسته، لكن بعض “الأروام” اشتكوه إلى البطريرك القسطنطينيّ، فوُبِّخَ وهدِّدَ بالعقوبات إن لم يضع حدًّا “لانشقاقهم”. وقد لعب أبناء “الأروام” في حلب والأستانة الدور الأكبر، إذ اعتبروا الكاثوليك فئة منشقّة متمرّدة متفرنجة، وسعوا بكلّ وسيلة لإرجاعها إلى الأرثوذكسيّة، حتى بالاستعانة بعنف السلطة العثمانيّة.
تصاعد التوتّر: المطران يشتكي، الشعب يتمرّد، الوالي يردّ بوحشيّة، ثم تتراجع الأمور بتدخّل الدول الكاثوليكيّة والأموال، فيهادن الوالي الكاثوليك بل يدافع عنهم. لكنّ النتيجة كانت قاسية: نُفِيَ الكهنة إلى لبنان ولم يعودوا قبل ١٨٢٥، وتشتّت الكاثوليك مهاجرين إلى ليفورنو ومرسيليا، فيما استولى الأرثوذكس نهائيًّا على الكنيسة والمطرانيّة والأوقاف والمكتبة، ولم يتحرّر الكاثوليك إلاّ سنة ١٨٣١.
في تلك المحنة أبدى الموارنة بحلب محبّة وتعاطفًا، واحتضنوا الكاثوليك وتحملوا الاضطهاد والغرامات عنهم. وزادت المآسي مع زلزلة ١٨٢٢ التي دمّرت ربع المدينة، وتعرّض الموارنة إثرها للظلم ومصادرة أموال كنيستهم رغم عدم تعميرهم شيئًا.
🕯️ سنواته الأخيرة ووفاته
بقي المطران باسيليوس عرقتنجّيّ في لبنان طوال الأحداث، فلم يطأ حلب يومًا. فقد كتب رسائل إلى البابا والمجمع المقدّس بين ١٨١٨ و١٨٢١، يَسرد فيها اضطهاد الكاثوليك ويطلب المساعدة الماليّة وإدراج أسماء الشهداء الأحد عشر في عداد القدّيسين.
وفي ٢٥ أيار ١٨٢٣ حرَّر وصيّته في دير الملاك ميخائيل بالزوق، طالبًا أن يُدفَن بجانب أسلافه، وتوفِّيَ بعد أيام في ٢٩ أيار ١٨٢٣ ودُفِنَ في كنيسة الدير.
لم يَعُد الكهنة المنفيّون إلى حلب إلّا في أوائل ١٨٢٥، وظلّ الكرسيّ شاغرًا حتى تعيين مدبّر رسوليّ هو المطران أغناطيوس عجورّيّ في ٩ حزيران ١٨٢٦. وعند عودة الكهنة سنة ١٨٢٥ وُقِّعَت وثيقة تعهّدوا فيها بالاتحاد، والاقتصار على القدّاس في الكنائس، مع استثناء المرضى، ومنع الاعترافات في البيوت، وقد ثُبِّتَ الاتفاق من البطريرك أغناطيوس قّطّان.
نقلاً عن كتاب “أساقفة الروم الملكيين بحلب في العصر الحديث”، مع بعض التصرف.
موسوعة قنّشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت