يمثل المسيحيون اليوم في ايران بين 200 و300 ألف نسمة. وقد تقلص عددهم من 5 بالألف إلى 1 بالألف منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.
أدت ثورة الإمام الخميني إلى هجرة الكثير من المسيحيين خصوصاً بعد حرب الثماني سنوات مع العراق وصراع ايران مع الولايات المتحدة الأميركية، إضافة الى ان توجهات الثورة الإسلامية نحو اسلمة المجتمع الإيراني دفعت أكثر من ثلثي مسيحي ايران للرحيل الى الخارج.
ثورة 1979 الإسلامية ضمنت الحرية الدينية للمسيحيين، واليهود والزرادشتيين، بدستورها الجديد الذي اعطى الأقليات الدينية حرية اتباع شرائعهم الخاصة في ما يتعلق بأمور الأحوال الشخصية مع الحفاظ على الشريعة الإسلامية نظاماً قانونياً للبلاد. لم يمنع المسيحيون عن الوظائف العامة، لكن اعتماد “امتحان الشريعة” اساساً للتوظيف ابقى المسيحييين خارج الملاك العام.
الأقليات الدينية في ظل الجمهورية الإسلامية
تبلغ نسبة المسلمين الشيعة في ايران قرابة 90 بالمئة، فيما تبلغ نسبة المسلمين السّنة قرابة 7 بالمئة. وينتمي غالبية السنّة في ايران الى قوميات غير فارسية: مثل الأكراد في المنطقة الغربية من ايران، والبالوشيين في المنطقة الجنوبية الشرقية، والتركمان في المنطقة الشمالية الشرقية. ومن بين الجماعات غير المسلمة، يمكن القول ان المسيحيين الأرمن، لامتلاكهم تاريخاً عمره اربعمئة سنة من التعايش السلس مع المسلمين الايرانيين، هم الافضل حظاً بين الاقليات الايرانية.
[ads1]
ضم مجلس الخبراء الذي وضع مسودة دستور الجمهورية الاسلامية في العام 1979 اربعة ممثلين غير مسلمين: زرادشتي، وارمني، واشوري، ويهودي. وعلى الرغم من ان شملهم في هذا المجلس لم يكن اكثر من اشارة رمزية، كما تبين في نهاية المطاف، الا ان المادة 13 من الدستور النهائي منحت كل واحدة من هذه الاقليات اعترافاً وحمايةً صريحين بها.
تقول هذه المادة: “الايرانيون الزرادشتيون واليهود والمسيحيون هم الاقليات الدينية الوحيدة المعترف بها التي لها الحرية في ممارسة شعائرها الدينية، فيما يتعلق بالوضع الشخصي القانوني والتعليم. بينما حرمت الاقليات غير المسلمة الاخرى، مثل البهائيين والمانديين، ضمناً من هذه الحريات والحماية. البرلمان الايراني يخصص خمسة مقاعد للأقليات الدينية المعترف بها – اثنان للارمن، وواحد للآشوريين والكلدانيين، وواحد لليهود وآخر للزرادشتيين.
المسيحيون
خسرت الجماعات المسيحية اعداداً كبيرة منها من خلال الهجرة، وبشكل رئيس الى الولايات المتحدة الأميركية. كما شهدوا تناقصاً في معدل الولادات. ومع قيام دولة ارمنية مستقلة في العام 1991 اثر انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، طرأ ازدياد على العلاقات التجارية بين الارمن في ايران وارمينيا وتضاعفت الرحلات بين البلدين، وغادرت اعداد منهم موطنها الى الجمهورية الجديدة.
1- الأرمن
يتراوح عدد الأرمن الإيرانيين اليوم بين 130 و150 الفاً، موزعون بشكل متفاوت جغرافيا على ثلاث أبرشيات هي أصفهان وأذربيجان (مركزها تبريز) وطهران التي تضم نحو 80 ألفاً من الأرمن الأرثوذكس الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من المسيحيين في العاصمة حيث يبلغ عدد الأرمن البروتستانت نحو 350 شخصاً والأرمن الكاثوليك 50 شخصاً. وتناقص عدد هؤلاء مع الأعوام فهاجر قسم منهم لأسباب متعددة شبيهة بتلك السائدة في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر.
وللأرمن عضوان في مجلس الشورى الإسلامي الايراني، أحدهما عن أرمن طهران والشمال، والآخر عن أرمن أصفهان وجنوب إيران والأرمن تجار أغنياء، ولهم دور بارز في تطوير الصناعات الفنية الدقيقة الخاصة بالمجوهرات والآلات الدقيقة، ويساهمون في الصناعات البترولية.
يمارس الارمن طقوسهم وتقاليدهم الدينية بحرية، وانطلاقاً من أن حقوق الأقليات محفوظة في الدستور لم يفرض على الطوائف والأديان غير الإسلامية فرائض مسلمة باستثناء الحجاب الذي أصبح نوعاً ما قانون دولة أو قانوناً مدنياً بتوجيه ديني. أمّا بالنسبة لمرجعية الأرمن فهي المطرانية، وتفضّل الدولة الإيرانية عدم تدخّل المسيحيين في شؤون المسلمين، لأنّه هنالك العديد من السلمين الإيرانيين ممن يرغبون بالتنصّر ويأتون للإستماع الى القدّاس.
ولم تؤثر الثورة الإسلامية سلباً على أوضاع الأرمن بسبب حسن جوارهم مع المسلمين، ووحدة مصالحهم تجاه تركيا، ولحسن درايتهم وحكمتهم.
والجدير ذكره أنّ الأرمن بدأوا بنشر جرائدهم باللغة الأرمنية بدءاً من سنة 1794. وانتشرت جريدة “آليك” باللغة الأرمنية بدءاً من العام 1931 وهي لا تزال تصدر حتى اليوم، بالاضافة الى صحف آراكس، آرارات، زيازان، بيام وأهاليك. كما يملك الأرمن عدة مجلات أدبية دوريّة.
[ads1]
وللأرمن في إيران حالياً عشرات الكنائس والمدارس، ولهم عطلاتهم الرسمية ونواديهم الرياضية المجهزة بأحدث الأجهزة الرياضية، وجمعياتهم الخورية[1] ومراكزهم الثقافية، ومعظم كنائسهم مسجلة في فهرس الآثار الإيراني الوطني. وهم يملكون 25 مؤسسة إجتماعية، ثقافية، رياضية، نسائية وصحية.
وقد أُجيز لأحد أحزاب الطائفة الأرمنية (الطاشناق) بممارسة العمل السياسي. ويمنح أبناؤها أيام الآحاد اذنا خاصا لثلاث ساعات (من التاسعة صباحا الى الثانية عشرة ظهرا) بحضور القداس.
بالنسبة لمدارس الارمن، يوجد في طهران 28 مدرسة من الروضة الى الثانوية من اجمالي 50 مدرسة موجودة في كل ايران، ليس للمسلمين الحق في دخولها، اما الطلبة الارمن فلا مانع من تسجيلهم في مدارس المسلمين. ويسمح بتدريس تاريخ ارمينيا ولغتها في بعض مدارس ايران خصوصا في اصفهان وتبريز حيث لا يستقبل الا الطلاب الارمن، مع اتباع المنهج الرسمي الذي تقره الدولة مضافا اليه التعليم المسيحي.
كما يوجد في طهران 19 جمعية إجتماعية وثقافية ارمنية، ابرزها “ارارات” التي تدير مركزاً ثقافياً يضم الفي عضو، وينظم كل سنة العاباً أولمبية تجمع سنوياً رياضيين ارمن يفدون من كل أنحاء إيران.
ويعيش الأرمن في إيران برفاهية، لأنهم من الطبقة الوسطى في البلاد. وهم يعترفون بعدم وجود أية مضايقات، أمّا بالنسبة للحجاب، فهذه ثقافة الجمهورية الإسلامية وعلى من يعيش بينهم أن يحترم عاداتهم على حد تعبير الإيرانيون الأرمن.
2- الأشوريون
يقدر عدد الاشوريين في إيران بحوالي (عشرة ألف آشوري) ولهم مدارسهم وجمعياتهم الخيرية وروابطهم ونواديهم الرياضية الخاصة بهم في طهران العاصمة وأرومية وعدة مدن أخرى، ويمارسون نشاطهم السياسي في إيران بحيث يوجد مندوب واحد يمثلهم في مجلس الشورى الإسلامي.
بعد الحرب العالمية الثانية أسس الآشوريون في المناطق التي يقطنوتها مجالس تحت اسم (موثبا)، وحالياً لا يوجد أحزاب آشورية في إيران، بالاضافة الى جمعيات مختلفة واتحادات مثل اتحاد الطلبة الجامعيين الآشوريين واتحاد الشبيبة الآشورية. وتعتبر أورميا المركز الرئيسي للمسيحية الآشورية، وتقع أورميا غرب إيران، على الحدود العراقية التركية.
يتمتع الأشوريون في إيران بالخدمات الاتية:
الخدمات البرلمانية: لديهم نائب واحد في مجلس الشورى الاسلامي. الخدمات الكنسية: يبلغ عدد الكنائس الاشورية، او الاشورية الشرقية حوالي 59 كنيسة في مدينة اروميا فقط، وستاً في طهران. الخدمات العلمية والثقافية والترفيهية: اضافة الى امكان دخول ابناء هذه الطائفة الى المدارس العامة، فان لديهم مدارس آشورية خاصة، اهمها مدرسة مريم للبنات، ومدرسة بهنام للبنين. ولهؤلاء 27 نشرة، و20 مركزا ثقافيا واجتماعيا، و12 جمعية، واحدة للنساء، واخرى للمهندسين وغير ذلك، ودار للعجزة. وفي كل سنة ياتي لزيارة هؤلاء زعيمهم الروحي، فيقيم بينهم شهر او شهرين. هذا بالإضافة الى ” نادي الآشوريين” وهو نادي ليس تابعاً للكنيسة، بل تُقام فيه نشاطات ثقافية واجتماعية.
3- الكلدان
يبلغ عدد الآشوريين والكلدان حوالي 16000 ومنهم 8500 كاثوليكي. كما يوجد في إيران اليوم 8 كهنة كلدان، اثنان من أصل إيراني و3 أتوا من العراق، و2 من فرنسا وواحد ينتمي إلى كنيسة سيرو مالنكار في الهند. أما الأرمن الكاثوليك، فلديهم كاهنان فقط آتيان من لبنان.
أبرشيات الكلدان في إيران
1. أبرشية الأهواز، كرسي الأبرشية اليوم شاغر بسبب هجرة المسيحيين.
2. أبرشية أورميا وسلماس.
3. أبرشية طهران.
المؤسسات الرهبانية
عرفت الكنيسة الكلدانية، وعموم كنائس المشرق، خلال القرون الأولى حركات رهبانية زاخرة أمدّت الكنيسة بلاهوتيين ومتصوفين وكتّاب ومفكرين وشعراء كهنة وأساقفة وبطاركة.
4- الكاثوليك
يعتبر الكاثوليك الطائفة المسيحية الأكبر حول العالم. لكن ما هو عددهم في ايران؟ وكيف هي ظروف الحياة التي يعيشون؟
انخفض عدد الكاثوليك في ايران. ولا يعرف بالتحديد عدد المؤمنينَ الكاثوليك في إيران، لكنّه يتراوح بين عشرة آلاف وخمسة وعشرين ألف شخص، من أصل مجموع عدد سكان الجمهورية الإسلامية البالغ تسعة وستين مليون نسمة تقريباً. وقد بين تقرير “كاثوليك نيوز سيرفيس” أن الكنيسة الكاثوليكية في إيران تدير ثلاث مدارس تعلم فيها التعاليم الكاثوليكية. تدار الكنيسة الكاثوليكية هذه باشراف لجنة من الاساقفة مكونة من 13 قسا، وهي تشمل ثلاث كنائس:
– كنيسة الارمن الكاثوليك: عددهم 12 الف نسمة، لديهم ثماني كنائس، واربعة نواد رياضية ترفيهية، وستة مراكز تعليمية، ومقبرة خاصة.
– الكنيسة الكاثوليكية للاشوريين الكلدانيين: تؤدي مراسمها العبادية باللغة الاشورية، ولهذه الكنيسة ثماني كنائس فعالة، ويبلغ عدد اتباعها حاليا 13 الفاً.
– الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية: هذه الكنيسة خاصة بالاجانب الذين اسسوها، عند وفودهم الى ايران في مهمات رسمية، ويرجع تاريخها الى سنة 1630 ميلادية. تقام في هذه الكنيسة مراسم ايام الاحاد بشكل دائم، فيحضرها الفرنسيون والايطاليون والهولنديون والبولونيون. يتراوح عدد اعضاء هذه الكنيسة بين الالف والالفين وخمسمئة نسمة، ترتبط بها 9 كنائس.
[ads1]
5- الإنجيليون
انطلقت الكنيسة الانجيلية المشيخية في ايران مع ارسالية بروتستانتية اميركية، وهي المجلس الاميركي (ABCFM) في العام 1832 والإنجيليون هم فرقة من البروتستانت (بروتستانت تعني المحتجين او المعارضين). ولم يكن في نية الارسالية المشيخية ومرسليها القيام بتنظيم كنيسة مستقلة، بل اطلقوا على ذاتهم اسم “الارسالية النسطورية” التي تم تنظيمها سنة 1834. وعمل المرسلون مع الكنيسة النسطورية من اجل اعادة احيائها وتقويتها وتنشيطها. ولقد رفضت الكنيسة النسطورية الاصلاح. واخيراً تأثر بعض اعضائها بالروح الانجيلية وانفصلوا عن الكنيسة القديمة وألفوا سبع رعايا بروتستانتية في مقاطعة رزايه (Rezaiyeh) وحولها، في شمال غربي ايران.
ونُظّمت الكنيسة المشيخية الاولى في العام 1862 وتلتها كنائس اخرى فيما بعد. وفي العام 1933، قامت الكنيسة الانجيلية في ايران بتنظيم ثلاث كنائس مشيخية، واعادت توزيعها حسب اللغة بدلاً من توزيعها جغرافياً. ونشأت عن الكنيسة المشيخية رعايا اضافية توزعت في مناطق مختلفة من البلاد وقد جمعت اناساً من الذين اعتنقوا المسيحية وكانوا من معتقدات دينية مختلفة.
في العام 1963، اتخذت لنفسها اسم كنيسة ايران الانجيلية المشيخية.
اللغة الليتورجية: الارمنية، السريانية والفارسية.
6- الأرثوذكس
يوجد في ايران كنيستان ارثوذكسيتان،الكنيسة الارثوذكسية الروسية، والكنيسة الارثوذكسية اليونانية، والكنيستان يعود تاريخهما الى بداية هجرة الروس واليونانيين الى ايران، ولا تزال الكنيستان قائمتين تمارسان نشاطاتهماالدينية والطقسيّة الى الان.
الأنظمة والقوانين التي ترعى شؤون غير المسلمين عامةً والمسيحيين خاصة في إيران
وفي الوقت الحالي هناك سلسلة من القوانين في الدستور الإيراني تضمن الحريات من ناحية الاحوال الشخصية للاقليات. وقد “اضطر المشرع لفترة الثورة بمقتضى ظروف الثورة وفي بداياتها سن بعض القوانيين التي سببت بعض الاشكاليات فيما يتعلق بالحريات الفردية. كما ان قانون العقوبات الاسلامية ايضا لايوافق ان يكون هناك اجحاف. للاسف ان بعض المحاكم وعلى اساس الروايات والفتاوى والفقهاء السابقين ربما كانوا يصدرون احكاما غير متكافئة وغير متساوية ولكن في الآونة الاخيرة تم المصادقة على قرار واضيف ملاحظة للمادة 207 من الدستور وتنص بصراحة ان الاقليات رسميا معترف بها وفقا للدستور.
تمارس الأقليات في الحمهورية الإسلامية الإيرانية شعائرها وطقوسها وحرية القضاء في الأحوال الشخصية وحرية تدريس المعالم الدينية للمذاهب في المدارس الرسمية وتأسيس المدارس الدينية الخاصة.
تحظى أربع أقليات دينية برعاية الحكومة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الوقت الحاضر. وهذه الأقليات تتمتع، في إطار القوانين الإسلامية، بحريات ثقافية واجتماعية وسياسية، وهذه الأقليات هي: الأقلية اليهودية، الأقلية المسيحية (آرمن وآشوريون)، والأقلية الزرادشتية.
هناك تسع مواد في الدستور تنص على حقوق اتباع الاديان الالهية المختلفة، وطبقاً للمادة (67) من الدستور فإن نواب الأقليات الدينية يؤدون اليمين الدستورية، مع ذكر كتابهم السماوي الخاص بهم. كما وافق مجلس الشورى الإسلامي مؤخراً على أن تكون فدية الأقليات هي نفس فدية المسلمين. هذا فضلا عن أن المادة التاسعة عشرة من الدستور الحالي تنص على تمتع أفراد الشعب الإيراني، من أية قومية أو قبيلة، بالمساواة في الحقوق، وعلى أن اللون أو العنصر أو اللغة أو ما شابه ذلك لا تعتبر سبباً للتفاضل والتمايز. ولهذه الأقليات دور للعبادة خاصة بها، ومدارس ومعارض ونقابات ومؤسسات خيرية وكتب ومطبوعات (صحف ومجلات)، ودور لنشر وتوزيع الكتب الدينية. كما ان الدستور الإيراني يخصص خمسة مقاعد للاقليات ثلاثة للاقلية الآشورية والارمنية التي تنتمي الى الديانة المسيحية ومقعدين لليهود والزردشت.
الأحوال الشخصية للمسيحيين في إيران
يتزوّج المسيحيون الإيرانيون في الكنيسة لكنّهم يسجّلون زواجهم في دوائر الدولة الإيرانية. والقرار الفعلي في أمور الزواج والطلاق والإرث هو بيد الكنيسة المسيحية باختلاف طوائفها.
وتجدر الإشارة إلى علاقة المسيحيين المباشرة هي مع وزارة الثقافة الإسلامية، فهناك قسم فيها يهتم بشؤون الأقليات، حتى أن العلاقات مع وزارة الداخلية والتربية والخارجية هي عبر هذه القناة. كما يملك الأرمن محكمة دينية تهتم بالأمور الآنفة الذكر. ويُسمح للمسيحيين بالدخول الى دوائر الدولة رغم وجود صعوبة كبيرة بالوصول الى الدرجات الأولى. اما في الجيش، فيشارك المسيحيون في خدمة العلم الإجبارية ولكن من غير المسموح لهم البقاء في الجيش والترقّي داخل صفوفها.
أمّا بالنسبة لعلاقة المسيحيين مع الطوائف الأخرى، فهي علاقة “أخوية” مع الزرادشتين واليهود ولكن ليست هناك علاقات زواج او اختلاط معهم. كما ان الواقع يفرض التعاون وانشاء علاقات بين المسيحيين والمسلمين، وعلاقات جيدة ومسالمة. وتسعى بعض الطوائف المسيحية الى شد أواصر التعاون بين باقي المسيحيين عن طريق محاولة عقد إجتماعات دوريّة بينهم.
هجرة المسيحيين من إيران
حافظت المسيحية على وجود مهم في المنطقة خلال الالفي عام الماضية. لكن هذه المكانة مرشحة للتغيير في الالفية الثالثة. فالوجود المسيحي في المنطقة يسير الى مزيد من التناقص الحاد، ليس في ايران فقط بل في معظم دول الشرق الأوسط. فالإحصاءات تظهر مثلاً انه لم يعد في تركيا سوى 80 الفاً من المسيحيين بنسبة واحد بالمئة من الاتراك، معظمهم من الارمن، بعد ان كان عددهم في حدود مليونين اي 15 في المئة عام 1920.
[ads1]
أما في المشرق العربي فان الصورة اوضح. ففي منتصف الخمسينات الماضية شكل المسيحيون نسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة من جملة سكان عدة دول عربية مشرقية، وهم الان لا يشكلون اكثر من 10 في المئة. وفي مصر، ولاول مرة منذ خمسينات القرن العشرين، يغادر المسيحيون الاقباط بلدهم باعداد كبيرة، وهم لا يتجاوزون الآن، وفقا لتقديرات غير رسمية، نسبة 6 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 72 مليون نسمة بحسب تعداد 2006.
وفي العراق، وطبقاً لتعداد السكان الذي اجري عام 1977 كان عدد المسيحيين في العراق نحو مليون و684 الف نسمة، هبطت في اخر احصاء بالعراق عام 1987 الى مليون وربع المليون نسمة، بنسبة 5 في المئة من الشعب العراقي، وعشية الغزو الاميركي عام 2003 بلغ عدد المسيحيين العراقيين نحو 700 الف شخص، اي نحو 3 في المئة من جملة عدد السكان البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة. وبعد مرور نحو اربع سنوات على الاحتلال يقدر عدد المسيحيين العراقيين الذين غادروا البلاد بنحو 350 الف نسمة.
إيران
وفي إيران التي تضاعف عدد سكانها تقريباً منذ الثورة الإسلامية عام 1979، هبطت أعداد المسيحيين في البلاد. ويبلغ عدد المسيحيين الإيرانيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة فقط أكثر من 500 ألف إيراني أرمني. ويتوزع المهاجرون في عدد من الدول كالنمسا وفرنسا. وتجدر الإشارة الى أنه هناك شركة يهودية تؤمن الفيزا للمسيحيين الإيرانيين للسفر الى النمسا ومنها الى الولايات المتحدة. ويبلغ عدد الأرمن الإيرانيين في اليونان حوالي 4 الآف. وتقدّر بعض المصادر المسيحية الإيرانية عدد المهاجرين بحوالي ثلاثة أو أربعة ملايين من كل الطوائف المسيحية.
أسباب رحيل وتناقص المسيحيين
وفي حال استمرار التناقص بهذه المعدلات ، فليس هناك شك في انه خلال عقد او عقدين من الزمن، سيفقد مسيحيو الشرق الأوسط اي اهمية حيوية او تاثير سياسي. هذا التناقص الشديد يعزى أولاً الى انخفاض معدل المواليد بين الاقليات المسيحية في الشرق الاوسط بسبب ارتفاع مستواها الاجتماعي والاقتصادي. وثانياً الى فشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة، وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية اخرى بعدم جدوى البقاء في هذه البقاع بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية والسياسية فيها إضافةً الى أسباب ذاتية.
اما ثالثاً والاكثر اهمية فهو ان منطقة الشرق الاوسط تشكل بيئة طاردة بسبب الصراعات والحروب التي يشهدها على مدى نصف قرن تقريبا، بداية من تاسيس اسرائيل عام 1948، ثم صعود التيار الاسلامي عقب هزيمة 1967 وقيام الثورة الايرانية عام 1979، واشتعال الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثماني سنوات، ثم الحصار الاقتصادي للعراق عقب غزوه الكويت عام 1990، وانتهاء بالغزو الاميركي لافغانستان اواخر عام 2001، والعراق عام 2003، في اطار ما تسميه واشنطن الحرب العالمية على الارهاب عقب احداث 11 سبتمبر 2001، تلك الحرب التي اججت العداء التاريخي والايديولوجي بين الاسلام والغرب، واطلقت موجة من التطرف والارهاب لا تقتصر تداعياتها على الاقليات المسيحية فقط.
[ads1]
في المقابل يشكل الغرب بيئة اغراء وجاذبية للمهاجرين عموماً بسبب تقدمه الاقتصادي وتأمين الحريات الدينية والمدنية. وفي هذا الشان يفضل الغرب استقدام واستقطاب مهاجرين ينتمون الى المسيحية بطوائفها المختلفة، خصوصاً من فئة الشباب، كي يسهموا في نموه الاقتصادي ويسدوا العجز في المواليد الذي يعاني منه الغرب الراسمالي. فنسبة هجرة الشباب العرب المسلمين الذين يسافرون للدراسة في الغرب تقل عن 50 في المئة، في حين تزيد على 70 في المئة بين الشباب العرب المسيحيين. هذه المعادلة الصعبة بين شرق اوسط طارد وغرب جاذب، تجعل الهجرة طموحا لكثيرين، ومسؤولية الغرب عن انتاج هذه المعادلة مؤكدة، فهو الذي يشن حروبه وعدوانه على دول الشرق الاوسط بالاصالة عن نفسه كما في حربي العراق 1991 و2003، والاخيرة ارغمت اكثر من 2 مليون عراقي على اللجوء للدول المجاورة والبعيدة، او بالوكالة عبر اسرائيل كما في حروب 1948 و1967 و1973، وحربي 1982 ضد لبنان او حرب 2006 التي دفعت نحو ربع مليون لبناني الى الهجرة خارج بلدهم. ومنذ العدوان الاسرائيلي على لبنان في يوليو 2006 حتى الان ققزت ارقام المهاجرين من لبنان الى الخارج من جيل الشباب بما يوازي 8 الى 10 في المئة من مجموع السكان بينهم نسبة عالية من الشباب المسيحيين. من جانب اخر فان، سياسات الطرد والترحيل او الحصار والتجويع التي تنتهجها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، تلك السياسات التي اجبرت مئات الالاف من الفلسطينيين، وبينهم عدد كبير من المسيحيين، على الهجرة الى الخارج، منذ النكبة عام 1948 وحتى الان.
تداعيات خطيرة
ان خلوّ الشرق الاوسط من مسيحييه سيفقد المنطقة احد العناصر الرئيسية من تمّيزه االحضاري، وينسف احد الجسور المهمة بين المنطقة والغرب، في وقت هما احوج ما يكونان فيه الى مد الجسور وليس قطعها او التفريط في احداها. يتخوف البعض ان يصبح منطقة موحشة تتصارعها اصوليتان: يهودية واسلامية، وستحاول اسرائيل استغلال هذا الصراع في تجديد دورها “الوظيفي” في المنطقة باعتبارها قلعة متقدمة في مواجهة الاسلام مما يوفر لها استمرار دعم الغرب لها. وكان مسؤول القدس الراحل فيصل الحسيني اول من حذر من هذا الامر. فقبيل وفاته زار فرنسا لمناشدة اسقف باريس في حينه، المونسنيور لوستيجيه والرئيس جاك شيراك، التدخل وحض مسيحيي القدس والاراضي الفلسطينية والدول العربية المختلفة على عدم مغادرة بلدانهم، عملاً بسياسة متعمدة لافراغ فلسطين والعراق وسورية ولبنان من المسيحيين. وقال الحسيني “ان اسرائيل تقف وراء هذه السياسة التي تهدف من ورائها الى افراغ المنطقة من العناصر المعتدلة لتبقي اسرائيل منفردة مع الاسلام المتشدد، مما يسهل عليها قمع التطرف الديني والحصول على دعم غربي مقابل ذلك”.
هجرة المسيحيين من إيران
نسبة الأقليات المسيحية من سكان إيران في 20 سنة هبطت من 0.5% إلى 0.1% وهذا الهبوط السريع عائد إلى نسبة الولادات عند المسيحيين وهي أقل منها عند سواهم، وهو عائد أيضًا إلى الهجرة المتصاعدة منذ ثورة الامام الخميني والحرب بين العراق وايران.
هذه الهجرة نحو الغرب هي كالوباء الذي يهدد وجود كل كنائس الشرق.ويمكن وصف الوضع في ايران كما يلي:
إن الآشوريين الكلدان قد غادروا، من قبل، منشأهم التقليدي في القرى المحيطة بأورميا، خصوصًا إبان المجازر، خلال الحرب العالمية الأولى، وقد كانوا، حوالي 30.000 نسمة عشية هذا النزاع العالمي الأول. فتوجهوا منذ ذلك الحين نحو أوروبا وأميركا، حيث كانوا يحققون الثروات قبل أن يعودوا إلى البلاد، أو على الأقل البعض منهم. أما الآخرون، وهم أكثر عددًا، فقد توجهوا، في إيران، إلى المناطق النفطية والمدن الكبيرة. وبهذه الطريقة تمدنوا أسرع من سواهم. أكثرهم قصد طهران، لكنهم لم يتجمعوا في “أحياء مسيحية” مثلما نعرف من المدن الأخرى المنتشرة في الشرق الأوسط.
فوق ذلك، جعلهم هذا الاقتلاع الأول يعبرون، إذا صح التعبير، من العالم التقليدي القرن أوسطي السائد في القرى، إلى عالم المدن الكبرى الحديث. وما ان يفقدون جذورهم القروية في هذا الانتقال الأول، حتى يتحضروا للهجرة نحو الغرب. وإليكم ما يقول الأب انطوان سوانداغ، وهو سكريتير اللجنة الفرنسية “عدالة وسلام”: “المدن الكبرى هي أمكنة تتفكك فيها الحضارات التقليدية، أمكنة يتسرب فيها التأثير “الغربي”، فمن غادر قريته ليستقر في المدينة، تلقى صدمة ثقافية عنيفة بحيث يستعد بعدها إلى مغادرة بلاده ليستقر في مدينة كبيرة في الغربة. وهكذا يتلقون ضربة قاصمة بعبورهم إلى “وعاء الذوبان” هذا، أي المدن الكبيرة الحديثة”.
أما بالنسبة إلى ضخامة حركة الهجرة هذه، فهي في إرتفاع مستمر، ويصعب إعطاء أرقام عنها. لكن نشرة “عمل الشرق” (Œuvre d’Orient) تحاول شيئًا، واصفة جغرافية هجرة الكلدان، سواء أكانوا عراقيين أم إيرانيين وهم: 85000 في أميركا، 22000 في أوروبا، 1000 في أستراليا، وبضعة آلاف في بلدان الخليج. أما في البلدان التي يعبرونها أو ينتظرون فيها، فقد أحصي 20000 كلداني يبحثون عن بلد يستقبلهم.
عدد من الآشوريين الكلدان يغادرون إلى أرمينيا والى الغرب أيضاً.
نتائج هذا النزيف واضحة:
الأشخاص الأكثر ثراءً وطموحًا وثقافة هم الذين أخذوا المبادرة أولاً في الرحيل، ونجاحهم النسبي يجرّ آخرين وراءهم رغم أنهم أقل استعدادا للمغامرة هذه.
الشباب هم الذين يغادرون أولاً ما يدفع بالشابات الى ان يتزوجن من مسلمين حكمًا، ويصرن مسلمات كما هي الحال في حلات كثيرة.
ربما هناك دافع آخر إلى الهجرة، هو فقدان الرجاء بمستقبل الكنيسة، بسبب غياب التجديد وخصوصًا التجديد الديري، لأن التاريخ يخبرنا كيف كانت تلك الأديار العديدة مراكز إشعاع.
وأخيرًا شجعت الكنائس الهجرة من خلال ما علمته في المدارس ليس فقط اللغات الأجنبية، وإنما نمط حياة غربيًا وثقافة غربية أيضًا.
هجرة المسيحيين من ايران هي جزء من هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط بشكل عام ولها أسباب موضوعية خاصة بكل بلد كما ان لها أسباباً ذاتية تتعلق بهم وبسلوك الكنائس المسيحية في الشرق.
الخاتمة:
هناك عدة تحديات تواجه المسيحيين في ايران من جهة والحكومة الإيرانية من جهة اخرى.
لقد تطور النظام الإيراني من ايام الثورة الإسلامية حتى الآن في اسلوب تعاطيه مع المسيحيين، فوسّعً هامش الحريات للأقليات بشكل عام، رغم ان التجربة الإيرانية لم تكتمل بعد لكونها مازالت فتية وفي طور النمو ولكنها تتطوّر في هذا المجال.
هذا الواقع يعطي صورة مغايرة عن ايران، وهي انها قادرة على إشراك جماعات اخرى في العملية الديمقراطية. هذه العملية هي جزء من تحدي حوار الحضارات الذي اطلقه الرئيس السابق محمد خاتمي وعمل على توسيع مفهومه بين مختلف الطوائف والجماعات على المستوى العالمي ومن البديهي تجسيده على الصعيد الإيراني ليكوّن صورة ومثال.
[ads1]
ومع الأخذ بعين الإعتبار التركيب الإثني والمذهبي للجمهورية الإسلامية وهو في اغلبيته الساحقة من المذهب الشيعي، نرى ان التحدي الأكبر للنظام الإسلامي هو كيفية تعاطيه مع مختلف المذاهب والإتنيات وكيفية المحافظة على التماسك الوطني بعيداّ عن التعصب والتفكك، لذلك يعمل النظام على تطوير طريقة ومنهجية القوانين الخاصة بالأقليات واعطاءهم مزيداً من الحقوق السياسية. كما انه من مصلحة النظام العمل على استيعاب كل ابناءه لمنع اي تدخّل خارجي في شؤونه الداخلية خاصة وان الإدارة الأميركية تسعى لعزل ايران عن المجتمع الدولي وفرض حصار وعقوبات عليها اضافةً الى محاولات تحريض ودعم بعض القوى الداخلية لخلق اضطرابات فيها.
اما التحدي الأبرز فهو يقع على عاتق المسيحيين انفسهم. فهل هم قادرون على القيام بجهد من اجل بلورة المواطنية الإيرانية التي هي صورة عن الشراكة بين كل الطوائف والإتنيات.
وفي هذا الإطار، نرى ان المسيحيين يواجهون تحدي ابتداع صيغة لمسيحية ايرانية تأخذ من التعاليم والإيمان المسيحي وتجسّده في الخصوصية الإيرانية آخذين في الوقت نفسه الثقافات المشتركة والمختلفة في ايران بعين الإعتبار، ما يسمح لهم بتعميق الشعور بالإنتماء للبيئة والتراث والأرض الإيرانية. هذا الأمر يرتّب على مسيحي ايران الإبتعاد عن التبعية والتقليد لنماذج غربيّة غريبة عن ثقافتهم لا تتماشى مع المسيحية الأصيلة التي تقوم على المحبة والتسامح والتضامن مع القريب ومساعدة المحتاج.
فهل يستطيع رجال النخبة المسيحيين ابتداع طريق خاص لمسيحية ايرانية اصيلة ونابعة من واقعها ومن تراثها حتى لا تتحول الى مسيحية على هامش الحياة الإيرانية؟. وهكذا يكون التحدي الفعلي امامهم بأن لا يكونوا جالية مسيحية في ايران او مغتربين في ايران وكأنهم قطعة من الغرب مزروعة في ارضهم وبالتالي يكون التحدي الأكبر هو ان تزدهر المسيحية في اماكن تواجدهم وتستمر رغم الصعوبات والعقبات التي يواجهونها لأن المسيحية جزء من تاريخ هذا البلد. هذه الرؤية يمكن القيام بها رغم الصعوبات والتحديات والتي تتبلور من خلال الإلتزام بالقضايا الوطنية والوقوف الى جانب الحق والمظلومين مهما كانت انتمائتهم السياسية والدينية.
سركيس ابوزيد