| الدولة | لبنان |
|---|---|
| المحافظة – المدينة | الشمال |
| الطائفة | – |
| الموقع على الخريطة |
⛪ كنيسة مار سابا – إدِّه البترون
في قرية إدِّه الواقعة في قضاء البترون تقوم كنيسة تعود إلى عهد الصليبيين، وقد بناها هؤلاء في القرن الثالث عشر أو ربما الثاني عشر. إنّها كنيسة مار سابا الأثريّة التي ما زالت قائمة حتّى أيّامنا هذه. وهي الكنيسة الرئيسيّة في القرية التي تحوي كنائس عدّة غيرها، منها كنيسة مار ماما المبنيّة منذ ما قبل الصليبيين أي في القرن التاسع أو العاشر. ويقول الأب يوسف شديد إنّ إدِّه كانت تَحوي مدرسةً لتعليم اللاهوت ومدرسةً للأولاد.
تبعد هذه القرية عن العاصمة بيروت 62 كيلومترًا، وتعلو عن سطح البحر 400 متر، وقد يعني اسمها بحسب التّفسيرات العديدة: القويّة المنيعة، أو المغشّاة بالضباب، كما قد يعني الجانب والجهة.
🏛️ الهندسة المعماريّة
في دراسة للباحثة راي جبر إنّ في قرية إدِّه قضاء البترون تقوم كنيسة على اسم مار سابا يعود تاريخها إلى عهد الصليبيين. فهي قد بُنِيَتْ احتمالًا خلال القرن الثاني عشر بمُعاونة مُعلّمي بناء غربيّين كانوا موجودين في كونتية طرابلس. ذلك أنّ الجدران الجانبيّة للكنيسة مَسنودَة بدعائم تتيح ارتفاع الجناح الأوسط، وهو تصوُّر جرى اعتمادُه في الغرب لقناطر الكاتدرائيات التي شُيِّدَت في ذلك العهد.
أمّا الفارق بين هذه الكنائس ومثيلاتها المشيَّدة محلّيًا في كونتية طرابلس، فهو أنّ هذه الأخيرة كانت ضخمةً، جبّارةً وواطئة. والحنايا المشبَّكة بأقواسٍ في كنيسة مار سابا تشبه فنَّ العمارة المتجلّي في كنائس الغرب العائدة لذلك العهد.
وفي مار سابا مَرامٍ ضيّقة تُتيح للفُرسان إطلاق سِهامهم على مهاجمين مُحتَملين من داخل الكنيسة، مِمّا يُدلّ على الطابع الدفاعيّ للصَّرح. أمّا الدفاع الروحي فكان يؤمّنه أربعة فرسانٍ قدّيسين رُسمت صُوَرهم من الجانبَين على الجدران الداخليّة باتّجاه المذبح، لكنّ هذه الصور تَلِفَتْ مع الزمن.
🙏 البعد الروحي والتاريخي
ربما كان بناء هذه الكنيسة قد حصل ببادرةٍ من أشراف الصليبيين الذين كانوا في بلادنا، مع مساهمةٍ من مسيحيّي القرية، لأنّ الكنيسة مُقامة على اسم قدّيسٍ شرقيّ: مار سابا المتوفَّى سنة 532، والذي يعني اسمه “العجوز” أو “الحكيم” باللغة السريانيّة.
وفي لمحة تاريخيّة يروي Levon Nordiguian في كتابه Châteaux et Églises du Moyen Âge au Liban أنّ كنيسة مار سابا في إدِّه – البترون كانت جدرانها كلّها دون شكّ مغطاة بالصُّوَر، لكن لم يبقَ منها اليوم سوى مقتطفات مشتَّتة. ومن أبرزها مشهد رقاد العذراء الموجود على الحائط الشماليّ حيث لم يبقَ سوى وجوه بعض الرسل والأساقفة وجزء من رسم المسيح يَحمِل روح أمّه والملائكة بقربه. كما نقرأ كتابة من ثلاث كلمات هي: “يعقوب أخو الربّ”.
الرسم في الكنيسة يتميّز بالرّقّة والشفافيّة، وهي صفات بيزنطيّة بحتة. فقد كان فنّ الجدرانيّات في الفترة الصليبيّة متّصلًا بالتراث البيزنطي.
🎨 الأسلوب الفنّي
يُشير Nordiguian إلى أنّ الوجوه في الكنيسة لم تَعُد مُنبسطة، بل كوَّنتها ظلال خضراء مع خطوط مُنَمنَمة تُكسِبها طابعًا مأساويًا وديناميًا. وهذا يُذكّر بالنمط البيزنطي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الذي تميّز بالتعبيريّة العميقة. لذا فإنّ وجوه كنيسة إدِّه قريبة في أدائها من الأسلوب البيزنطي السائد آنذاك، ممّا يُرجّح أنّ الرسّام اطّلع على النماذج البيزنطيّة.
الطابع البيزنطي الملحوظ مردّه إلى تواصل العلاقة بين هذه البقعة التي خضعت للتأثير الغربي (اللاتيني) وبين الإمبراطوريّة البيزنطيّة، ممّا جعل النماذج الفنيّة امتدادًا لبعضها على الرغم من الفواصل السياسيّة والجغرافيّة.
🛠️ الترميم الحديث
في القرن الماضي، أُزيلت جدرانيّات الكنيسة لإعادة طلاء جدرانها، ولم تَسلَم سوى لوحات قليلة. وفي العام 2012 تولّت “جمعيّة ترميم ودراسة الجدرانيّات العائدة إلى القرون الوسطى في لبنان” (AREFML) إعادة ترميم الكنيسة باستقدام الخبير الروسي Vladimir Sarabianov وفريقه، وبتمويل أحد المحسنين، وتعاون وثيق مع مطرانيّة البترون المارونيّة وبلدية القرية.
وقد أُعيد إحياء مشاهد رائعة مثل صلب المسيح ورقاد العذراء وصورة للعذراء تحمل الطفل يسوع. واحتُفل بختام أعمال الترميم في العامَين 2012 و2013.
📖 شهادة البطريرك الدويهي
تذكر الباحثة راي جبر أنّ البطريرك اسطفان الدويهي أشار إلى هذه الكنيسة في القرن السابع عشر بعدما قرأ فيها مدوّنةً سريانيّة تصف انتصارًا أحرزه الموارنة بمساعدة الصليبيين ضد السلطان بيبرس عام 1266. ويقول إنّ الموارنة شيّدوا عدّة كنائس ورسموا صورًا تخليدًا لانتصارهم، ومنها مشاهد رقاد العذراء وصور بالحرف السرياني الإسترانجيلي.
كما تضم الكنيسة مشهدًا للصلب كشفه الترميم، ومشهدًا آخر للعذراء والطفل إلى جانب حصان أبيض يُرجَّح أنّه يعود لمار جرجس. هذا يدلّ على تعدّد المدارس الفنيّة في الكنيسة الواحدة.
🏺 الآثار المنقولة إلى الخارج
يشير النص إلى أنّ المفكّر الفرنسي وعالم الآثار Ernest Renan نقل إلى متحف اللوفر قطعًا أثريّة من الكنيسة، منها عتبة الباب الغربي المزدانة بأسطوانة جناحيّة تعود إلى العهد الهلّيني. كما أخذ آثارًا أخرى من لبنان، منها:
- عتبة كنيسة مار جرجس الأثريّة في إدِّه جبيل، وفي وسطها القرص الشمسي.
- عمود أسطواني من كنيسة مار شربل الرهاوي في معاد مع كتابة يونانيّة.
- لوحة صخريّة من عين إبل نُحت عليها الإلهان أبّولون وأرتميس.
- فسيفساء بمساحة 120 مترًا مربّعًا من كنيسة بلدة حناويّة قرب صور.