الولادة: 1886
الوفاة: 1961
👶 نشأته وتعليمه
وُلد المطران إيسيذورس ديمتريوس فّتّال في حلب في 2 تشرين الأول 1886 لعائلة فاضلة هما الياس فتح الله فّتّال، وجوزفين بيطار. تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة الأسقفية بحلب، ثم انتقل إلى المدرسة الصلاحية بالقدس (1899) حيث أكمل دروسه الثانوية والفلسفية واللاهوتية، ونال السيامة الكهنوتية في 20 تموز 1912 على يد المطران مكاريوس سابا.
🎓 مسيرته التعليمية
بدأ التدريس في المدرسة الإآليريكية، ثم عاد إلى المدرسة الأسقفية بحلب، وأشرف على التدريس وإدارة الدروس والنظام حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. بعد إعادة افتتاح المدرسة الصلاحية عام 1919، قضى فيها إحدى عشرة سنة في تدريس اللغة العربية وآدابها وإدارة الصفوف، وألف سلسلة كتب “المشوّق” التي انتشرت في الأقطار العربية.
📚 إسهاماته التعليمية والروحانية
في 1936 اعتزل التعليم المباشر وكرس جهوده للخدمة الرعائية، فكان مرشدًا لجمعية التعليم المسيحي وشارك في إعداد كتب تعليمية متعددة. تولى إدارة النادي الكاثوليكي، ومحاماة وثائق الزواج، وإرشاد أخوية القديسة تريزيا، وأدار المدرسة الطائفية المجانية في حي الشرعاسوس، رافعًا مستواها التعليمي ومقويًا الروابط المجتمعية.
🕊️ سيامته الأسقفية
تم اختيار الأب إيسيذورس فّتّال أسقفًا على أبرشية بانياس ومرجعيون في 1 نيسان 1943، لكنه عُين بدلًا من ذلك مساعدًا لمطران حلب، المطران مكاريوس سابا، مع حق الخلافة. بعد وفاة المطران مكاريوس في 28 تموز 1943، سيم فّتّال مطرانًا أصيلًا على أبرشية حلب في 1 آب 1943 في القاهرة، ووصل حلب في 22 آب 1943، مستعينًا بنائب أسقفي وأمين سر وإكسرخوس للمصروف.
📍 تنظيم الأبرشية وإدارتها
جعل لكهنة الرعايا سكنًا ومائدة عمومية للعبادة والقراءة الروحية، وقسّم الأبرشية إلى مناطق راعوية ووزّعها على الكهنة مع صندوق دخل مشترك. نظم الديوان الكنسي للنظر في قضايا الزواج، وشكّل محكمة روحانية مشتركة للطوائف الكاثوليكية عام 1951.
أنشأ مجلسًا طائفيًا استشاريًا ولجانًا متخصصة: الأوقاف، المقابر، الجمعية الخيرية، الكنائس، المدارس، الميتم، مشاريع الأبرشية، والشؤون القضائية. أعاد تقسيم الأبرشية إلى رعايا محددة في 13 شباط 1961.
📰 الإعلام الطائفي
أصدر المطران فّتّال أول نشرة طائفية في تشرين الأول 1943، وتلتها مناشير أسبوعية بعنوان: “النور يُضيء في الظلمة”، وما زالت تصدر حتى اليوم.
🕊️ رعّيّة جبل السّيّدة
رعّيّة جبل السيّدة، الواقعة جنوب المدينة على ربوة خلف المقابر المسيحية، نشأت على أرض كانت تعرف سابقًا باسم “الشيخ مقصود” بعد أن ابتاعها بعض سكان المدينة سنة 1936، لتشييد بيوت للسكن وتخفيف ضيق المساكن القديمة. توسعت بسرعة، فبلغ عدد العائلات المسيحية فيها نحو 345 عائلة عام 1944، أغلبهم من الأرمن. عمل فيها الخوري يوسف جمل على بناء معبد وفتح مدرسة وتأسيس نادي للشبيبة، ثم شاد الأب مكسيموس فحمه معبدًا جديدًا دشنه المطران فّتّال في 16 نيسان 1961، وطوّر جميع نشاطات الرعية، لا سيما المدرسة الابتدائية التي تولت إدارتها الراهبات الباسيليّات الحلبية في السنة الدراسية 1959-1960.
🏛️ مؤّسّسة جورج ومتيلد سالم الخيرّيّة
في 27 تشرين الأول 1944 توفي جورج الياس سالم في بيروت، تاركًا إرادة لإنشاء مؤسسة كبيرة للأيتام تضم نحو 600 طفلًا مع مدرسة زراعية ودور للصنايع، لتصبح بمثابة مدينة متكاملة للعاملين. أوصى بثلث أمواله للمطران فّتّال لتحقيق المشروع، وتبنّته أرملته متيلد شلحت، لتشرف على تنفيذه. في أواخر 1947 اشترى المطران فّتّال معهد الأخوة المريميين في حي السبيل ليكون مدرسة للصنايع، وأوكل الإدارة للآباء السالزيان، فافتتحت المدرسة في خريف 1948. وفي نهاية 1948 تأسست رسميًا مؤسّسة جورج ومتيلد سالم الخيرية بحلب، تتمتّع بالشخصية المعنوية المستقلة، ويرأسها متروبوليت الروم الكاثوليك بحلب، بمساعدة متيلد سالم ولجنة مختصّة، لتستمر في تقديم خدماتها الإنسانية حتى اليوم، بإشراف لاحق للسيد رولان دي صعب.
🏛️ الوطنّيّ الكبير والمناضل عن الكنيسة
تميز المطران إيسيذورس فّتّال بحنكته وجرأته في حماية حلب من الدمار، وبرز كزعيم وطني مخلص أثناء مرحلة الاستقلال السوري، جامعًا بين أبناء الوطن على اختلاف معتقداتهم. لعب دورًا محوريًا في تهدئة التوترات بعد أحداث العنف في 1945، واستقبل رئيس الجمهورية شكري القوتلي، مؤكدًا على استقلالية الوطن وحقوق أبنائه. نال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى تقديرًا لوطنه، وأحرص على الدفاع عن الحقوق المدنية وضمان عدم التمييز الديني أو المذهبي في الدستور، كما اهتم بالقضية الفلسطينية وإغاثة اللاجئين، مع تعزيز الثقة بوطنية المسيحيين. لم يتدخل مباشرة بالسياسة، بل تعامل بحكمة مع السلطات، مؤكدًا دائمًا أن حماية البلاد تقوم على الجيش السوري وحده، مما أكسبه احترام الجميع ووضعه في مصاف القادة الوطنيين المخلصين.
🏫 تأسيس مدرسة القّدّيسة كاترينا
في ربيع 1946، بادر المطران إيسيذورس فّتّال إلى تأسيس مدرسة جديدة للبنات في حلب، مسهماً مع راهبات المعونة الدائمة في اقتناء دار الراهبات الإيطاليات في حي العزيزية، والتي عُرفت لاحقًا باسم مدرسة القّدّيسة كاترينا. افتتحت المدرسة أبوابها في 15 تشرين الأول 1946، بدعم المتبرعين من رجال ونساء حلب، وعلى رأسهم المتروبوليت مكسيموس الصائغ وعائلة المرحوم جرجي يتيم والمرحوم كامل قندلا. وقد صُممت لتكون من مدارس المطرانية، وحرص المطران فّتّال على تأسيسها بكل تضحيات مالية وأدبية، لضمان مستوى تعليمي راقٍ للبنات، مع إدارة راهبات المعونة الدائمة.
🏫 مدرسة القّدّيس ديمتريوس للبنات
أنشأ المطران إيسيذورس فّتّال سنة 1946 مدرسة للبنات في حي الجابريّة باسم “مدرسة القّدّيس ديمتريوس للبنات”، بتكلفة نحو 70 ألف ليرة سورية. لاحقًا اشترى المعمل المجاور للمدرسة من المرحوم عبود باتري في 13 كانون الأول 1954 بقيمة 87,500 ل.س. وأوكل إدارتها إلى راهبات سيّدة المعونة الدائمة، بمساندة الخوري ميشيل يتيم، مدير مدرسة القّدّيس ديمتريوس للذكور، والخوري فيلبس أورفلي، لتخريج أجيال متعلمة ومؤمنة.
🏫 مدرسة مار الياس
تولى المطران فّتّال سنة 1952 مسؤولية مدرسة مار الياس في حي الرمضانّيّة، التي تم بناؤها بالتعاون مع المرحوم الياس سالم باسم جمعيّة التعليم المسيحي. كُلّفت إدارة المدرسة للأب بولس يتيم، كما تبرع الخوري بطرس جحا بأرض ملاصقة للمدرسة مساحتها 256 مترًا مربعًا لخدمة الطائفة.
🏫 مدرسة القّدّيس نيقولاوس الأسقفيّة
اهتم المطران فّتّال بتوسيع مدرسة القّدّيس نيقولاوس الثانويّة، فاقتنى دارين مجاورتين، وهدمهما، وبنى جناحًا عصريًا مع صحن مركزي شامل رواق الصفوف. اكتمل المشروع في أيلول 1961، تحت إشراف الأرشمندريت جبرائيل سّمّان والخوري مكسيموس فحمه، بمساعدة الأرشمندريت ثاوفانوس زيتونه، ليصبح للمدرسة وحدة معمارية وجمالية واضحة.
🏫 الميتم الطائفي والجمعية الخيرية
أولى المطران إيسيذورس فّتّال عناية خاصة بالميتم الطائفي الذي أسسه المطران مكاريوس سابا سنة 1919، حيث تعاقب على إدارته عدد من الكهنة، وأشرفت السيدة متيلد سالم ثلاث سنوات على رعاية الأطفال حتى افتتاح المدرسة الصناعية باسم زوجها المرحوم جورج سالم. في عهده بلغ عدد الأيتام نحو ستين، مع تخصيص مدرسة ابتدائية لهم، ومطبعة، ومصانع خياطة وأحذية، وفرقة موسيقية، إضافة إلى توسعة المبنى بمساهمة عائلة المرحوم ألبير حمصي. كما نظّم المطران فّتّال نشاطات الجمعية الخيرية، واحتفلت في 4 كانون الأول 1949 بالذكرى الخمسين لتأسيسها، وشجّع النشاط الطائفي بشتى أشكاله من رياضات وكشافة وزيارات للسجناء وإدارة الأخويات وحفلات المناولة الأولى. كما دعم المطران تعليم الكهنة والتخصص في العلوم الكنسية، وأرسلهم إلى جامعات أوروبا، ومن بينهم الخوري عبدالمسيح عبجي والأرشمندريت أغناطيوس ديك.
🏫 أفراح الطائفة
شهدت حلب في عهد المطران إيسيذورس فّتّال العديد من المناسبات المبهجة للطائفة الكاثوليكية. من 8 إلى 17 أيار 1952 زار المدينة البطريرك مكسيموس الرابع الصائغ، فقام المطران فّتّال بإكرامه بشكل استثنائي، وأقام بجوار المطرانية بيت ضيافة عرف بـ”قصر الضيافة”. واستضاف المطران فّتّال بعد ذلك عدة شخصيات كاثوليكية مهمة، منها الأب كاستون كورتوا مدير اتحاد المشاريع الكاثوليكية في فرنسا سنة 1953، والمطران باولو بابالاردو سنة 1955، والمنسنيور كاردين مؤسس منظمة الشبيبة العاملة المسيحية في تشرين الأول 1955، ممن منحهم المطران ألقابًا شرفية مثل إيكونوموس وأرشمندريت. وفي 11 آذار 1956، احتفالًا بالذكرى الثمانين لميلاد البابا بيوس الثاني عشر، زُين بيت الضيافة بشعار البابوية على ارتفاع ستة أمتار مع مئات المصابيح الكهربائية، بينما أرسلت الحكومة السورية وفدًا إلى الفاتيكان برئاسة الدكتور منير العجلاني، نائب رئيس مجلس الوزراء.
🏫 كنيسة جديدة للقّدّيس جاورجيوس
في خريف 1952 قرّر المطران فّتّال بناء كنيسة جديدة للقديس جاورجيوس لتعويض بُعد الكنيسة القديمة عن الأحياء المسيحية، فاقتنى أرضًا بحي العروبة مساحتها نحو خمسة آلاف متر مربع، ودفع ثمنها حوالي 2500 ليرة ذهب، واستعان بتبرعات أبناء الأبرشية ووضع الحجر الأساس يوم الأحد 1 أيار 1960.
🏫 مشاكل المدارس الخاصة
لعب المطران فّتّال دورًا رئيسيًا في الحوار مع السلطات الحكومية، وخاصة وزارة التربية، بشأن المدارس الخاصة، حيث اجتمع مع وزير المعارف عبد الوهاب حومد في 13 تموز 1956 لمناقشة مشاكل المدارس وما تتعرض له من قيود المرسوم التشريعي رقم 175، وأسفرت المباحثات عن دعم مالي للمدارس المتضررة بمقدار 85 ألف ليرة سورية لكل مدرسة.
🏫 بناء دور للسكن
استثمر المطران فّتّال أراضي المدافن القديمة للطائفة في بناء دور للسكن، ليوفر لها دخلًا ثابتًا لدعم مشاريع الطائفة وموظفيها، رغم تراجع هذا الدخل لاحقًا ليصبح رمزيًا في الوقت الحاضر.
🏫 تمثال البطريرك مكسيموس مظلوم
في 13 كانون الأول 1956 وضع تمثال البطريرك مكسيموس مظلوم في ساحة الكنيسة الكاتدرائية، صنع في إيطاليا، يظهر البطريرك واقفًا، مع نقشين يرمزان إلى دفاعه عن حقوق الكنيسة، وقد تبرع بثمنه المغترب بنجمان مظلوم.
🏫 راهبات سّيّدة المعونة الدائمة في مستشفى الكلمة
في شباط 1957 تسلمت راهبات سّيّدة المعونة الدائمة إدارة مستشفى الكلمة، بجهود المطران فّتّال الذي ذهب إلى دمشق لتنسيق الأمر مع البطريرك مكسيموس الرابع الصائغ، مستبدلات الراهبات الفرنسيسيات اللواتي أدرن المستشفى سابقًا، واستقبلهن المطران مع القربان المقدس في أجواء روحانية.
🏫 إنشاء جامعة حلب
منذ مطلع 1957 شارك المطران فّتّال في المباحثات الخاصة بإنشاء جامعة حلب، مع لجنة من أساتذة القانون والهندسة والطب والصيدلة والزراعة والتجارة، لتأسيس جامعة شاملة على غرار جامعة دمشق، مبتدئًا بآليات الزراعة والتجارة والهندسة، وبذل جهودًا كبيرة لتحقيق هذا المشروع الحيوي لمدينة حلب.
🏫 نادي الشبيبة العاملة
في شباط 1957 بدأ المطران فّتّال إنشاء طابق ثانٍ فوق معمل سابق في حي الجابريّة، ليكون ناديًا للشبيبة العاملة على غرار نادي الشبيبة الكاثوليكية في حي العزيزية، بتمويل 10 آلاف ليرة من تبرعات الأستاذ فتح الله صقال، وصُممت صالة النادي الكبيرة “صالة المطران فّتّال” لتتّسع لألف شخص، إضافة إلى سبع غرف للاجتماعات.
🛡️ مع المقاومة الشعبية
في نهاية 1957 وجه أساقفة الطوائف المسيحية نداءً إلى أبناء حلب للمشاركة في الدفاع عن الوطن، وساهم المطران فّتّال شخصيًا مع محافظ المدينة و المفتي في حفر الخنادق، مثّل هذا العمل نموذجًا للتضامن والتكاتف الوطني بين مختلف مكونات المجتمع.
🇸🇾 في عهد الوحدة مع مصر
خلال الوحدة مع مصر، حافظ المطران فّتّال على دوره الوطني في جمع الكلمة وحماية حقوق الشعب، واستقبل الرئيس جمال عبد الناصر في حلب عامي 1959 و1960، وكان حاضرًا أيضًا في وضع الحجر الأساس لدير راهبات الكرمل “كرمل سيدة سوريا” في 18 شباط 1960.
🌹 نحو السماء
توفيت متيلد شلحت، أرملة المرحوم جورج سالم، في 27 شباط 1961، وأقامت حلب جنازة مهيبة لها بقداسة المطران فّتّال، الذي ودّعها برفقة الطائفة، بينما توفي المطران فّتّال نفسه لاحقًا في 4 أيلول 1961، مخلفًا إرثًا من المحبة والعطاء للكنيسة والوطن، وكان مثالًا للرحمة، العطاء، والشجاعة، ومحبوبًا بين جميع أبناء رعّيته دون تمييز، تاركًا أثرًا طويل الأمد في أبرشية حلب.
نقلاً عن كتاب “أساقفة الروم الملكيين بحلب في العصر الحديث”، مع بعض التصرف.