الولادة: –
الوفاة: –
القديس يوسف هو سليل لداود الملك، دعاه الله ليكون أباً روحياً وعائلاً للإبن الأزلي الـمتأنس يسوع المسيح. لم تكن أبوته ليسوع جسديّة بل كانت ابّوة بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من مسئولية وبذل وتضحية. كان نيابة عن الآب السماوي تجاه الطفل يسوع، وكان زوجاً وأخاً روحياً لمريم البتول، ورئيساً للعائلة المقدسة، فكان يمارس سلطته كرب عائلة. أما الفضائل التى تحّلى بها لكي يظهر فضائل الآب السماوي الغير الـمنظورة نحو ابنه الـمتأنس فهى أنه كان: الصامت الكبير والضمير الكبير والعامل الكبير.
الصامت الكبير
كان الله يظهر للآباء والأنبياء وسط هالة وأبهة عظيمة تليق به عزّ وجلّ، وقد خاطب شعبه وأنزل عليهم الشريعة بواسطة موسى وسط الغمام والبروق والرعود، لكن لما قام بأعظم ظهوراته وظهر جسدياً بواسطة كلمته ابنه يسوع المسيح، صنع ذلك فى صمت عجيب. فى ظل يوسف الرجل البار خطيب مريم البتول، فهناك لا نرى أية أبهة وقليلاً جداً من الأمور الخارقة، بل كثيراً من الأسرار المخفية مع بعض الإمتحانات والتجارب، وحيرة نفس، وقلق وإضطراب لا نظير له، ثم إنتظاراً وصبراً ووحياً فى الليل المظلم، وأوامر بالتحفظ والتيقظ والإحتياطات اللازمة. وفى ذلك الجو نشأ إيمان أول مسيحي، إيمان يوسف ابن داود، النجّار الذى أُعطى له أن يستقبل فى بيته كلمة الله المتأنس ويعطيه اسماً “فسّميه يسوع لأنه هو الذي يخّلص شعبه من خطاياهم”(متى21:1).
ان يوسف كان أكبر رجل روحاني فى العهد الجديد، ومن ميزة الإنسان الروحاني ان يبقى فى جو الصمت، متحداً فى معبد الصمت مع الله خالقه، يعيش فى دنيا الإيمان ويتغذّى بالإيمان” اما البار فبالإيمان يحيا”(حبقوق4:2) و(عبرانيين38:10). انه يفضّل الصمت على الظهور لكي يتفرغ كليّة لتغذية إيمانه وحياته الروحية الداخلية. كان بإمكان يوسف ان يقول للناس: “ان المسيح المنتظر اصبح عندي وقد أُقمت وكيلاً عنه”، ولكنه لزم الصمت والكتمان لأنهما يؤلفان جزءاً من الحياة الروحية الداخلية.
الضمير الكبير
يوجد الضمير من الأمانة نحو الله والإلتزامات المتخذة نحوه تعالى رغم المصاعب والمحن ومهما كان الثمن. إن هو إلاّ تعبير إنساني وتجاوب صادق لنظرة الله على حياة الإنسان. هو تعبير صادق لأنه يدخل فى نطاق الإيمان، فلن يكون نظرياً بل عملياً بحيث يختبر الإنسان ويتحسس وجود الله فى داخل نفسه. أمتحن يوسف فى إيمانه ليس وقت غياب الطفل يسوع مدة ثلاث أيام فحسب، ولكن قبل أن يجيئ بمريم الى بيته، ثم لدى ذهابه الى مصر تحت جنح الظلام ومجابهته للمجهول، وبعد رجوعه من مصر وسكناه فى الناصرة فى الجليل بدلاً من اليهودية. فكل حياته كانت تغتذى بخبز الإيمان، فلا شك “ان البار بالإيمان يحيا”.
كانت طاعته نشيطة وفطنة، إذ أنه كان يعمل كل ما فى قدرته ليعرب للـه عن أمانته فى خدمة الـمُصالح التى إئتمنه عليها والمهّمات التى عهد بها إليه. وكانت الطهارة أجلّ وأصدق تعبير لحبه الخالص لله، الأمر الذى دفعه على خلق جو مناسب لكي يولد الطفل الإلهي من أم بتول ويحوطه بهالة أبوية نقيّة، فكانت رداً صادقاً لتلبية دعوة الله.
العامـل الكبير
كان يوسف نجّاراً وغني عن البيان كم كانت هذه الحرفة تقضي من التعب المتواصل والمضني، فهى تفرض على محترفها أن يأكل خبزه حقيقة بعرق جبينه. سيقول يسوع يوماً لليهود عن صلته بأبيه السماوي: “ان أبي مازال يعمل وأنا أعمل أيضاً”(يوحنا18:5)، فكان يوسف من هذا القبيل صورة صادقة للآب السماوي. كان يوسف يقّدر الوقت وينظّمه بالنسبة الى السبت وقت الراحة حيث كان يختزن من الروحيات ما يكفيه للقيام بواجباته الروحية. وكان عمل النجارة يتم بإيمان، الى ان تحّول حانوت يسوع بنوع ما الى معبد صلاة، هى حياته الروحية التى كانت تنظم أوقاته وأعماله. كان عاملاً كبيراً لأنه كان روحانياً كبيراً.
على مثال يوسف: يجب أن ننظر فى يوسف البار مثالاً أعلى فنكون مثله الصامت الكبير..والضمير الكبير..والعامل الكبير.
الصامت الكبير
يجب أن نتعود الصمت لأنه يؤلف جزءاً من الحياة الروحية الداخلية. ما قيمة الكلام الذى لا يصعد مثقلاً بالفكر من أعماق الصمت فقد قيل: “فان كانت العزلة وطن النفوس الكبيرة فالصمت صلاتها، وان كانت القداسة محبة متواصلة فالصمت نشيدها، وان كانت الحياة عبرة وعظة فالصمت منبرها ولسانها، وان كانت الحياة قيثارة فالصمت وترها”.
ليست المواعظ الطويلة هى المجدية، وغالباً ما يتكشف سيل الوعظ عن فقر فى التفكير. كان القديس يوحنا فيانيه خوري آرس يعظ التائبين فى كرسي الإعتراف بموجز الكلام. ليس من كلام مفيد سوى كلام يسوع كلمة الآب المتأنس. وعليه يجب علينا ان نتعود الصمت والكتمان وذلك من باب المحبة والعدل، فروح الكتمان شرط أساسي لثقة الناس بنا وقد نكون رجال ثقة مثل القديس يوسف بقدر ما نتحلى بالصمت.
الضمير الكبير
علينا ان نكون قبل كل شيئ رجال ضمير. ان نطاق العمل واسع وإنه ليس علينا رقيب سوى الله وحده، ولذا ان لم يكن لنا ضمير مستقيم، نصبح عرضة لجميع أنواع الإنحرافات والإلتواءات. وقد نكون اصحاب ضمير مستقيم فيما اذا تصرفنا دائماً فى حضرة الله، كأنه تعالى ينظر الينا ويتوقع منا ان نأتى بأجلّ الأعمال وأقدسها. قال القديس توما الأكويني للأخ المرافق له قبيل موته وقد كان هذا سأل منه ان يشرح له سر القداسة:”عش مستحضراً الله تبلغ القداسة”.
وعلى مثال القديس يوسف علينا أن نحامي عن الطفل يسوع فى شخص أولادنا وشبابنا بضمير مستقيم، لأنه يلزم أن نحافظ عليهم من أمثال هيرودس الموجودين على الأرض خوفاً من أن يذبحوهم بشرّهم وهم أبرياء. فيلزم ان نكون ساهرين مستيقظين لكي نبعد عنهم كل خطر ونرّبيهم على حب الفضيلة وحفظ الطهارة. وعلى مثال العائلة المقدسة نهتم بعائلاتنا ونوصّل لها كلمة الإنجيل وقداسة الكنيسة. وعلى مثال القديس يوسف نعتنى خاصة بالعمال الكادحين فإن شفيعهم وزميلهم ومثالهم الأعلى يحبهم.
العامل الكبير
ينبغي ان نكون عمالاً فى كرم الرب كالعامل الكبير القديس يوسف. يوجد دائماً عمل فى حقل الرب، فالحصاد كثير ولكن العملة فقليلون. فهناك فى العالم خراف كثيرة تسترعى اهتمامنا وهناك خراف ضالة تدعونا لنذهب اليها ونأتى بها الى طريق الحق والى الحظيرة الأبوية. يلزمنا ان ننظم وقتنا ولا نصرفه دون فائدة ولا نبدد مواهبنا وطاقاتنا التى وهبها لنا الله.
يا يسوع هبنا رصانة القديس يوسف وصمته وحياته الداخلية الروحية لكي يكون كل واحد منا صامتاً كبيراً وضميراً كبيراً وعاملاً كبيراً على مثال القديس يوسف العظيم آمين.
مصادر أخرى:
من هو القديس يوسف البتول؟
في ١٩ مارس / آذار من كل عام ، تحتفل الكنيسة بعيد القديس يوسف التقي البار ، كما يسميه متى الإنجيلي ( متى : ١٨ – ٢٣ ) . من هو القديس يوسف البتول ؟ لا نعرف الكثير عن حياة القديس يوسف، وليس هناك من وثائق تاريخيّة تخبرنا عن مكان وزمان ولادته أو موته. لكن ما نعرفه، من خلال الكتاب المقدس والتقليد، هو خطيب مريم منحدر من بيت داود الملك.
ولِِدَ القديس يوسف عام ٢٥ قبل الميلاد. و الشريعة اليهودية، تقتضي على الشاب، أن يتزوج في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمره. وكان يوسف يومذاك في الثامنة عشرة، يوم تمّت خطبته مع مريم. وكان رجلاً باراً تقياً، لذا اختاره الله الآب، ليكون خطيباً لأم ابنه. ولما راى يوسف العفيف الطاهر، خطيبته مريم حاملاً من الروح القدس شكَّ في أمرها، فلم يُرِدْ أن يشهّر أمرَها، فعزم على تخليتها سرّاً. لكن ملاك الرب، كشف له الحقيقة عندما تراءَى له في الحُلم وقال له : ” يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأتي بإمراتِك مريم إلى بيتك. إنَّ الذي كوِّن فيها هو من آلروح القدس، وستلِدُ إبناً فسَمِّهِ يسوع. لأنه هو الذي يُخَلّص شعبه من خطاياهم ”. ومنذ تلك اللحظة جعل يوسف خطيب مريم، حياته وقفاً على خدمة أم الله وابنه .
منذ ميلاد يسوع، كان يوسف، يسهر على رعاية الطفل، متمماً بذلك النبؤوات والشريعة: فما أن حان اليوم الثامن، حتى أخذ يوسف ومريم الصبي ليختن. وسمّياه يسوع، بحسب قول الملاك. ومن ثمَّ صعدا به إلى أورشليم، ليقرّباه للرب، كما تأمر الشريعة في سفر الأحبار. وكذلك هرب يوسف، بيسوع ومريم، إلى مصر، كما أمره ملاك الرب خوفاً من هيرودوس الذي كان يريد أن يقتل الطفل … فأقامَ هناك إلى أن تُوفيَّ هيرودُس، ليتم ما قال الرب على لسان النبي: ” من مصر دعوتُ ٱبني ”. وما إن توفيَّ هيرودوس، حتى تراءى ملاكُ الرب في الحلم ليوسف في مصر وقال له: ” قُم فخُذ الطفل وأُمه، واذهب إلى أرضِ ٱسرائيل، فقد مات من كان يُريدُ إهلاك الطفل ”. فقام فأخذ الطفل وأُمَهُ، ودخل أرض ٱسرائيل .
وآخر حدث، في حياة مار يوسف، تذكره الأناجيل، هو : لمّا بلغ يسوع اثنتي عشرة سنة، صعدوا إلى اورشليم في عيد الفصح، جرياً على العادة في العيد . فلما انقضت أيام العيد ورجعا. بقي الصبي يسوع في أورشليم، من غير أن يعلم أبواه، وكانا يظنان أنه في القافلة، فسارا مسيرة يوم، ثم أخذا يبحثان عنه عند الأقارب والمعارف. فلما لم يجدوه، رجعا إلى اورشليم يبحثان عنه. فوجداه بعد ثلاثة أيام في الهيكل، جالساً مع العلماء، يستمع إليهم ويسألهم . وكان جميع سامعيه مُعجبين أشدّ الإعجاب بذكائه وجواباتهِ. فلما أبصراه دهِشا. فقالت له أُمََهُ : ” يا بُنيَّ ، لماذا صنعت بنا ذلكَ ؟ فأنا وأبوك نبحَثُ عنك مُتلهِّفين ” . فقال لهما : ” ولمَ بحثتما عنيّ ؟ ألم تعلما أنه يجب عليَّ أن أكون عند أبي ؟ ” فلم يفهما ما قال لهما. ثم نزل معهما ، وعادَ إلى الناصرة ، وكان طائعاً لهما ، وكانت أُمُّهُ تحفظ تلك الامور كُلَِها في قلبها .
بعد هذه الحادثة تتوقف الأناجيل عن ذكر أيّة حادثة عن القديس يوسف مع مريم ويسوع. أمّا عن خبر موت مار يوسف فليس لدينا من إشارة إليه ، لا في الأناجيل الإزائية، ولا في إنجيل القديس يوحنا. ومن المؤكد أن يوسف البار، مربّي يسوع، لم يكن على قيد الحياة في عرس قانا الجليل حيث كان يسوع ومريم والتلاميذ، ولا في بدء بشارته. والذي نستخلصه من تأملنا حول القديس يوسف، هو : أن مار يوسف، ثالث أفراد العائلة المقدسة، قد مات بين يديّ يسوع ومريم، وبموته أصبح شفيع الميتة الصالحة، التي يرجوها كل مؤمن.
إنتشر إكرام القديس يوسف، في جميع بلدان العالم، شرقاً وغرباً. وشُيدّت على اسمه الكنائس، وحمل اسمه الكثيرون، وأخذوه شفيعاً لهم. وعلى إسمه وشفاعته تأسست الأخويات، وأصبح شفيعاً للعمال، وللعائلات، ومثالاً وقدوة لهم. وهو العامل الصامت، والمربّي الصالح، والشفيع الذي لا يردّ له طلب. عُرف القديس يوسف أيضاً : بحارس الفادي، و رجل الصمت، وشفيع الكهنة البتوليين، وخادم المسيح، وخادم الخلاص، وشفيع العائلات والآباء، والمساعد في الشدائد، وحامي المنفيين والحزانى والفقراء …
صلاة للقدّيس يوسف البتول : أذكر أيها القدّيس يوسف، خطيب مريم البتول، الجزيل القداسة، أنّه لم يُسمَع قط أنّ احداً طلب معونتك واستغاث بحمايتك ورُدَّ خائباً. أتقدّم إليك بهذه الثقة، مفوضاً إليك أمري، فلا تردّ توسلاتي، يا مَن دُعيتَ أباً لمخلّص العالم، بل تعطّف واستجِب لها… آمين!
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت