قال المعترض : يدلّ قول المسيح لتلاميذه: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (يوحنا 20: 17)، وقوله: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ (متى 27: 46) أنه كان واحداً من البشر لا أكثر ولا أقل .
وللرد نقول بنعمة الله : المسيح هو أحد أقانيم اللاهوت، لكن بتجسُّده من جنسنا أصبحت له طبيعتان كاملتان، هما اللاهوت والناسوت. هاتان الطبيعتان متحدتان كل الاتحاد. فمن حيث اللاهوت كان ولا يزال وسيظل إلى الأبد هو الله بعينه، فمكتوب أنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً (كولوسي 2: 9) وأنه الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد (رومية 9: 5). أما من حيث الناسوت فكان كأحد الناس، ولذلك كان يدعو الله من هذه الناحية أباً وإلهاً له. لكنه كان خالياً من الخطية خلواً تاماً، الأمر الذي لا يتوافر في أي إنسان.
وتثبت القرينة صدق هذه الحقيقة، فإذا رجعنا إلى يوحنا 20: 17 وجدنا المسيح يقول إن الله أبوه وإلهه، بمناسبة إعلانه عن عودته إليه، بعد إتمام مهمة الفداء التي جاء للعالم للقيام بها لأجلنا، بوصفه ابن الإنسان.
وإذا رجعنا إلى متى 27: 46 وجدنا المسيح يدعو الله إلهاً له، عندما كان معلقاً على الصليب كفارة عن الإنسان. وكان قد سمح أن يُعلَّق عليه لهذا الغرض بوصفه ابن الإنسان ، كما أن قوله بعد ذلك لله: لماذا تركتني؟ يدل على أنه لم ينطق به كابن الله، لأنه من هذه الناحية واحد مع الآب والروح القدس في اللاهوت، ولا انفصال له عنهما على الإطلاق. لكن هناك حالة واحدة يصح أن يُترك فيها من الله، وهي حالة وجوده كابن الإنسان للقيام بالتكفير عن الناس، لأن المكفِّر يجب أن يضع نفسه موضع الذين يكفِّر عنهم من كل الوجوه، حتى تكون كفارته حقيقية وقانونية. ولما كان كل الناس خطاة، ويستحقون الترَّك من الله إلى الأبد، سمحالمسيح أن يعتبر أثيماً، وأن يُترك من الله عوضاً عنهم، وأن يحتمل كل ما يستحقونه من قصاص، حتى يصيروا أبراراً، ولهم حق الاقتراب من الله والتمتع به، إن هم قبلوا كفارته، وسلَّموا حياتهم له تسليماً كاملاً.