الولادة: 551
الوفاة: 628
يُعد باباي أحد لاهوتيي كنيسة المشرق العظام في القرن السادس ـ السابع، لأسهامه الكبير في بلورة لاهوتها وبخاصة مسيحانيتها Christology وتطورها. فقد ثبت مصطلحاتها اللاهوتية بطريقة منهجية، وعرض عقيدتها بأسلوب مفهوم ومقبول. كما له إسهامات جادّة في الأدب النسكي والنُظُم الديرية.
وُلد باباي عام551 في قرية بيث عيناثا من إقليم بيث زبدي. وتلقى علومه العالية في الطب ثم في الفلسفة واللاهوت في جامعة نصيبين وعلى ملفانها ورئيسها إبراهيم الربان (رئيسها527 ـ 569 ).
ثم استهوته الحياة الديرية فقصد جبل ايزلا ((اثوس المشرقيين)) وترهب في الدير الذي أسسه إبراهيم الكشكري عام571. وبعد فترة غادره إلى موطنه حيث أسس ديراً وألحق به مدرسة. غير أنه سرعان ما استُدعي إلى الدير الأم ليرئسه ويكون بالتالي الثالث في تسلسل رؤسائه. وراح يعزّز الحياة الديرية ويطبق النظام الرهباني بصرامة، يصفه توما المرجي بأنه: ((كان ذا طبع حاد، وكلام عنيف، وأمر صارم شيئاً ما )). وعندما شغر الكرسي البطريركي بوفاة غريغوريوس الأول عام609 عيّنه مجلس الأساقفة نائبا عاما على الأديار بينما أدار الشؤون الكنسية الأخرى الاركذياقون آبا. وظل باباي في هذا المنصب إلى وفاته عام628، وانتخاب بطريرك جديد في شخص ايشوعيات الثاني الجدالي (628 ـ 646 ).
لقد شهدت هذه الفترة حركة نشطة لتأسيس أديار عديدة في الأقاليم الشمالية وانخرط فيها عددٌ كبير من الشبّان ومن المتبقّين من جماعة العهد أي المكرسين العاملين في العالم وفي العمل الراعوي، وكان لباباي دور كبير في توجيه وتنظيم هذه الأديار وملاحقة الفوضويين لاسيما المصلّين ((الغلاة)) وتلاميذه حنانا ((اللاهوت التوفيقي)). وفي حوزتنا شهادة تقييم لشخصه وعمله في كتاب التعزية الذي أرسله ايشوعيات (الثالث ) الحديابي، الذي كان آنذاك أسقفاً لنينوى، إلى رئيس دير ايزلا ورهبانه، يذكرهم فيه بمثال رئيسهم الراحل وصفاته وقداسته وعمله الدؤوب، ويحثّهم على الاقتداء به كأولاد صادقين.
أمّا ما ينسبه إليه التاريخ السعردي من أعمال ومعجزات، فهو أقرب إلى الأسطورة منه إلى الحقيقة.
تآليفه :
إلى جانب مسؤولياته المتعددة، استطاع باباي أن يجد الوقت الكافي لكتابات متنوعة وكثيرة وبكفاءة علمية عالية. يقول عنه المرجي: ((لقد ترك في الكنيسة المقدسة أربعة وثمانين مجلداً قي شتى المواضي، ولا تزال تحافظ عليها باجلال)).
أما عبد يشوع الصوباوي، فيذكر ثلاثة وثمانين عنواناً، والتاريخ السعردي يعدد ستة عشر عنواناً منها.
ولقد ضاع معظم هذه التآليف، وما وصل إلينا هو :
أ – اللاهوت :
1-كتاب ((الاتحاد)) وعنوانه الكامل : ((ميامر مار باباي في الألوهية والبشرية والشخص الواحد))، إنه كتاب منهجي حول ((لاهوت المسيح)) مقسّم إلى سبعة ميامر وكل ميمر إلى فصول: الأول يتناول الثالوث وسمّوه، والثاني تجسدّ الكلمة، والثالث طبيعة الإتحاد، والرابع والخامس الطبيعتين في المسيح، والسادس القاب المسيح، ويشرح المصطلحات المسيحانية مثل اتخذ، لبس …، والسابع يردّ فيه على ناكري تجسّد الله الكلمة … بعض أوراقه قد تلفت وقام بنشره وترجمته إلى اللاتينية VASCHALDE , CSCO 79 .
2- النص الفاتيكاني Tractatus Vaticanus
هو ميمر أقرب منه إلى كتاب، يرد فيه على القائلين إن كلمة الله والإنسان أقنوم واحد، مثلما الجسد والنفس أقنوم واحد. ويتكلم عن استحالة الأقنوم الواحد في المسيح، والاتحاد الطبيعي عكس إمكانية الشخص الواحد، نشره فشالدي كملحق لكتاب ((الأتحاد)) النص 293 _307 والترجمة235 _247 .
3-النص الصغير A Small Extract، يبحث استحالة وجود كيانين أي طبيعتين من دون وجود أقنومين. نشرته لويزيه ابراموفيسكي والن غولدمان ضمن المجموعة المسيحانية النسطورية A Nestorian Collection of Christological هذه المؤلفات الثلاثة تعالج موضوع لاهوت المسيح بأسلوب تقني بسيط من أجل أن يفهمه القارئ أو السامع في القرن السابع، ويصونه من الضياع في مذاهب منتشرة هنا وهناك .
ب _ النسكيات :
1-تفسير أقوال ((مئويات)) افاغريوس البنطي. يقوم باباي في هذا الكتاب بإيراد النص المترجم إلى السريانية وشرحه. إنه كتاب غنوصي عرف رواجاً كبيراً، ينسب إلى أفاغريوس البنطي المتوفى عام 399 نشره في باريس GUILAUMONT , in PO , 28 , 1
2-تفسير النظام الروحي لمرقس الناسك، درسه المستشرق KRUGER ولم يتمكن من نشره بسبب صعوبة قراءة النص وتلف عدة أوراق المخطوط .
3-قوانين للرهبان، وصلت إلينا هذه القوانين في ترجمة عربية ونشرت في مجموعة ابن الطيب ((فقه النصرانية )) كما نشرها ارثر فوبس .
4-نصائح مفيدة للحياة النسكية. فيه يقيم باباي مقارنة بين الشيطان الذي اتخذ شكل الحية وأغوى الإنسان، وكلمة الله الذي اتخذ شكل إنسان (يسوع)، وخلص الإنسان، ترجم هذه النصائح إلى الإنكليزية الأب P . PODIPARA
جـ التراجم :
1-حياة الشهيد كوركيس. كتب باباي حياة تلميذه كوركيس الراهب الذي اشترك في مناظرة لاهوتية في بلاط كسرى الثاني عام612، واسمه الأصلي مهركوشناسب، ولد عام 576 في حضن الأسرة المالكة، وتنصر عام596 وعمره عشرون عاماً وترهب في جبل ايزلا في حين ترهبت أخته مريم في دير بقرب نصيبين. قبض عليه الشاهنشاه وقتله عام615 بسبب تركه دينه المجوسي، وعدّته الكنيسة أحد شهدائها الكبار، وفي تقديري أن معظم الكنائس التي تحمل اسم كوركيس في بلادنا هي إنما على إسم هذا الراهب الشهيد وليس جاورجيوس الفارس من القرن الرابع .
2-إستشهاد كريستينا :هذه الفتاة كانت وثنية واعتنقت المسيحية، واستشهدت في سبيل إيمانها. بعض الأوراق ضاعت، نشر الأب بولس بيجان سيرتها ضمن سير الشهداء والقديسين مجلد 4 ،باريس 1894 ص 207 _210 .
د _لباباي بعض تآليف طقسية، وصل إلينا منها على شكل ترانيم، ومواضيعها عقائدية :
1-بريخ حنانا ((تبارك الحنان))، تسبحة تُرتل في صلاة الصبح في البشارة والميلاد(حوذرا جزء أول
57 _58 ).
2-تسبحة تُقال في عيد الدنح، تمتدح الملافنة اليونان :ديودورس، ثيودورس ونسطوريوس .
3-تسبحة شوحا لأخ آلاها ((سبحانك يا الله))، تُرتل في أيام الصوم الكبير (حوذرا جزء ثان75 _76)
4-أما تسبحة ((أوون دوشمياً _أبانا السماوي )) التي تُرتل في أيام الصوم (حوذرا2 ص116 ) فنُسبت إليه خطأ، إذ هي من تآليف ايشوعيات الجدالي .
لاهوته :
يعكس لاهوت باباي الكبير، لاهوت كنيسة المشرق الذي هو امتداد اللاهوت الكتابي والتقليد المتداول فيها والمثبت من قبل مجامعها. ودور باباي يرتكز حقيقة مع معاصريه ايشوعياب الجدالي والحديابي بطريركان فيما بعد) في بلورة المسيحانية بنهج فلسفي منطقي. نهج متأثّر بالآباء القبدوقيين لاسيّما غريغوريوس النازينزي وبلاهوتّيي مدرسة انطاكية: ثيودورس أسقف مصيصة ونسطوريوس بخاصة ((كتاب هيرقليدس)). براهينه مستمدة من الوحي الكتابي وآباء الكنيسة وطقوسها .
1-التدبير
دبّر تدبيراً يعني الإقتصاد، أي تدبير البيت وفق نظام معيّن يكفل الرفاه والسعادة للأسرة. ولفظةEconomy، يونانية الأصل، تتألف من Oikos أي البيت وNomos أي نظام، قواعد. وفي اللاهوت للتدبير مذبرانوثا)) معنى خاص، إنه يرادف تجسّد كلمة الله في المسيح الذي بواسطته يدبّر الله خلاص أبنائه البشر منذ الخليقة وإلى آخر الزمن، فالمسيح يخلق صلة بيننا وبين الله، وبين بعضنا البعض ((اخوة وأخوات)) وتغيرنا وتغيير العالم، ويقيم بالتالي شركة وشراكة عمودياً مع الثالوث، وافقيا مع بعضنا البعض. ويسميّه باباي ((التدبير العجيب))كما يسمّي شخص المسيح نفسه ((شخص التدبير)):ولربما بتأثير كلمة (دبر)العبرية التي تعني الكلمة، يقول باباي: ((إن التدبير الإلهي هذا تمّ بفضل ربّنا يسوع المسيح رأس حياتنا ))(الاتحاد 27/20 ). و((في شخص الابن تم كل تدبير حياتنا وخلاصنا ))(الاتحاد 40/29 ). وفي الفصل الخامس يشرح بالتفصيل تجلّيات الله في ((العهد القديم))، ويأتي في ((العهد الجديد)) تجلّيه كاملاً في المسيح من أجل خلاص البشر .
2-الله واحد وثالوث
أ _الله واحد أحد
لما يتكلّم باباي عن الله، ينطلق من علاقته بالإنسان _التدبير _وكشفه له ذاته من خلال الكتاب المقدس. وله هاجس مثل بقية الآباء المشرقيين أمام سر الله الذي لا يُدرك، فيحذر من البحث والغوص في أعماق وجوده، ويحّث على قبول سرّه بإيمان واستسلام الأبناء : ((من يتجّرأ ويتكلم خارج الإيمان ..من يتجرأ أن يُلقي بنفسه إلى الأعماق التي لا تُدرك حتى يفحص ويبحث )) (الاتحاد3/2 ((إني لا أبشّر بإيمان آخر غير الإيمان الذي أعلنه الرب والرسل ))(الاتحاد4/3 )، ((إن سر الله يتعدّى إدراك الإنسان، ويجب قبوله عن طريق الإيمان ))(الاتحاد7/6 )، ((نكتشف الله ونلج إلى سرّه من خلال الصلاة والتضرّع ونقاوة القلب ))(الاتحاد7/6 )وكل الفصل الأول يدور حول أهمية الإيمان ودوره في اللاهوت .
أمّا في شرحه الأونطولوجي، فيستعمل باباي لفظتين فلسفيتين ((ايثيا وايثوثا ))، الأولى تحمل فكرة الوجود والثانية تشير إلى طبيعة هذا الوجود، ويسمّي الله الكائن ((ايثيا)) وهو واجب الوجود ((ايثوثا)). كذلك يستعمل عبارة ((اثيا دايثاو))، ((إنه الكائن الأزلي والحقيقي الذي لا يموت )) (الاتحاد 10/8 )، و((هو خالق كل الأشياء، وعلّة وجودها ومحركّها والمعتني بها، وإن شاء يعيدها إلى العدم ))(الاتحاد12/10 ). يعتبر لفظة ((آلاها _إي الله )) اسمه الخاص الدال على جوهره وأحادّيته (الاتحاد16/13 ). إلى جانب هذا الاسم السامي، يعطيه ألقاباً أخرى: النور والروح والحياة والجوهر الكامل والرب والملك والديّان والقادر والحكيم (الاتحاد18/14 ).
وفي نظره بإمكان الإنسان الإعتيادي العاقل معرفة الله من خلال أعماله وخلائقه التي تُظهر عظمته وقدرته وحكمته (الاتحاد25/19 ). ويُعرف هذا الأسلوب في الفلسفة بالسببية.وإليك، أيها القارئ اللبيب، تعريفه الفلسفي لله: ((إن الله هو خالق وعلّة كل الخيرات، وهو وحده الكائن الأزلي، وهو منذ الأزل وهو سبب وجود كل الخلائق، وهو فوق الزمن ولا يتغير ويفوق الكائنات المنظورات وغير المنظورات، وغير مركّب ولا يقسم إلى أجزاء ولا يموت ..))(الاتحاد11/8 ).
ب _الله ثالوث :
بخصوص الثالوث، يذكر باباي رموزاً له في ((العهد القديم)) على سبيل المثال نون الجمع في ((لنخلق الإنسان على شبهنا ومثالنا ))(تكوين1/26 ). إلا أن الكشف الحقيقي تم في ((العهد الجديد))(الاتحاد 42/34 )حيث تجلّى في البشارة إلى مريم، وفي عماد يسوع وكرازته وقيامته وحلول الروح القدس على التلاميذ، وذهابهم إلى التبشير وتعميد الراغبين باسم الآب والابن والروح القدس (الاتحاد28/23 ).
ويشرح طبيعة الثالوث : ((ثلاثة أقانيم بجوهر واحد. إن الأقنوم يميّز الآب والابن والروح عن بعضهم أي الأبّوة والبنوة الروحانية. وعندما نقول الثالوث، لا نعدّ واحدا، اثنين، ثلاثة، إنه واحد، واحد، واحد، ثالوث واحد، إله واحد، خالق كل شيء ))(الاتحاد34/28 ). ((والأقانيم الثلاثة متّحدة أبدا، الأبّوة هي غير البنوة والروح هو في الآب والابن وينبثق منهما ))(الاتحاد34/28 ). ولكنه يرجع فيؤكد التقليد الشرقي السائد بأن الروح ((ينبثق من الآب… ولا يوجد روح آخر ينبثق إلا من الآب)) (الاتحاد30/22 ). وهنا تجدر الإشارة إلى أن معنى الأقنوم في الثالوث غير معناه في المسيحانية. ولشرح الوحدة والتعددية في الثالوث، يستعمل أسلوب الجناس، أي يستخلص من أمثلة ملموسة شبهاً لحقيقة فائقة كمثل الشمس: الشعاع والحرارة والقرص، الثلاثة هم شمس واحدة ولكن متميزة، القرص ليس النور والنور ليس الحرارة (الاتحاد30/25 ). ومثل العائلة: آدم وحواء وهابيل، ((إن آدم لم يولد، ولم يكن إبناً، وأنجب هابيل الذي ليس أباً، وحواء جاءت عن طريق الأنبثاق، فهي لم تولد ولم تكن ابنة أو أختاً لأحد ))(الاتحاد32/26 )، ومثل السُرُج الثلاثة التي تنير الغرفة الواحدة ويبقى النور نفسه من ثلاثة مصادر، ولكن نور واحد متساوٍ (الاتحاد 56/40 ). أخيراً يُشدّد على وحدانية الله وثالوثيته قائلا ((ألوهة واحدة في الثالوث، وثالوث واحد في ألوهية واحدة ))(الاتحاد32/26 ). ((إن الآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم أزلية في جوهر واحد غير متناه … بإرادة واحدة وقدرة واحدة وسلطان واحد وسيادة واحدة ))(الاتحاد28/20 ).
2-مسيحانيته :
أ _ التجسد :التمييز والوحدة
بعدما تكلم باباي عن الله الواحد والثالوث، ينتقل إلى فعل الله الخلاصي في التجسد الذي هو ثمرة الثالوث الأقدس وقد أعدّ له الشعب في ((العهد القديم)) من خلال الوعود التي تمت، في ملء الزمن، في الابن (الاتحاد39/32 ). فالآب أرسل الابن، فتأنس أي صار إنساناً. ويستعمل ثلاثة ألفاظ للإشارة إلى فعل التجسد: سرياني، أي صار إنساناً، صار بشرا، صار جسدا. وصورة المسيح عنده صورة كتابية، تتفق مع ما تسلمه من الآباء :ابن واحد هو إنسان كامل، وإله تام وهو بالتالي نموذج لحياتنا الذي نرجو تحقيقه: ((إن يسوع المسيح هو رأس حياتنا ورجاؤنا وإلهنا ))(الاتحاد2/15 )((وربنا وهو معلمنا وسبب حياتنا ))(139/112 ).
إن كل هّم باباي ينصّب على كيفية إمكان أن نفهم ونشرح، بشكل سليم، سر المسيح؟ وكيف نميّز بين الألوهة والبشرية في الشخص الواحد، أي بين كلمة الله (الجانب الانطولوجي) وبين ابن الإنسان (الجانب التاريخي)، كيف نحافظ عليهما سالمتين في الاتحاد ؟
جوابه : ((إن كلمة الله، الأقنوم الثاني من الثالوث، إتحد بالبشرية وأصبح معها شخصاً واحداً :
شخص الابن المتميز عن الآب والروح ))(الاتحاد 39 _40/32 _33 ). إنه يميز بلباقة بين الكلمة الذي يدل على الطبيعة الإلهية (الجانب الانطولوجي) وبين الابن يشير إلى خواص البنوة البشرية (الجانب الواقعي )(النص الفاتيكاني ص300/242 )، إنهما وجهان لحقيقة واحدة. أي شخص المسيح الواحد. يعلم باباي مراراً وتكراراً أن: ((المسيح واحد، والابن واحد. واحد لا يتغير هو نفسه ابن الله العلي، وفي رحم العذراء مريم: ابن الله وابن الإنسان معاً )) (النص الفاتيكاني 300/242 ). إن وجود الأقنوميين لا ينقص حميمية الاتحاد ووحدة الشخص، ولا يكونان مسيحين أو ابنين مختلفين ((المسيح والابن ليسا واحداً وآخر. المسيح هو الابن والابن هو المسيح (الاتحاد162/131 ) وهذا الشخص الواحد يطلق عليه لقب ((الشخص المشترك بين الطبيعتين )): ((سرياني )) (الاتحاد162/131 ). وليس نتيجة ذوبان شخصين طبيعيين (الاتحاد162/131 ). ويسميه أيضاً شخص التدبير ((سرياني )) إذ بواسطته تحقق تدبير خلاص وتجديد كلنا (40/33 ). ويقارن اتحاد الأقنومين في المسيح باتحاد أقانيم الثالوث في جوهر إلهي واحد. ((إن الأقانيم الإلهية الثلاثة في الثالوث هي متحدة تماما وبشكل لا متناهٍ ((سرياني )) (الاتحاد9/10 ) وبنفس الطريقة تُشكل الطبيعتان في المسيح وحدة مطلقة (الاتحاد245/199 ). من دون خلط ولا مزج ولا فصل ولا فساد (الاتحاد14/11 ). ويستخدم مثل الحديد والنار : فالحرارة هي في كل الحديد ولا يمكن فصلها (الاتحاد62/44 ) في حين يرفض مثل الخمر والماء. ويخلص بالنتيجة إلى القول: ((إن الله والإنسان ليسا واحدا ونفس الشيء. والبشرية والألوهية ليستا مرادفين، والآخذ ليس المأخوذ، وهيئة الله ليست هيئة العبد. بينهما فرق وفرق عظيم. لا يوجد خلط بين خواص الطبيعتين المتحدتين. إنهما محفوظتان بخواصهما كاملة في شخص الابن: الكلمة والمولود، الآخذ والمأخوذ، ابن واحد مولود (من الآب) قبل الدهر ومن مريم كابن بكر. هو الرب يسوع المسيح الممجد (الاتحاد70/56 ). إن الأقنوم البشري لا يقوم وحده. إنما قائم في شخص الكلمة أي شخص الابن (الاتحاد159/129 ). لذلك تُنسب كل الأسماء والأفعال إلى الشخص الواحد (الاتحاد172/139 ). وفي الحقيقة يقبل باباي، كما يقبل المشرقيون، ما يسمى في اللاهوت بتبادل الخواص Communicatio Idiomatum بشيء من التمييز.
أما لقب مريم ((أم الله ))فيرفضه كما يرفض أم الإنسان لأن فيهما التباس ويفضل لقب ((أم المسيح))الذي هو إله وإنسان (الاتحاد99/70 )، والأكثر قبولاً وتماشياً مع الكتاب المقدس .
ب _المصطلحات :
يستعمل المشرقيون، في كلامهم عن لاهوت المسيح، ثلاثة ألفاظ تختلف في فحواها عن الخلقيدونيين وعن السريان الأرثوذكس. وهذه الألفاظ _ المفاتيح أسلوب تقني Technical Systemاستخدموه لشرح الثنائية والوحدة. وهي :كيانا، قنوما، فرصوفا .
لقد استعمل باباي هذه المصطلحات ووضّحها (طالع الفصل17 من الاتحاد) ليشرح بها السرّ المسيحاني بطريقة مفهومة ومقبولة، يحافظ بها على الألوهية والبشرية مميزة في وحدة الشخص .
1-سرياني :أي كيان، وهو الطبيعة المجردة التي تحدد العناصر المشتركة بين أفراد النوع الواحد، ويسميها المشرقيون الطبيعة أو الجوهر العام . فعلى سبيل المثال نعّمم كل ما هو مشترك بين أفراد الجنس البشري فنقول الطبيعة البشرية التي لا توجد في الواقع إلا في الفكر . باباي لا يتوقف عند كيانا لأنه واضح .
2-سرياني: أي أقنوم، ما كان مجرّداً يصبح ملموساً في قنوما بحيث يصير طبيعة عينية مفردة ويسميها المشرقيون جوهراً واحداً، أي يجسّد واقعياً جميع الصفات الطبيعية المشتركة. والأقنوم يختلف عن Hyostasis الخلقيدوني الذي يساوي الشخص. يقول باباي معّرفاً الأقنوم: ((الأقنوم هو جوهر فردي قائم بذاته غير قابل للانقسام، وهو واحد عددياً … ويتميز عن الباقي بالخواص التي يمتلكها من فضائل أو رذائل، معرفة أو جهل … الأقنوم ثابت في طبيعته وهو شبيه من حيث الطبيعة ببقية أفراد النوع ومتميّز بالخواص التي يمتلكها وبالشخص … الأقنوم هو جوهر فردي (عيني) بينما كيانا هو جوهر عام (الاتحاد159/129 ).
3-سرياني _ الشخص: هو مجموعة الخواص والواقعات المتعلقة بالأقنوم الفرد، وهو الفاعل وإليه تُنسب الأعمال. يقول باباي : ((الشخص هو حقيقة الخواص المتميزة لأقنوم ما والتي بها ينفرد عن الأقانيم الأخرى. فمثلاً أقنوم بولس ليس نفسه أقنوم بطرس، وبالرغم من أن للاثنين كيانا واحدا _طبيعة واحدة _ويعيشان جسديا وروحيا، لكن شخصهما مختلف، الشخص ثابت لا ينقسم، وفرادته تقوم على صفات خاصة: الشكل، العمر، المزاج، الحكمة، السلطة، الأبوة، البنوة، الجنس: ذكراً أو أنثى، وأشياء أخرى تميزه وتظهره كفرد فهذا ليس ذاك وذاك ليس هذا بالرغم من أنهما متساويان في الطبيعة البشرية الواحدة. وإن الشخص هو الخواص التي تفرده وتظهره (الاتحاد160/129 ). والشخص هو مجموعة الخواص التي يمتلكها الأقنوم وهو ثابت في حين الأقنوم متحرك (أي يمكن أن يكون لشخص واحد أقنومان (النص الفاتيكاني 298/241 ). يستند باباي في شرحه اللاهوتي للتمييز والوحدة على حياة المسيح يسوع، حيث يجد فيها مبررات لطروحاته .
إننا نجد قانون إيمانه المسيحاني واضحاً في تسبحة ((تبارك الحنان :سرياني ))التي ألفها والتي تقال في أيام البشارة والميلاد : ((تبارك الحنان الذي بنعمته دبّر حياتنا … من دون زواج أنجبت مريم عمانوئيل ابن الله، وجبل له الروح القدس منها جسداً نسجد له كما جاء في الكتب . ليكون واحداً تماماً مع شعاع الآب … واحد هو المسيح ابن الله الذي له يسجد الجميع في طبيعتين محفوظتين بأقنوميهما (أي فرادتيهما ) في شخص الابن الواحد. بلاهوته مولود من الآب منذ الأزل وفوق الزمن، وببشريته مولود من مريم في ملء الزمن… فلا لاهوته من جوهر أمه، ولا بشريته من جوهر أبيه، وكما أن الأقانيم الثالوث واحدة في الوجود (الجوهر)كذلك بنّوة المسيح واحدة بطبيعتين متحدتين في شخص واحد)).
(حوذرا ،طبعة الهند جزء 1ص59 ).
نصوص مختارة
تعريف المصطلحات اللاهوتية :
كلّ طبيعة تحدّد أقنومها وتتجلّى وتعرف، وكل أقنوم يظهر بالطبيعة التي تقوم به، وكل شخص مطبوع بأقنومه ومتميز به. لذلك لا يمكن معرفة الطبيعة بلا أقنوم ولا الأقنوم يقدر أن يقوم من دون الطبيعة، ولا الشخص يمكن أن يتميز بدون الأقنوم. إرفعوا الأقنوم وبينوا لنا الشخص وأزيلوا الطبيعة وهاتوا بالأقنوم.
الطبيعة (فكرة)عامة غير مرئية، لا تعرف إلا بأقنومها … إنها تثبت وتتميز بالأقنوم… في حين الأقنوم يُدعى جوهراً فردياً، قائماً بذاته، غير قابل للانقسام، عددياً هو واحد، ويتميز عن الكثيرين ..الأقنوم ثابت بملامحه الطبيعية وخاضع للأشكال، والطبيعة التي تتضمّن أقنوماً تتميز عن سائر الأقانيم بفضل الخصوصيّات المتميزة التي تملكها في شخصها. لذلك (أقنوم)جبرائيل ليس أقنوم ميخائيل ولا أقنوم بولس هو نفس أقنوم بطرس. في الحقيقة في كل أقنوم، تُعرف الطبيعة العامة وتتميز بالعقل، وتصير فردية فالأقنوم لا يتضمن صفاتٍ مشتركة .
الشخص، هو حقاً الخصائص التي يملكها الأقنوم ويميزها عن البقية، لذلك أقنوم بولس ليس أقنوم بطرس ولو هما متساويان في الطبيعة والأقنوم ولهم جسد ونفس ويعيشان عقلياً وجسدياً. إنهما يتميزان الواحد عن الآخر بواسطة الشخص الذي فرادته غير قابلة للانقسام . (الاتحاد159 _160/129).
وحدة شخص المسيح :
الله الكلمة، الواحد من الثالوث، إتخذ شخصه صورة الخادم وشوهد كإنسان، لم يصبح إنساناً بالأقنوم، بل بصورة الخادم: والآخذ والمأخوذ يتميزان. هو الواحد في الآخر، وهو نفسه واحد في شخص الابن، ولو ليس بنفس الطريقة: هو واحد بالطبيعة والآخر بالإتخاذ، لكنه هو نفسه شخص واحد في الألوهية والبشرية ولو ليس بالطريقة نفسها. هذا لا يعني أننا نفهم وجود شخصين للابن ولا أقنومين للكلمة، مثلما لا يوجد لأي إنسان منا شخصان. ليس ليسوع (الإنسان) أقنومان، بل شخص واحد للابن الواحد في الألوهية والبشرية. هكذا للمسيح شخص واحد ثابت ،وليس هناك مسيحان ،كما أن الابن واحد وليس هناك ابنان .إننا (نؤمن)أنّ في المسيح أقنومين ،لا أقنوماً مركباً ، كما يتصوّر الأشرار)).
(المخطوطة الفاتيكانية السريانية رقم178 ص243 ).
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت