الدولة | مصر |
---|---|
المحافظة – المدينة | أسيوط |
الطائفة | أقباط أرثوذكس |
الموقع على الخريطة | ![]() |
🏛️ الدير
أسّسهُ القديس الأنبا باخوميوس في القرن الرابع الميلادي وبهِ كنيسة السيدة العذراء الأثرية، وتوجد في المكان الذي اختبأت فيه العائلة المقدّسة مدة ستة شهور وعشرة أيام، والكنيسة تقع تحت الأرض مسافة 120سم، ولم يستطع أحد أن يوسعها حسب رغبة السيد المسيح والعذراء مريم. أما المذبح فهو حجرٌ مكعبٌ جلس عليه السيد المسيح ولم يتغير منذ ذلك الحين، وقد شُلّت يدُ أحد الرهبان عندما حاول هدم المذبح لتوسيعه. وهذا المذبح يوجد بالضبط في منتصف مصر، وهو الذي تنبّأ عنه (أشعياء 19:19) (ويكون للرب مذبحٌ في وسط أرض مصر)، وفوق المذبح مكتوبٌ أن الذبيحة لا تنقطع من فوقه، لذا يُصلّى فيه يوميًا وباللغة القبطية فقط. وتعد الكنيسة أول كنيسةٍ في العالم بعد كنيسة القيامة، وتحت أول عمودٍ غربي الهيكل يوجد بئرٌ أنبعه السيد المسيح، وكان لها خاصية شفاء الأمراض. وبالكنيسة أيقونةٌ للسيدة العذراء رسمها القديس لوقا الإنجيلي، وهي واحدةٌ من ثلاثٍ الأولى بالقدس والثالثة بالحبشة.
وهذه الكنيسة دُشّنت بواسطة الرب يسوع له المجد بذاته، كما يذكر البابا تاوفيلس (23) أنه في يوم 6 هاتور جاء الرب يسوع مع تلاميذه وملائكته، وأمر السيد المسيح القديس بطرس أن يُصلّي القداس، ثم ناول الرب يسوع كل الحاضرين، وأخذ من الأواني المقدسة ودشّن كل المكان بيده القدوسة، وقد طلبت السيدة العذراء من ابنها الحبيب أن يبارك هذا المكان، فأخبرها أنه سوف يكون عامرًا إلى الأبد، ويستجيب الرب لكل من يطلب فيه. وكان فوق الكنيسة كنيسةٌ للأحباش باسم القديس تكلا هيمانوت، ولكنها أُزيلت سنة 1945م، ويعتبر هذا الدير من أوسع الأديرة في صحراء مصر وفي الشرق كله، حيث تبلغ مساحة أرضه 20 فدانًا.
📜 أسماء الدير
دير السيدة العذراء ـ دير المحرق، ولهذا الاسم أربع نظريات:
- كان الدير يبعد عن الماء معظم أيام السنة وتنضب مياه الحوض القريب منه، لذا سُمّي بالحوض المحرق، والأرض حوله بالمحرقة.
- كانت تنمو أعشاب الحلفاء حول الدير، وكانوا يتخلصون من كثرتها بالحرق، لذا سُمّي المكان بالمحرق.
- اعتدى على الدير بعض الغوغاء والبدو وأحرقوه، لذا سُمّي بالمحرق.
- نشبت حربٌ بين حاكم الأشمونين وحاكم قسقام، انتصر فيها الأول وأحرق قسقام، فسُمّيت المنطقة المحرقة.
ويذكر أبو المكارم أنه يسكن في المدينة المجاورة رجلٌ شرير اسمه خرتبا بن مالبق، أصيب بصاعقةٍ من السماء، ولم يتبق له أثر، فسُمّيت المنطقة بالمحرقة.
🌟 أورشليم الثانية
يرجع أهمية دير المحرق إلى ما للدير من امتيازٍ وشرفٍ ومجد. وقال المتنيح الأنبا غريغوريوس: “الدير المحرق تاريخه ووصفه وكل مشتملاته”، لأن أنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي إيداع رقم 4676/1992 ص 35-40، وذلك لأنه يحتوي المكان المقدّس الذي مكثت فيه العائلة المقدّسة أطول مدة أقامتها في مصر، مقارنة بأي مكانٍ آخر قصدته في رحلتها المقدّسة.
وصار المكان الذي سكنوا فيه هذه المدة (الكهف) هيكلاً تُقام فيه الصلوات اليومية بلا انقطاع بكنيسة العذراء الأثرية بدير المحرق. وفي نفس البقعة المقدّسة أجرى مخلصنا في طفولته العديد من العجائب والمعجزات وآيات الشفاء، وكان وجوده بركةً للكثيرين في عصره وبركةً لكثيرين في العصور اللاحقة وحتى الآن.
وفي نفس البقعة أيضًا ظهر الملاك ليوسف خطيب مريم العذراء في حلمٍ أعلمه فيه الملاك بموت هيرودس الذي يريد أن يقتل الصبي، وأمره بالعودة إلى الأراضي المقدّسة، وذلك حسب النص الذي أورده الكتاب المقدّس: “فلما مات هيرودس، وإذا بملاك الرب قد تراءى في حلمٍ بمصر، قائلاً: قم خذ الصبي وأمه وأذهب إلى أرض إسرائيل، فإنه قد مات الذين يطلبون نفس الصبي. فقام وأخذ الصبي وأمه، وجاء إلى أرض إسرائيل” (إنجيل متى 2:1-8).
ويذكر التاريخ المتناقل عبر الأجيال أنه يبدو أن هيرودس علم بهروب العائلة المقدّسة إلى مصر، وأن المسيح المولود ملك اليهود لم يكن بين الأطفال الذين أمر بقتلهم في بيت لحم اليهودية، فأرسل عشرة جواسيس وراءهم وأمرهم أن يفتشوا بتدقيق عن الصبي، ويأتوا به حيًا ليقتله بيده، ولكن الجواسيس العشرة لم يهتدوا للصبي الإلهي ولم يعرفوا طريقته لأنه أخفى عن أعينهم. كما كانت العائلة المقدّسة تغيّر مكان إقامتها من شمالٍ وجنوبٍ وشرقٍ ثم غرب، فهل كان هذا بوحي إلهي؟ ولكن جاء الخبر بموت هيرودس قبل أن يتمكن الخبيث من بلوغ مأربه.
ويعتبر دير المحرق من أهم المحطات التي استقرت بها العائلة المقدّسة، ويشتهر باسم “دير العذراء مريم”. تعتبر الفترة التي قضتها العائلة في هذا المكان من أطول الفترات، ومقدارها “6 شهور و10 أيام”، وتعتبر الغرفة أو المغارة التي سكنتها العائلة أول كنيسةٍ في مصر بل في العالم كله. ويعتبر مذبح كنيسة العذراء الأثرية في وسط أرض مصر، وعليه ينطبق حرفيًا قول الله على لسان نبيه أشعياء: “وفي ذلك اليوم يكون مذبحٌ للرب في وسط أرض مصر”. وفي نفس المكان ظهر ملاك الرب ليوسف النجار في حلم، وأمره الذهاب إلى أرض إسرائيل (متّى 20:2).
🏺 أهم المعالم الأثرية بالدير
إن الشيء القديم قيمته ليست في مادته المصنوعة منها، ولكن قيمته في أنه يحيي التراث وروح الآباء والأجداد، ويشيع في النفس روح الافتخار والعِزّ بإنجازات الأقدمين الذين بذلوا وتعبوا في بنائها أو صنعها. كما يرينا طول أناتهم العجيب، وسمو أخلاقهم، ومبادئهم القوية، وروحانيتهم العميقة، في بساطة الفكر وقوة الإيمان.
فكم يكون بالحرى لو كانت هذه الآثار القديمة باركها السيد المسيح بنفسه، كالبيت المهجور الذي سكنه وهو طفل وأصبح كنيسة السيدة العذراء الأثرية بالدير.
في الحقيقة، أنه ليس بالدير حاليًا كم من الآثار القبطية إذا قورن بالأماكن القبطية الأثرية المنتشرة في مصر، وذلك لأنه حاز منذ القدم على شهرة واسعة جعلت منه مزارًا على مدى الأجيال. لأنه كلما كانت هناك فرصة متاحة، كان يحدث تجديدٌ في المباني أو إضافةٌ جديدة حتى يكون مناسبًا لاستقبال الزوار وإيواء الغرباء والمترددين عليه.
لذا لا توجد حاليًا أية آثار متبقية من المباني أو الأسوار القديمة جدًا، إلا المنطقة الأثرية بالدير والجزء المتبقي من السور في الجانب الجنوبي الشرقي الذي يرجع تاريخه للقرن 19 الميلادي.
أما بالنسبة للأيقونات وخلافه من الفن القبطي، فقد خرج منها الكثير قديمًا من الدير، حيث كانت تمنح هدايا على سبيل البركة، هذا غير ما تلف منها. وقد كانوا قديمًا لا يفطنون إلى أهمية الأثريات والحفاظ على ما هو قديم، فان الاهتمام بالآثار والتحف الأثرية القبطية في مصر لم يظهر بصورة واضحة إلا في أواخر القرن 19، عندما عين العلامة ماسبيرو Maspero مديرًا لمصلحة الآثار المصرية سنة 1881م، خصص قاعة في المتحف المصري جمع فيها شتاتًا من الآثار القبطية.
ومن الذين اهتموا بالآثار القبطية أيضًا العلامة الإنجليزي ألفريد بتلر A. Butler، الذي ألف كتابًا من جزأين عن الكنائس القبطية القديمة بمصر (The Ancient Coptic Churches Of Egypt, Oxford 1884)، متضمنًا بحثًا علميًا قيّمًا عن الآثار القبطية وأهميتها، وكتب فيه أن الكنيسة القبطية هي أعظم أثرٍ للمسيحية الأصلية.
وبعد ذلك تحفّزت همة بعض المصريين وعلى رأسهم مرقس سميكة (باشا)، الذي اهتم بإنشاء متحف متخصص بالآثار القبطية فقط (المتحف القبطي حاليًا).
أما أول من طرق باب الحديث عن الفن القبطي وأصوله هو العالم الفرنسي جاييه Al-Gayet في كتابه l’Art Copte المطبوع عام 1902م، ودافع عنه بعدما كان يعتبره بعض العلماء أنه من أنماط الفن البيزنطي (اليوناني)، والبعض الآخر يعتبره بدائيًا وأولى.
ومن المسلم به أن عمل الأيدي المبدع هو نتيجة تفاعل الفكر التصوري مع الإرادة الممزوجة بالمشاعر الخلاقة، فهذا فان بيئة فنها الخاص تصوّر وتعبر عن أحاسيس أهلها ومشاعرهم وأحلامهم وآمالهم.
كذلك فإن الفن القبطي ليس فنًا دينيًا فحسب، كما ظن البعض، بل هو فن شعبي أصيل يعبر عن الأحاسيس الصادقة للشعب، فهو خارج منهم لخدمتهم لأنه وليد البيئة التي عاش فيها الفنان، الذي يخضع للتقاليد التي ورثها من آبائه وأجداده، وقد يضيف إليها شيئًا من عنده، غير أنه لا يخرج عن سمة بيئته وعن كل ما توارثه وشاهده وألفه فيها.
ويقول مستر جاييه إن الفن القبطي في كل فروعه المختلفة هو صورة معبرة عن العمق الإيماني والتقليد الروحاني للفنان القبطي، الذي يخرج من أصالته الشرقية ومسيحيته المتغلغلة في دمائه. لهذا فإن الفن القبطي يختلف تمامًا عن الفن البيزنطي (اليوناني)، لأن الفن القبطي يحتوي على التأمل العميق والرمزية في التعبير، التي تجعله مليئًا بالأسرار، هذا بعكس ما في الفن البيزنطي (والغربي أيضًا)، الذي يميل إلى تصوير بعض الأمور البيئية بصورة مستبيحة وفاضحة.
والعجيب أيضًا أنه بالرغم من الاضطهادات المريعة التي مرت عليها الكنيسة القبطية، فلا توجد أي أيقونة أو نقش يصور الأم القديسين أو عذابات الخطاة في الجحيم، أو أية أشكال مرعبة مثل اتجاه الفن المسيحي الغربي عمومًا. لذلك انفرد الفن القبطي، وخصوصًا الأيقونات، بسمات تميّزه – على حد وصف الدارسين له – فهم يعبرون عن الحياة المفرحة المملوءة بروح الغلبة وقوة الروح، بالإضافة إلى سمة البراءة وروح الحب واللطف وطهارة الفكر.
⛪ كنيسة السيدة العذراء الأثرية
تنفرد هذه الكنيسة ببساطة بنائها – بالرغم مما طرا عليها من تعديلات وترميمات – فهي لا تدخل تحت المنهج العلمي للفن المعماري في الآثار القبطية، أو بمعنى آخر إنها انفردت في بنائها المعماري حيث إنه بسيط، غير متكلف – من الطوب اللبن – والحوائط غير المنتظمة، وعدم وجود أية نقوش زخرفية عتيقة أو رسومات قبطية مرسومة على حوائطها، وبلا شك هذا يدفع الشاهد المتأمل إلى التعجب ويحير عالم الآثار، لأن علم العمارة الأثري، وخصوصًا العمارة القبطية للكنائس الأثرية، له قواعده العلمية لتحديد زمن المباني من طريقة البناء وتقاسيمه الداخلية.
📐 بساطة المبنى وصعوبة التحليل العلمي
أما بساطة مبنى الكنيسة وعدم تعقيده وعدم تجانسه، فقد أدى إلى صعوبة وضع منهج علمي يُستنتج منه القيمة الفنية في البناء، كما هو حادث في الكنائس الأثرية عموما. وقد قام العالم الأثري الشهير فيلارد Monnert De Villard في أوائل القرن العشرين بعمل دراسة مستفيضة للكنيسة الأثرية بالدير لتحديد تاريخ المبنى وعمل مقارنة بينه وبين كنائس الصعيد الأعلى القديمة، وفي نهاية المقارنة استُنتج ما يأتي قائلا: “إن الكنائس التي عند حافة الصحراء الغربية كثيرة الغموض ومظلمة، لأن الأبحاث والمقارنات ينقصها الكثير…”. ثم استطرد وقال: “فإن البحث عن مثل طراز كنيسة دير المحرق يبوء بالفشل.. ولنلجأ للتفكير في نظام آخر”. فقام الأثري بعمل دراسة مقارنة بين الكنيسة الأثرية والجوامع الأثرية داخل مصر، ثم ذهب بالمقارنة إلى خارج مصر في كنائس وجوامع إيران والعراق، ولم يصل إلى فائدة مرجوة للاختلافات الكثيرة بين المباني، حتى أنه لم يتمكن من تحديد تاريخ إنشاء مبنى الكنيسة علميًا، فرجع إلى بعض المحفوظات القديمة واستنتج أن الكنيسة بُنيت في القرن الثاني عشر الميلادي!
🛕 التقليد العريق وأصالة الكنيسة
إن هذا الانفراد العجيب في عدم إمكانية تطبيق القواعد العلمية بصورة صحيحة على هذه الكنيسة الفقيرة في بنائها هو شاهد عظيم على قدمها وأصالتها، وأنه بالرغم مما مر عليها من تعديلات، يؤكد ويشهد على أنه كان هناك تقليد قوي وروح مؤثرة عبر العصور على الذين عاشوا في هذا المكان، جعلهم يتركون الكنيسة على بساطتها حتى لو رمموها. ألم يكن في مقدورهم بناء كاتدرائية عظيمة مكانها لتكون مناسبة ومشرقة لمكانة المكان الذي جاءت إليه العائلة المقدسة وباركته؟
🏛️ المعماري والتاريخي خلال الترميمات
إن الباحث في معمار الكنائس القديمة في مصر يرى أن بعض الكنائس بعدما أعيد ترميمها أصبحت تحفة فنية من الفن القبطي البديع، إلا أنه لم يحدث مثل هذا في كنيسة العذراء الأثرية أثناء ترميماتها المختلفة حتى القرن 19 الميلادي (ما عدا القباب الثلاث – أعلى الهيكل – التي أنشئت في القرن 16 الميلادي). إذاً، لهو تقليد ثابت قديم، راسخ في أعماق آباء هذا الدير: وهو عدم تغير الكنيسة بناءً على أمر إلهي، مؤداة أن تبقى الكنيسة على ما هي عليه شاهدة عبر العصور على اتضاع الابن الوحيد الذي أخذ شكل العبد ليخلص شعبه، حسب ما أوضحته السيدة العذراء للبابا ثيؤفيلس 23.
فالكنيسة كما يشهد التقليد والتاريخ هي البيت المهجور الذي عاشت فيه العائلة المقدسة وبقي على مساحته كما هو حتى القرن 19، وعندما تحول البيت في العصر المسيحي المبكر إلى كنيسة تم عمل التقاسيم والحواجز المناسبة لطقس الكنيسة، فتم عمل حضن الأب في شرقية الهيكل – الذي يرمز لاشتياق الله إلى كنيسته وهي تنتظر مجيئه – كما أنشئت حجرتان على جانبي الهيكل، يتضح فيهما البساطة البعيدة عن أي علم أو فن معماري، إلا أنهما متطبعتان بالطقس الكنسي الأصيل العريق في القدم.
🧱 استخدام الحجرة وخدمة الكنيسة
فقد أُستخدمت الحجرة اليسرى لملابس الكهنة، وهي لذلك بدون باب يفتح على صحن الكنيسة. والحجرة اليمنى فهي لخدمة الشمامسة، وبها حفرة في الأرض أسفل الحائط الشرقي مباشرة لتفريغ الشورية بعد انتهاء الصلاة.
وحينما أراد عامل البناء القبطي تحويل البيت إلى كنيسة – في ذلك الزمان – وبناء الأعمدة الأربعة التي تحيط المذبح رمزًا للإنجيليين الأربعة طبقًا للنظام الكنسي، فلضيق المساحة، ولأسلوبه الريفي غير المتكلف، شكلها على الحائط الأيمن والأيسر وعمل لها تيجانًا على شكل (بصلة).
🪨 المذبح الحجري والمعجزة
وأهم ما في الهيكل المذبح الحجري، فالمذابح الحجرية عموما معروفة لدى علماء الآثار بأنها استُخدمت منذ عصرٍ مبكر جدًا. والتقليد أيضًا يؤكد على قدم هذا المذبح، حيث أنه هو الحجر الذي جلس عليه السيد المسيح له المجد وهو طفل، وباركه بيمينه الإلهية ليدوم مدى الأزمنة والأجيال. ولهذا المذبح قصة عجيبة ذكرها نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس نقلاً عن بعض الشيوخ من رهبان الدير، ففي الستينيات من القرن العشرين رأى أحد رؤساء الدير في القرن العشرين أن المذبح صغير ولا يتسع للذبيحة المقدسة وأوانيها، فرغب في إزالة المذبح لإقامة مذبح آخر أكبر حجمًا، فالراهب الذي تناول الفأس إطاعة لأمر الرئيس، شُلّت يده عندما ضرب أول ضربة، فصرخ وامتنع عن مواصلة العمل، ولم تعد يده إلى الحركة إلا بعد استرحام وصلوات ودهنها بالزيت المقدس. فكانت هذه المعجزة عبرة وعظة.
ولهذا اهتم نيافة الحبر الجليل الأنبا ساويروس أسقف الدير الحالي بالحفاظ على الوضع الأصيل والأثري لهذا المذبح، حيث لا يوضع على المذبح إلا الأواني المقدسة الخاصة بخدمة القداس الإلهي، أما الشمعدانات فتوضع فوق الأرضية حول المذبح.
📏 شكل المذبح والرخامة التاريخية
المذبح على شكل مكعب غير متساوي الأضلاع، على سطحه رخامة لها حافة على شكل نصف دائرة، ومنقوش عليها باللغة اليونانية نصها: “نيح يارب الطوباوي كلتوس”، وتاريخها 15 كيهك سنة 463 ش، الموافق 11 ديسمبر سنة 746م. وتعتبر هذه الرخامة النصف دائرية من الأشكال النادرة التي تنفرد بها المذابح القبطية الأثرية في مصر. وفكرة النصف دائرة هي تقليد قبطي قديم ظهر في الأيقونات التي تمثل العشاء الرباني، وفيها المائدة على شكل النصف دائرة.
ويلاحظ أيضًا أن أبواب الهيكل الداخلية والخارجية، وحتى أبواب الكنيسة نفسها كلها منخفضة الارتفاع، مما يجعل المؤمن المار خلالها يحني هامته خشوعًا واحترامًا لبيت الرب. ويعتبر الهيكل بحجرتيه والمذبح أقدم ما يوجد في الكنيسة الأثرية، ومع تعدد الترميمات أصبحت حوائطه سميكة.
🪟 صحن الكنيسة والقباب القديمة
أما صحن الكنيسة، فكما يتضح من الرسم، فقد تغيّر في القرن التاسع عشر الميلادي عما كان عليه، ولم يتبق من القديم – الذي قبل القرن 19 – إلا الحائط القبلي الممتد في الخورسين الأول والثاني فقط. أما بقية الحوائط (بقية الجزء القبلي في الخورس الثالث، والحائط الغربي، والحائط البحري) فقد تم إنشاؤها في القرن التاسع عشر الميلادي. ومن الصعب الجزم بوجود قباب قديمة أعلى صحن الكنيسة من عدمه، كما يلاحظ أيضًا أن أبواب الكنيسة ومغاليقها، وخصوصًا الباب الأوسط، قديمة جدًا ويستدل على ذلك من صناعتها. ويشهد التاريخ – طبقًا للمعلومات التي تم جمعها حتى الآن – على أن الكنيسة لم تُخَرَّب، ولكن من الطبع يجب أن تُرمَّم من حينٍ لآخر، لأن مبانيها من الطوب الأخضر (اللبن).
🛠️ الترميمات التاريخية للكنيسة
الترميمات التي تم التوصل إليها هي:
في القرن السادس عشر الميلادي: تم الترميم مع بناء القباب الثلاث أعلى الهيكل.
في القرن التاسع عشر الميلادي: تم توسيع صحن الكنيسة قليلًا، وبناء القباب السبع أعلى صحن الكنيسة محمولة على حنيات ركنية Squinches، وأصبح لصحن الكنيسة ثلاث خوارس، وهو نفس التقسيم العريق للكنائس في القرون الأولى: خورس السامعين (أي الموعظين قبل العماد)، خورس الباكين (أو التائبين)، وخورس المؤمنين (المشتركين في سر الإفخارستيا). كما أنشئت الصالة الخارجية يتوسطها عمودان، ومغطاة بسقف خشبي (أنشئت على سطحها الكنيسة الحبشية).
في الثلاثينيات من القرن 20 الميلادي: تم وضع طبقة من المصيص (الموجودة حاليًا) في كل مبنى الكنيسة (داخلها وخارجها)، ووضع البلاط في أرضيتها، وأُلغيت كنيسة الأحباش حيث تأثر المبنى من الأحمال الزائدة.
🖼️ حامل الأيقونات (الإيقونستاسز)
حامل الأيقونات، الذي يُطلق عليه اسم حجاب الهيكل، يُعد جزءًا أصيلاً من الطقس الكنسي والهيكل القبطي الأصيل، محافظًا على بساطة الكنيسة وروحها التاريخية.
🪑 حاملان الأيقونات بالكنيسة
يوجد حاليًا في الكنيسة حاملان:
- الأول، وهو أمام الهيكل مباشرة، يحجز بينه وبين صحن الكنيسة، ويرجع إلى القرن 16 / 17 الميلادي، وعموماً وعلى حسب المؤرخ الكنسي الأنبا يوساب أسقف فوه – في تاريخ البطاركة – أن البابا غبريال بن ترك 70 (1131 – 1145م) هو أول من أوجد فكرة المقاطع الخشبية على الهياكل، لأنه لم يكن ثمة مقطع إلا على كنيسة أبي سرجة لا غير.
- الثاني، فبجوار الأول وهو حامل الأيقونات المنقول من كنيسة الأحباش، وعلى بابه قطعة خشب مكتوب عليها بالفضة.
✝️ الإيقونستاسز الأول والرموز القبطية
الإيقونستاسز الأول مكوَّن من قطع صغيرة من الخشب هندسية الشكل ومجمعة بدقة – بطريقة التعشيق – في شكل وحدات متكررة على هيئة صليب محفور ومطعم بالعاج. وفي زوايا الصليب الأربع يوجد شكل مطعم بالعاج يشبه السمكة، وهي في أول أطوار نموها – الخارج للحياة الجديدة – ترمز للبشائر الأربع للحياة الجديدة المرتكزة على صليب السيد المسيح، مركز الحياة ونبعها الأصيل في حياة المؤمن، وعلامة المجيء الثاني المنتظر: “وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء” (متى 24:30).
أما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح (غلا 6:14). وهنا تتضح المعاني الجميلة التي هيأتها الكنيسة في ارتباط الفن القبطي بالطقس الليتورجي، فلقد أُستخدمت الرموز في الكنيسة الأولى لما تحمله من معانٍ روحية عميقة تعجز لغة الكلمات أن تعبر عنها.
📖 حامل الأيقونات ككتاب كنسي
إن حامل الأيقونات، بوضعه ساترًا على الهيكل مواجهاً للمؤمنين، وما عليه من أيقونات جميلة وصلبان منقوشة في الخشب بصورة بديعة، لهو كتاب كنسي مكتوب بلغة بسيطة وسهلة، يعلن لجميع الأجيال عن محبة الله للبشر. وتوجد على الباب الرئيس للهيكل كتابة بالفضة.
ويبدو أن دوران هذا الباب صُنع من خشب أقدم من باقي خشب حامل الأيقونات، حيث محفور عليه – من الخلف – بعض النقوش التي تُثبت قدم الخشب. وفي وسط الدوران عُلّقت حلقة معدنية لتعليق الشورية عليه أثناء بعض الصلوات، كما ذُكر عند الحديث عن طقوس الكنيسة. ومن المعروف أن للهيكل قدسيته الفائقة، فلا يجوز للعلمانين أن يشتركوا في الأسرار المقدسة داخل الهيكل نهائيًا، لذلك توجد طاقتان على جانبي باب الهيكل الرئيس لهذا الغرض، وهو اشتراك المتناولين من الأسرار المقدسة من خارج الهيكل.
🕯️ القناديل وبيض النعام
إذا كانت الكنيسة رمزًا للسماء، فالقناديل والشموع رمزًا للنجوم، لأنه إن كانت السماء المادية محلاة بالأنوار – النجوم – فكم بالأولى يجب أن تحلى السماء الروحية.
والأنوار في الكنيسة هي تسليم رسولي، حيث كانت العلية تُضاء بمصابيح كثيرة (راجع أع 20:8)، وليست رمزًا مثل الذبائح التي أبطلت بذبيحة السيد المسيح الكفارية.
فالقناديل الموقدة من زيت الزيتون النقي تعبر عن نور السيد المسيح الذي يشرق خلال قديسيه، وتُوقد القناديل أمام الأيقونات في الكنيسة أثناء الصلاة والقداس الإلهي. أما قنديل الشرق فهو يُضاء دائمًا حتى لا تدخل نار غريبة للكنيسة، ورمزًا لما قاله الرب لموسى عن السراج: تكون موقدة على الدوام في قبة الشهادة (راجع خر 27:20-21)، وهو يشير أيضًا للنجم الذي ظهر للمجوس في المشرق. وكذلك القناديل التي أمام باب الهيكل (ولكنها أُلغيَت حاليًا بسبب عبث البعض بها) يجب أن تُضاء أيضًا باستمرار.
وكانت الكنيسة تزين بالقناديل المعلقة بينها بيض النعام، الذي يرمز إلى عناية الرب الدائمة، لأن النعام لا يترك بيضه بل يحرسه دائمًا بالتناوب بين الذكر والأنثى حتى يفقس، وقيل إنه إذا أغفل طائر النعام عن بيضه فسد. فهكذا عيني الرب لا تُغفل عن رعيته التي اقتناها بدمه الكريم.
🖼️ الأيقونات في الكنيسة
تُعتبر الأيقونات من خلال ألوانها البسيطة والجميلة رسالة إنجيلية تعليمية صامتة للطفل والشيخ والمتعلّم، وعظة بلغة سهلة للمؤمن الأمي، فهي بذلك مفتوحة للجميع وجَديرة أن تُسمّى بالكتاب الشعبي.
وتُثبَّت الأيقونات فوق الحامل الخشبي (الأيقونستاسز) لكي تُسحب النفس إلى السماء حيث تجد السيدة العذراء والآباء الرسل والقديسين، ولتلهبها لتشتاق إلى المجد الأعلى.
ومادمنا نعيش في الجسد، فالحواس في حاجة إلى الملموس والمنظور لنقله إلى داخل القلب في عيد المنظور، وتكون بذلك وسيلة وأداة للصلاة، ولذا فله علاقة بحياة المسيحي.
✝️ حرب تحطيم الأيقونات وأهمية تكريمها
لقد مزج بعض من غير الروحيين والمبتهجين بالمذهب العقلاني بين تكريم الأيقونات وعبادتها، واعتبروها باطلة بافتراض أنها عبادة وثنية. وهذا كان المبدأ الذي قامت عليه حرب تحطيم الأيقونات في كنائس الإمبراطورية الرومانية في القرن الثامن الميلادي.
ولكنها انتهت بظهور المخلصين الذين دافعوا بشدة عن الحق الأصيل، وكان من أبرزهم الأب يوحنا الدمشقي، الذي أفرد ردًّا مطولًا يبين فيه أهمية الأيقونات ووجوب تكريمها لا عبادتها، وتتلخّص فيما يلي:
إن الله قد وضع لليهود هذه الوصية الثانية من الوصايا العشر القائلة: “لا تصنع لك صنمًا أو تمثالًا منحوتًا …” لأنهم كانوا سريعّي السقوط في عبادة الأصنام، أما نحن الذين أُعطيت لنا نعمة الإيمان ونعمة الاتصال بالله – على حد اصطلاح اللاهوتيين – بعد أن هجرنا البدع الخرافية وعرفنا الحقيقة، فيختلف الأمر معنا عن اليهود، وذلك لأنه أعطانا أن نعبد الله الواحد، وأن نغرف من معين كمال المعرفة الإلهية ونصبح أناسًا كاملين، وخصوصًا أننا قطعنا مرحلة الطفولة ولسنا بحاجة بعد إلى مؤدب.
وفوق هذا، فنحن قد حصلنا من الله على مقدرة تحكم العقل، وأصبحنا نعرف ما هو الذي يمكن تصويرة وما هو ذاك الذي لا يمكن التعبير عنه بالصورة والرسم.
🎨 تمثيل غير المنظور والرموز الإنسانية
نعم، “الله لم يره أحد قط”، وأنه ليس بالامكان التعبير عن غير المنظور بالايقونة، ولا الوصول إلى إدراك غير المدرك، ولا عرضه ولا حجمه لأنه غير محدود، ولا تخطيط لمن هو بلا شكل ولا مادة. كما أنه ليس بمقدورنا تمثيل من لا حجم له بالألوان، إنما هناك أمور أخرى تظهر وتعلن لنا بصورة سرية.
فمن البديهي، مثلاً، أنك عندما تشاهد من لا جسم له قد اتخذ جسدًا لأجلك، فإنك تصوّر شكله البشري. وعندما ترى غير المنظور صار منظورًا بالجسد، فلك أن ترسم بالأيقونة صورة من أصبح موضعًا للنظر واللمس والسمع. وعندما ترى “الله أخذ صورة عبد وصار على شبه الناس”، لا تتأخر بالطبع في أن ترسم على الألواح صورته، ليشاهد الناس الآتون بعدك ذاك الذي تنازل وقبل أن يراه الناس.
أجل، ارسم تنازله الذي لا يُعبر عنه بالكلام وحده، صور ولادته من عذراء في مغارة، ومعموديته في الأردن، وآلامه وصلبه الخلاصي، ودفنه وقيامته وصعوده إلى السماوات. ولا تبخل أن تنقل هذه الأمور إلى إخوانك بني الإنسان، إما بالكلام وإما بالرسم، ليحيوا من رسم عليها ويسجدوا لشخص المُمثل فوقها.
اعمل ولا تخشَ في عملك أحدًا، لأني أعرف الفرق بين سجود وسجود. أعرف أن السجود العبادِي لله هو غير السجود الإكرامي للقديسين وأيقوناتهم، والسجود للتوقير والإكرام، مثل:
1- السجود للملائكة كما سجد يشوع لرئيس جند الله (يشوع 5:14)، وكما فعل لوط ودانيال.
2- والسجود في الأماكن المقدسة (مز 5:7)، (مز 99:5).
3- وسجود الناس لبعضهم لأجل أن بعضهم نال كرامة، أو لأجل التعبير عن مشاعر عميقة (تك 23:7،12)، (تك 42:6).
وهكذا، فإن أصناف التوقير والتكريم كثيرة جدًا في الكتاب المقدس، فإذا السجود للرب الإله خالق السماء والأرض شيء آخر. وسجودنا للصليب والأيقونات لا يعني أنها آلهة نعبدها، لأنه حينما نسجد ونوقر للصليب، فإنما نسجد للمصلوب لا للخشب، وإلا كنا نسجد لجميع الأشجار.
كما أننا نكرم ونوقر قديسي الرب، الذين نسجد لهم ونعيد لهم من كل قلوبنا، ولذلك يجب أن نقدم لهم الإكرام في سجودنا أمام أيقوناتهم، وليس السجود لمادة الأيقونة، حاشا.
كما أن الخدمات الليتورجية في الكنيسة مملوءة بصنوف الآداب السامية في التكريم والتوقير لكل المواد المستخدمة، لأنها تكرست (أي خُصصت) للرب وحده، وأصبحت وسيلة مادية مقدسة لها معانيها الرمزية العميقة، نقدم بها عبادتنا الروحية لتملأ حياة المؤمن بالخشوع والرهبة.
🕊️ أقدم الأيقونات بالدير
التي تم التعرف عليها ترجع إلى القرن 18 الميلادي، وهي:
- أيقونة هروب العائلة المقدسة، المرسومة على النسيج، وبالدراسة تبين أنها رُسمت بيد يوحنا الأرمني، الذي كان مشهورًا في ذلك الوقت برسم الأيقونات الجميلة، ويلاحظ في الأيقونة لمساته الواضحة، ومنها أنه استخدم ملابس فلاحّي الأرمن ومناطق الشام.
- أيقونة الشهيد مارجرجس الفلسطيني (1510 ش – 1794م).
⛪ أيقونات الكنيسة الأثرية
الأيقونات المركبة على الأيقونستاسز (حجاب الهيكل):
- أيقونة للسيدة العذراء الملكة وأيقونات التلاميذ، ترجع للقرن التاسع عشر الميلادي.
- أيقونة عماد السيد المسيح، يرجع تاريخها إلى 1565 ش (1849م).
أيقونة السيدة العذراء الملكة (المعلقة على الحائط القبلي):
يذكر المؤرخ الشهير الأنبا ساويروس بن المقفع أسقف الأشمونين أن القديس لوقا الإنجيلي رسم ثلاث صور مختلفة للسيدة العذراء، وقد تواترت على الألسن أن هذه الصورة مأخوذة من إحدى الصور الثلاثة الأصلية للقديس لوقا الطبيب، وقيل إنها ترجع إلى 650 عامًا تقريبًا.
وهناك رأي آخر – يؤيده بعض المتخصصين في الأيقونات الأثرية – أن الأيقونة ترجع إلى القرن 19 الميلادي، لأن رسامها هو الرسام المعروف أنسطاسي الرومي القدسي، جاء من أورشليم وعاش في مصر ورسم صورًا كثيرة في كنائس قبطية عديدة، وذكر في بعض الأيقونات باسم (أسطاسي أو أسطاسيوس).
وقيل إنه أخذ ملامح أيقوناته من إحدى الأيقونات التي رسمها القديس لوقا الطبيب، والكتابة أسفل الصورة هي: “وقف مؤبد، وحُبِس مخلد، على بيعة الست السيدة بالدير المعروف بجبل قزقام. عوض يا رب من له تعب في ملكوت السموات وأذكر يا رب عبدتك مريه ونيح نفسها في فردوس النعيم، ويجعل لها حظ ونصيب مع قديسيه بشفاعت العذري وطلبات أبائنا القديسين في كل حين، آمين”.
أيقونة الصعود: من القرن التاسع عشر الميلادي.
أيقونة السيدة العذراء (القروية): قديمة، وتظهر فيها السيدة العذراء مع ابنها الحبيب بملابسها القروية البسيطة، وأسفلهما بالترتيب من اليمين إلى اليسار: الأنبا أنطونيوس، أبو سيفين، مارجرجس، والأنبا بولا.
أيقونة القمص ميخائيل البحيري المتنيح في 23/2/1923، رسمها القس عبد النور المحرقي سنة 1649 ش (1932م) في فترة رئاسة القمص تادرس أسعد.
🛕 إنشاء الكنيسة وتاريخها الحديث
أنشأ هذه الكنيسة القمص عبد الملاك الأسيوطي رئيس الدير في أواخر القرن 18 الميلادي بإمكانيات بسيطة، وفي سنة 1878م – أمشير 1594 ش – بدأ القمص ميخائيل الأبوتيجي رئيس الدير في إنشاء كنيسة جديدة باسم السيدة العذراء على أنقاض كنيسة مارجرجس، وانتهى منها في سنة 1880م.
وأُطلق على المذبح البحري اسم يوحنا المعمدان، وعلى المذبح القبلي مارجرجس، على أساس أن المذبح الأوسط هو بالاسم الجديد للكنيسة، وهو اسم السيدة العذراء.
وقد كُتب أعلى المدخل البحري للكنيسة من الخارج:
“افتحوا أيها الملوك أبوابكم، ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، ليدخل ملك المجد. من هو ملك المجد؟ الرب العزيز القوى، الجبار القاهر في الحروب هو ملك المجد. هذا هو باب الرب، وفيه يدخل الأبرار. أذكر يا رب عبدك القمص ميخائيل الأبوتيجي رئيس دير المحرق المهتم بتجديد هذا الموضع المقدس سنة 1596 للشهداء.”
🖼️ حامل الأيقونات وقصته العجيبة
لحامل أيقونات هذه الكنيسة قصة عجيبة، كانت معروفة عند رهبان الدير، ويذكرها نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس، مؤداها:
أن بعض الجكام الأتراك جاءوا إلى الدير، فاكرمهم الرهبان إكرامًا أذهلهم، وكتعبير عن امتنانهم وعدوا الرهبان باستصدار فرمان بموجبه يصير للدير ملكية 285 فدانًا من الأرض المجاورة. وذهب الحكام، وخشى الرهبان أن يُهمل أمر الفرمان، فتحرك الحماس والغيرة في قلب أحدهم ويدعى الراهب القس صليب بيوحا الهوري، فذهب إلى إسطنبول ماشياً أو راجلاً للحصول على الفرمان، وقد نجح فعلًا في الحصول على الفرمان.
وفي طريقه مرّ ببلاد الشام، وكان يجمع تبرعات لبناء الكنيسة، فقابله هناك رجل، فلما سأله الراهب أن يتبرع له بشيء للكنيسة، أشاح بيده في وجهه، فَبست كل ذراعه. فصرخ مستغيثًا بالراهب أن يُصلّي من أجله، ففعل، فعادت ذراع الرجل سليمة كما كانت، فذهل وتبلع بحجاب للكنيسة.
والبَاظر إلى الحجاب يجد في الجانب الأيسر من باب الهيكل الأوسط صورة القديس باسيليوس الكبير، وفوقها كُتبت العبارة:
“أنشأ (أنشىء) هذا المحل في رئاسة القمص ميخائيل الأبوتيجي، أذكر يا رب المهتم بهذا الحجاب القسيس صليب الهوري الراهب.”
🖼️ أيقونات الكنيسة المثبتة والمقصورات
أولًا: الأيقونات المثبتة على الأيقونستاسز (حامل الأيقونات)، وهي من الفن البيزنطي الأصيل، ورسمها فنانان مشهوران في مدينة أورشليم في أواخر القرن 19 الميلادي وهما:
- نقولا تاودوري الأورشليمي
- دمترى جرجس الأورشليمي
ثانيًا: أيقونة السيدة العذراء الملكة داخل المقصورة، وهي من رسم أنسطاسي الرومي القدسي في القرن 19 الميلادي.
🏛️ صحن الكنيسة والمعمودية
صحن الكنيسة مصمم على نمط القرون الوسطى، حيث أن النساء لهم مكان مخصص في الدور الثاني بالكنيسة يطل على صحن الكنيسة.
وفي الناحية الشرقية القبلية، خارج الكنيسة، توجد المعمودية التي كانت مستخدمة لتعميد الأطفال، إلى أن أُنشئت كنيسة السيدة العذراء الجديدة سنة 1964م.
وقد قام نيافة الحبر الجليل الأنبا ساويرس رئيس ديرنا العامر – أدام الله حياته – بتجديد هذه الكنيسة في أواخر عام 1990م بهمة ونشاط، وافتُتحت بعد التجديد في تذكار نياحة القديس القمص ميخائيل البحيري، حيث تم وضع رفاته في مقصورة خاصة في صحن الكنيسة بحضور ثلاثة عشر أسقفًا من أحبار الكنيسة الأجلاء، وذلك في 16 أمشير 1707 ش الموافق 23 فبراير 1991م.
⚰️ مدفن الرؤساء تحت المعمودية
أسفل حجرة المعمودية يوجد مدفن الرؤساء، دفن فيه:
1- القمص صليب وهبه، رئيس الدير عام 1905م.
2- القمص ميخائيل البحيري عام 1923م (تم إخراج رفاته كما ذكر أعلاه).
3- الأنبا ساويرس، أسقف صنبو وقسقام عام 1925م.
4- الأنبا باخوميوس، أسقف الدير عام 1928م.
5- الأنبا باخوميوس الثاني، أسقف الدير عام 1964م.
6- القمص بنيامين المحرقي عام 1994م.
7- الراهب أغابيوس المحرقي عام 1994م.
⛪ كنائس قديمة أخرى بالدير
من تاريخ الدير ووثائقه تم التعرف على كنيستين كانتا بالدير، وليستا موجودتين الآن:
1- كنيسة القديس يوحنا المعمدان: وكانت مخصصة للرهبان الأحباش، إلا أنه غير معروف تاريخ إنشائها. أقدم خبر عنها تم التوصل إليه حتى الآن يرجع إلى منتصف القرن 17 الميلادي. وكانت الكنيسة بجوار الكنيسة الأثرية من الجهة البحرية، ثم أُزيلت في القرن 19 الميلادي، وأُنشئت مكانها الصالة الخارجية للكنيسة الأثرية والغرف الملحقة كما في الشكل المبين. ولم يبق منها إلى اليوم إلا المذبح الحجري وبعض الأيقونات.
2- كنيسة القديس تكلا هيمانوت: وكانت للرهبان الأحباش، وقد أُنشئت على سطح الصالة الخارجية للكنيسة الأثرية في القرن 20 الميلادي، لتأثر المبنى الأثري للكنيسة الأثرية.
🏰 الحصن الأثري القديم
يرجع تاريخ الحصن إلى القرنين السادس أو السابع الميلادين، وهو من أصغر الحصون الموجودة في الأديرة العامرة حاليًا. والحصون عموماً، بُنيت لحماية الرهبان من غارات البربر الوحشية، وأولها كان في دير أبي مقار، وهو أكبرها حجماً. والذي بُني في أواخر القرن الخامس الميلادي في عهد الملك زينو (زينون) الذي توفي سنة 491م.
ومن المعروف أن ابنة هذا الملك – القديسة إيلارية – هربت من القصر الإمبراطوري متخفية في زي رجل، وذهبت إلى برية شيهيت، وصارت من (القديسين المتوحدين). هذا الأمر الذي عندما اكتشفه الملك زينو بعد ذلك بزمن طويل جعله يغدق على دير أبي مقار – بعطف متزايد – مع بقية الأديرة الهبات. وحينما علم بغارات البربر على برية شيهيت، بُنيت الحصون، وأولها كان دير أبي مقار… (راجع كتاب الرهبنة القبطية – دير أبي مقار ص 394-395، ص 591-620).
ولما كانت فكرة بناء الحصون ليست مصرية، فبالتالي يكون التصميم الهندسي مأخوذًا من بلاد آسيا وسوريا (كما يذكر فيلارد Villard).
🛡️ وصف الحصن ووظيفته
لقد صُمم الحصن عمومًا على أن يُحفظ الرهبان من هجوم البربر، فهو قوي البناء، له مدخل واحد يُدَّى إليه عن طريق قنطرة خشبية متحركة. وفتحاتُه (أي نوافذه) مقاطعها الأفقية مخروطة الشكل، فالناظر من الخارج لا يرى ما بالدخل، أما من الداخل فيرى ما بالخارج.
وبالطبع يجب أن يكون الحصن مجهزًا لإيواء الرهبان إذا طال بهم الحصار، ومهيأً لخدمتهم روحيًا ومعيشيًا على قدر متطلبات الجسد الأساسية التي تكفل استمرارية الحياة، فكان يحتوي على:
- وسيلة للحصول على ماء للشرب. وبالنسبة لحصن الدير، فهو لا يوجد به بئر، ويبدو أنه كان هناك وصلة بين بئر الماء الذي كان يقع خارج الكنيسة الأثرية (قبل توسعيها) وبين حوض الترمس الموجود حاليًا في أرضية إحدى غرف الدور الأرضي للحصن. وهناك رأي آخر أنه كان هناك بئر قديم شرق الحصن متصل بحوض الترمس، وعند الحاجة إلى الماء تُفتح فتحة الحوض، فيتدفق فيه الماء.
- كمية كافية من الطعام. وبالطبع لا يوجد طعام مفيد يمكن تخزينه لفترة طويلة دون أن يتلف غير الترمس، فهو مع التخزين لا يسوس، ويُعتبر غذاءً كافيًا للرهبان. [والعجيب أن العلم حاليًا اكتشف فوائد الترمس العديدة لاحتوائه على دهون نباتية وكربوهيدرات وكالسيوم وفسفور وكمية لا بأس بها من فيتامين ب المركب].
- غرف لإيواء الرهبان.
- كنيسة أو أكثر للصلاة (في حصن الدير كنيسة واحدة باسم الملاك ميخائيل… ومن المناسب إطلاق اسمه على المكان الذي يلجأ إليه الرهبان فيشفع لأجلهم للحفاظ عليهم من أي سوء…). غرفة صغيرة أو أكثر لدفن المنتقلين (إذا ما حدث وأنتقل أحد الرهبان أثناء الحصار…) وهي موجودة بين سقف الكنيسة وسطح الحصن.
- مخابئ للطوارئ في حالة إذا ما حدث ونجح البربر في اقتحام الحصن ودخلوا لقتل الرهبان. وأهم مخبأ هو الموجود أسفل مذبح الكنيسة بالحصن، فإذا ما اقتُحم الحصن أثناء صلاة القداس، يهرب الكاهن (ومن يخدم معه إن أمكن) إلى هذا المخبأ ويحفظ الذخيرة المقدسة، وإن لم يتمكن، فيجب أن تنتهي التقدمة سريعًا قبل أن تصل إليها يد المهاجم.
- مرحاض، ويكون عادة في أعلى سطح الحصن ويخرج ببروز قليل عن الحائط.
📏 المواصفات المعمارية للحصن
مساحة القاعدة: 10.53 متر * 10.10 متر تقريبًا
المساحة العلوية: 9.60 متر * 8.80 متر تقريبًا
ارتفاعه: 16.57 متر
أما حيز السلم المؤدي إليه، فمساحته 3005 متر وارتفاعه 6050 متر، وهو متصل بالحصن بواسطة سقالة خشبية متحركة على ممر موضوع تقريبًا على المحور، ومغطى بنظام أقواس متصالبة (مستعرضة)، وله في النهاية فجوة وُضعت بها الإسطوانة الخشبية التي تُستعمل في إدارة السقالة المتحركة مواجهة للباب. وهذا الممر يفتح عليه أربعة أبواب:
الأول على الشمال يؤدي إلى غرفة.
الثاني على الشمال يؤدي إلى غرفة بداخلها غرفة أخرى صغيرة.
الأول على اليمين يؤدي إلى السلم الذي يربط أدوار الحصن.
الثاني على اليمين يؤدي إلى غرفة بأرضيتها فتحة مستطيلة تؤدي إلى غرفة بالدور السفلي، مؤدية إلى المياه الواردة من البئر.
وإذا نزلنا من سلم الحصن، نصل إلى الدور السفلي، الذي له ممر رئيسي يشغل الجزء الأوسط، ويفتح عليه ثلاث أبواب: الأول على حوض الترمس (الموصل للبئر)، أما الثاني والثالث كل على غرفة فارغة.
أما إذا صعدنا إلى الدور العلوي من الحصن، فهناك الكنيسة وغرفة أخرى جانبية بها فتحة أرضية تؤدي إلى غرفة صغيرة تُعتبر أسفل مذبح الكنيسة كما ذكر سابقًا. وأمام باب الكنيسة يستمر السلم إلى نهاية سطح الحصن، حيث توجد غرفة وسطى، وتوجد غرفة أخرى صغيرة – بدون باب – أسفل هذا السلم وأمام الكنيسة. وهناك في أرضية سطح الحصن توجد فتحتان تؤديان إلى المدفن، الذي يعتبر محصورًا بين سقف الكنيسة وسطح الحصن. وفي الجهة الشرقية من سطح الحصن يوجد امتداد صغير كان يستخدم كمرحاض.
⛪ كنيسة الحصن
لها مذبح واحد، والصحن منقسم إلى قسمين صغيرين بواسطة عمودين يتوسطهما حاجز خشبي. ويبدو أن العمودين من عهد قديم ومنقولين من المعابد الوثنية القريبة التي كانت موجودة في القرون المسيحية الأولى، ويظهر ذلك من تاج أحدهما (المكسور جزء منه).
وبالكنيسة منجلية (أي حامل خشبي يوضع عليه كتاب القطمارس الخاص بالقراءات الكنسية)، وقد قُدر زمنها بزمان ترميم الحصن في القرن الثاني عشر الميلادي. وباب كنيسة الحصن وأبواب الغرف عموماً على نفس تصميم أبواب كنيسة السيدة العذراء الأثرية. ولم نَتَوَصّل إلى أية معلومات حتى الآن تفيد أن الحصن قد أُستخدم.
وأما بالنسبة لوصفه المعماري، فقد قامت لجنة الآثار وعلى رأسها الأثري فيلارد (الذي يعتبر أول من درس الحصون في مصر) بعمل الرسومات المعمارية المبينة في العشرينات من القرن الحالي. وقد قام بترميم الحصن – في أزمنة مختلفة – كل من:
1- الشيخ أبو ذكري بن بو نصر، عامل الأشمونين (أي الوالي) في عهد الخليفة الحافظ (1130-1149م).
2- البابا غبريال السابع (1525-1568م).
3- المعلم إبراهيم الجوهرى في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
4- القمص عبد الملاك الهوري، رئيس الدير في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
5- وفي القرن العشرين تم عمل بعض الترميمات القليلة.
🪨 الأحجار الأثرية
من المعروف أن الأحجار هي أقدم وسيلة أُستُخدمت في الحياة العامة وكذلك في الكنيسة. وأقدم الكنائس مذابحها من الحجر، وكذلك جرن المعمودية وأحواض اللقان.
وبالدير حاليًا بعض من الأعمال الحجرية. فعلى حسب ما ذكر سابقًا، فإن مذبح كنيسة السيدة العذراء الأثرية من الحجر، وهو الذي جلس عليه السيد المسيح له المجد وهو طفل أثناء إقامته في هذا المكان. وكذلك المذبح الحجري لكنيسة يوحنا المعمدان.
كما يحتفظ الدير بأحواض اللقان الحجرية القديمة، وحوض الماء (نعتقد أنه المعمودية القديمة التي كانت بالدير). وكذلك شاهد قبر حجري، وتاريخ النقش عليه يرجع لسنة 807 ش – 1091م، وطبق حجري كان يوضع فيه زيت للصلوات الكنيسة مثل صلاة القنديل أو الأبوغلمسيس (ليلة سبت النور)، هذا بخلاف الهواوين المشكلة من حجر البازلت، التي كانت تُستخدم في الحياة اليومية بالدير قديمًا.
⛪ كنيسة السيدة العذراء الجديدة
تأسست هذه الكنيسة في عام 1940م في رئاسة المتنيح الأنبا أغابيوس، مطران ديروط وصنبو وقسقام، وقد تم بناؤها في رئاسة القمص قزمان بشاي في عام 1964 كاملة بمنارتها.
وقد أُنشئت فيها معمودية، بعدما كانوا يعمدون في كنيسة مارجرجس، مما يضطر لدخول النساء والزوار الكثيرين الذين يردون إلى الدير لعماد أطفالهم، وكان ذلك يسبب قلقًا وإزعاجًا للرهبان، لذلك أصبحت هذه الكنيسة مخصصة للزوار.
ولهيكل الكنيسة ثلاثة مذابح: الرئيسى الأوسط على اسم السيدة العذراء، والقبلي مارجرجس (ولكن أُطلق عليه بعد ذلك اسم القديس الأنبا أبرام)، والبحري القديس تكلا هيمانوت الحبشي. وقد رُسمت أيقوناتها الجميلة الفنان يعقوب فانوس.
وقد قام بتجديد هذه الكنيسة نيافة الحبر الجليل الأنبا ساويروس، رئيس ديرنا العامر – أدام الله حياته – وذلك في سنة 1993م.
🎓 أهم المعالم والمنشآت الحالية بالدير
🏛️ الكلية الإكليريكية
“مدرسة الرهبان سابقًا”
عندما ازداد نشاط المرسلين الأمريكيين في أسيوط في منتصف القرن 19 الميلادي وبتزايد التساؤلات الكثيرة من أبناء الكنيسة في النواحى العقائدية واللاهوتية، اهتم الآباء الرهبان بالدرس والاطلاع حتى يُرووا عطش المتهافتين على معرفة الكنوز الروحية لكنيستهم القبطية. وقد استمر الدرس والاطلاع على شكل مجهودات فردية من قبل الآباء إلى أن اهتمت الكنيسة عموماً بتثقيف الآباء الرهبان، وعلى رأسهم الباب كيرلس الخامس، بإنشاء مدارس للرهبان في أديرتهم، فأنشئت مدرسة للرهبان بدير المحرق على يد الأنبا باخوميوس الأول، أسقف الدير في نهاية القرن التاسع عشر، وعُيّن لها مدرسون أكفاء من خريجي المدرسة الإكليريكية بالقاهرة، وكانت تُلقى الدروس في الطابق العلوي من كنيسة مارجرجس الحالية.
وفي الثلاثينات من القرن العشرين أُنشئ مبنى خاص بمدرسة الرهبان (وهو الكلية الإكليريكية الحالية)، وذلك في وقت رئاسة القمص تادرس أسعد (1930-1936م)، واستمرت هذه المدرسة مزدهرة، فقد كان المجتهدون فيها يُرسَلون إلى المدرسة اللاهوتية بحلوان لاستكمال دراستهم اللاهوتية.
وعندما اعتلى الباب شنودة الثالث الكرسي البطريركي، اهتم بالكلية الإكليريكية فرأى أن يُنتقل القسم المتوسط الموجود بالقاهرة إلى دير المحرق. وكان أنسب مكان لها هو مدرسة الرهبان، لكي يتعود الطلبة على الجو الريفي بعيدين عن أضواء العاصمة، وبحيث يكون لهم منهج خاص يناسب خدمة الريف، وأيضًا لأسباب مالية تتعلق بالعجز المالي الكبير الذي تُواجِهُه البطريركية. وكذلك لكي يكون لدير العذراء (المحرق) رسالة علمية يُسهم بها في خدمة الإكليريكية.
وعُرِض الأمر على المجمع المقدس فوافق عليه، وعلى المجلس الملي فوافق عليه، وهكذا تم نقل القسم المتوسط إلى دير المحرق.
وقد اختار له قداسة الباب مجموعة من مدرسى ومعيدي الكلية الإكليريكية، نُقِلوا من القاهرة إلى الدير مع الاستعانة ببعض أساتذة المنطقة الإكليريكيين.
والدراسة في الدير لها طابعها الروحي العميق، لدرجة أن كثيرًا من المعاهد الدينية في أوروبا وأمريكا تُوجَد في الأديرة، وعندما أخذت إحدى المجلات القبطية رأي قداسة الباب عن رأيه في النهوض بالإكليريكية قال: “أريد أن تكون الكلية الإكليريكية ديرًا أو شبه دير، يأخذ فيه الطالب إلى جوار العلم ما يُفيدُه روحياً من هدفه في خدمة الريف.”
ولم يكن سهلاً على خريجي الإكليريكية بالأنبا رويس، الذين قضوا خمس أو ست سنوات في القاهرة، أن يرجعوا إلى خدمة الريف بعد أن ألفوا المدينة الكبيرة واعتادوا الخدمة فيها، لذلك أُنشئت كلية إكليريكية بدير المحرق لتخرج خدامًا للريف يعتاد طلابها المعيشة في جو ريفي، ويدرسون مناهج تصلح لخدمة الريف بعيدة عن الطابع الأكاديمي الذي لا يناسب القرى.
وقد جاء قداسة الباب شنودة الثالث يوم الأربعاء 15 سبتمبر سنة 1975 إلى دير المحرق لتنشيط الإكليريكية، وعقد اجتماعًا حضره أصحاب النيافة الأنبا أثناسيوس، والأنبا مكسيموس، والأنبا لوكاس، والأنبا أغاثون، والأنبا صرابامون، والأنبا ويصا، والأنبا بيمن، والقمص برسوم المحرقى رئيس الدير، وحضره مجموعة من هيئة التدريس بالإكليريكية.
وكان قداسة الباب قد أرسل خطابات إلى أصحاب النيافة الآباء المطارنة والأساقفة لكي يُرسل كل منهم الطلبة الذين يرشحهم للالتحاق بالقسم المتوسط بالإكليريكية، تمهيدًا لاستلامهم في إيبارشيته.
واستجابة لهذه الدعوة، كان عدد الذين قُبِلوا في ذلك العام أكثر بكثير جدًا من طلبة العام الذي يسبقه.
كما تقرر أن يُلحَق بالدير فرع آخر للحاصلين على الدبلومات الفنية، شرط أن يُرشحهم أساقفتهم لإحتياجهم في الخدمة.
وفي سنة 1982، تحول القسم المتوسط إلى القسم العالي، أي بقبول الحاصلين على الثانوية العامة وما يعادلها من الدبلومات الأخرى، حيث يدرس الطالب لمدة 4 سنوات، وبعدها يحصل على بكالوريوس في العلوم اللاهوتية والكنيسة.
والكلية الإكليريكية لا تحتاج إلى تعريف أكثر مما قاله مؤسسها الأرشيدياكون حبيب جرجس:
“إن هدف الكلية الإكليريكية هو تمجيد اسم الله أول كل شيء الذي أظهر القوة على أيدي الضعفاء من الناس، على أن يُمجَد اسمه القدوس وينشر كلمته عالية بين الناس…
إن الأمم المسيحية الناهضة تختار رعاتها من أرقى المتعلمين رتبة، ومن الحاصلين على أكبر الدرجات العلمية، ولا تنتخبهم إلا إذا كانوا من أرقى أبناءها عقلًا وأكثرهم خبرة، وهذا ما تدعوا إليه وظيفتهم لأنهم خدام الله ونُوَّابُه على الأرض.
ويقول الكتاب المقدس أن الله اختار لهذه الوظيفة أفضل أبناء عصورهم في العهدين القديم والجديد، فمثلًا موسى وصموئيل وإيليا وبولس الرسول وبقية الأنبياء والرسل الذين اختارهم الرب قادة مصلحين. وبولس الرسل أسماهم وكلاء أسرار الله وسفراء المسيح، ويكفي أن هدف هذه الكلية أن يُؤهَّل خريجوها لتكون وظيفتهم هي وظيفة الرسل والأنبياء. (وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضًا” 2تى 2:2).
وفائدة الإكليريكية للكنيسة هي إعداد الرعاة إعدادًا دينيًا كافيًا، ويعنى بهم عناية خاصة الذين أُختيروا من أصحاب الكفاءات الممتازة، لأنهم هم الذين يُقودون الشعب إلى بر السلامة وإلى الخير المؤمَّل، وكما عبّر عنه بولس الرسول عندما قال: “لا يأخذ أحد هذه الوظيفة لنفسه بل المدعو من الله” (عب 5:4)، وقال أيضًا مار إفرام: إنها هبة تفوق كل عقل.
لذلك فالإكليريكية هي مصدر التعاليم الحية ومهبط الأخلاق الطاهرة النقية، وهي أم المجتمع… تصلح الفرد والمجتمع وتنشر العدل والطمأنينة والسلام، وتغرس الإيمان الثابت والمحبة الخالصة…”
🎼 معهد ديديموس للعرفاء والمرتلين
أُنشئ المعهد بالدير في أواخر السبعينيات لتخريج مرتلي الكنيسة والعرفاء الذين لا تُستغنى عنهم الكنيسة القبطية، لأنهم المتخصصون في ممارسة طقس الكنيسة بانتظام، والمعايشون له يوميًا، والمحافظون عليه من كل قلوبهم لتفرغهم الكامل له وعدم ارتباطهم بأي مشاغل أخرى.
ومدة الدراسة في المعهد خمس سنوات، يتلقى فيها الطالب بعض المناهج التعليمية بالإضافة إلى الألحان وطقوس الكنيسة بالكامل، مثل:
- دراسة في العهدين القديم والجديد، وتاريخ الكنيسة.
- حفظ المزامير.
- اللغة القبطية.
- اللغة العربية.
- الحساب.
وقد كان هذا المعهد، عندما أُنشئ فرعه الرئيسي بالقاهرة، غالبية طلابه من المكفوفين، لذلك أُطلق عليه اسم القديس ديديموس، واستمر يحمل هذا الاسم إلى اليوم.
👁️ القديس ديديموس الضرير
وُلد في الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي، وأُصيب بمرض في عينيه وهو في الرابعة من عمره أفقده بصره، ولكن لرغبته الشديدة للحصول على العلم لم يمنعه فقد البصر ولا الفقر من اختراع الحروف عن طريق النحت حتى يتمكن من القراءة بإصبعه، وبذلك يكون سبق برايل الذي وضع طريقة الحروف البارزة للمكفوفين بخمسة عشر قرنًا.
وقد عينه البابا أثناسيوس الرسولي مديرًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية سنة 340م، فكان أستاذًا ماهرًا ومافعًا قويًا عن الإيمان، واشتهر بفضائله ونسكه، فتقاطر طلاب العلم إليه من كل مكان، وتتلمذ له كثيرون من ذوي البصر، لذا لُقّب بـ “الأعمى البصير”، وتمت الآية القائلة: “الرب يفتح أعين العمى” (مزمور 146:7).
لقد أنار الرب قلبه وعقله وبصيرته الخفية، فقام بتأليف عدة مؤلفات في العلوم اللاهوتية وتفسيرًا في الكتاب المقدس (العهدين القديم والجديد). بركة صلاته تكون معنا، آمين.
🏰 قصر الضيافة
وهو مكان إقامة رئيس الدير وكبار الزوار من البطاركة والمطارنة والأساقفة. وفيه مكتبة للمخطوطات الثمينة. وقد أُنشِئ في سنة 1910م في رئاسة الأنبا باخوميوس الأول، أسقف الدير.
🏠 أماكن الضيافة
يوجد أربعة مبانٍ بالدير مخصصة لإضافة الزوار محبي الدير:
- مبنى اليوان: وهذا الاسم أُطلِق أصلاً على هذا المبنى لأنه كان فيه قسم مخصص لإدارة شؤون الدير التي كانت تحت إشراف وكيل الدير، وقد أُنشِئ في رئاسة القمص تادرس أسعد (1930م – 1936م).
- المبنى الملاصق لبوابة الدير الثانية.
- عمارتان جديدتان: بعدما رأى الدير وعلى رأسه نيافة الحبر الجليل الأنبا ساويرس – أدام الرب حياته – بأن أعمال الدير الإدارية وجودها في مبنى الزوار (الديوان) غير مناسب على الإطلاق، وأنه لا توجد استراحة جيدة لاستقبال كبار الزوار من رجال الدولة، وأن المبنيين القديمين غير كافيين لاستيعاب ضيوف الدير، لذلك رُؤِي بأن تُقام عمارتان جديدتان لسد هذه المتطلبات، الأولى أُنشِئَت عام 1985م، والأخرى 1993م. الرب يبارك هذا العمل ويجعله ثمرة أعمال مستمرة لمجد اسمه القدوس.
⚰️ مدافن الرهبان
كان الرهبان الذين يتنيَّحون بالدير يُدفنون بالجبل شمال وغرب الدير إلى القرن العشرين، حتى أنشأ القمص تادرس أسعد مدفنًا للرهبان، ثم صار دفن الرهبان المتنيحين بعد ذلك في الدفن الذي يقع خلف كنيسة السيدة العذراء الجديدة.
🛠️ معالم أخرى
بالطبع يجب أن توجد بالدير وسائل خدمات كثيرة للقاطنين فيه من الرهبان والزوار، مثل صهريج للمياه العذبة وماكينة لرفع المياه الخاصة به، وماكينة لتوليد الكهرباء لتغذية الدير بالتيار الكهربائي (وذلك قبل توصيل الدير بشبكة الكهرباء في أواخر السبعينيات)، وأيضًا فرن للخبز، ومخزن للغلال، وحظيرة للبهائم، ومخزن للوقود الخاص بتشغيل ماكينات الري، وورش للنجارة والحدادة واللحام… بالإضافة إلى مكتبة لاستعارة الكتب لفائدة الرهبان، ومكتبة لبيع الكتب والأيقونات والصور للضيوف محبي الدير. وحديقة جميلة يُزرَع بها بعض النباتات العطرية والنادرة الجميلة التي تسبح اسم الله في عظمته وقدرته وخلقه، وهي معدة تحت إشراف علمي متخصص.
🎉 ساحة الاحتفالات الدينية
بعد الحريق المروع في يونيو سنة 1988م، رحَّبت الدولة رسميًا بتخطيط ساحة الاحتفالات بالدير، والتي يزدحم فيها الزوار في أعياد السيدة العذراء، وذلك بإنشاء مبانٍ لاستقبال الزوار والرحلات، والخدمات الطبية، وقاعة الفيديو، ومكتبة، ومظلات، ونقطة حراسة، مع بعض الخدمات اللازمة الأخرى. ويُقام احتفال الدير بعيد العذراء حالة الحديد في 21 بؤونه الموافق 28 يونيو من كل عام.
🧱 الأسوار
وهي ثلاثة:
- أسوار قديمة من القرن التاسع عشر الميلادي.
- أسوار حجرية أُقدمها يرجع إلى العشرينيات من القرن العشرين الميلادي، تم إنشاؤها بلجنة فنية وصممت على شكل أسوار أورشليم.
- أسوار من الطوب الأحمر والخرسانة المسلحة، أُنشِئَت بواسطة نيافة الحبر الجليل الأنبا ساويرس في سنة 1978م، بدلًا من السور الذي كان من الطوب الأخضر (اللبن) – الذي بناه القمص فليمون وكيل الدير في الخمسينيات.
📚 مكتبة الدير
في مكتبة هذا الدير 708 مخطوطاً، غير بضعة آلاف من الكتب المطبوعة. وتختلف موضوعات هذه الكتب، فمنها في الكتاب المقدس وأجزاؤه المختلفة، واللاهوت، والتاريخ، والطقس الكنسي… إلخ.
📝 مصدر آخر مرسل من الأب يوسف المحرقي
دير السيدة العذراء الشهير بالمحرق أتت إليه العائلة المقدسة أثناء هروبها من هيرودس لطلبه قتل الطفل يسوع، وأقامت في هذا المكان مدة وقدرها 185 يومًا، أي ما يعادل ستة أشهر وخمسة أيام. وسُمِّي بالمحرق كناية على أرض بجوار الدير كانت تُستخدم لحرق الحشائش الضارة، تُسمى المحرقة.
ابتدأت الرهبنة في هذا الدير في القرن الرابع الميلادي على يد الأنبا باخوميوس أب الشركة. وحدث أن جاء البابا ثاؤفيلس الـ23 من باباوات الكنيسة الأرثوذكسية وأراد توسعة الدير، فظهرت له والدة الإله وقالت إن يترك المكان على حاله وباركت المكان وأعطته ثلاث بركات:
أن الذبيحة لا تنقطع عن هذا المذبح إلى انقضاء الدهر، ويُصلى قداس بالغة القبطية كل يوم في الكنيسة الأثرية.
أن هذا المكان لا تقوم عليه أي حروب.
أن كل من يطلب طلبه في هذا المكان حسب مشيئة الله تُجاب له.
أيضًا، هذا الدير مدفون فيه القديس يوسيف نسيب المسيح.
“يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر” (أش 19:19). هذه النبوة عن الدير المحرق… الدير عامر بالآباء الرهبان تحت رئاسة نيافة الحبر الجليل الأنبا ساويرس.