الولادة: 1853
الوفاة: 1930
📜 نشأته
هو سليم جبّور أبو مراد، أبصر النور في زحلة، عروس البقاع، سنة 1853، في بيت قديم من حارة مار إلياس المخلّصيّة، التي تسمّت باسم الآباء المخلّصيّين الذين تعاقبوا على خدمتها وما زالوا. أبوه جبّور أبو مراد، مزارع مكتفٍ، وأمّه أليصابات القشّ، سيّدة فاضلة وتقيّة، سعت إلى أن تُغرس في نفوس أبنائها بذور التقوى والفضيلة منذ نعومة أظافرهم.
عن هذه المرحلة من حياة الفتى سليم، كتب الأب قسطنطين باشا، وهو مؤرّخ الرهبانيّة المخلّصيّة وكنيسة الروم الكاثوليك وكاتب سيرة الأب بشارة:
“كان عمرُه حينئذٍ سبعَ سنوات، قضاها في البيت عند والدتِه حتّى شَبِعَ من حليبِ تقواها. وقد عَلَّمتْه الصلاةَ في البيت معها، وعوَّدتْه حضورَ الصلواتِ الطقسيّة في الكنيسة، إذ كانت تَصحبُه معها إليها حتّى إنّه كان (حسبَ روايةِ صهرِه ورفيقِه يوسف عبدالله) إذا حَلَّ وقتُ اللعب للأولاد، يُخاتِلُ رفاقَه في المدرسة ويدخلُ إلى الكنيسةِ ليُصلّيَ فيها، ولا يَدَع أحدًا يدري به، إلاّ إذا دخلَ أحدُهم إليها اتّفاقًا أو ليفتّشَ عنه، فيخرجُ منها إلى البيت أو إلى المدرسة” (الأب قسطنطين باشا، سيرة الأب بشارة أبو مراد المخلّصيّ).
🙏 طريق الرهبنة
شبّ سليم على الخصال الحميدة، وظهر فيه ميل قويّ إلى الصلاة والاختلاء والتضحية وروح الإماتة، ما زاده رغبةً في التكرّس الكامل للربّ في الحياة الرهبانيّة. ورأى في آباء دير المخلّص المثال الحيّ للفضيلة، فعزم على أن يدخل الدير ما أن ينال رضى والدَيه.
كتب الأب باشا عن هذه المرحلة:
“وشَرَعَ يُخاطبُ والدتَه بصراحة وشَجاعة طالبًا رضاها عليه ليترهَّبَ، وخاطَب والدَه بهذا الشأن. ولكنَّه لم يَفُزْ منهما بِطائل (…). وفي الوقت نفسه لم يَكُن يُهملُ التوسّلَ إلى والدتِه لتُساعدَه على نَيل رِضى والدِه ليأذنَ له بالسفرِ إلى ديرِ المخلِّص. ولَبِثَ مدّةً طويلةً في البيت على هذه الحال لا يُكلِّمُ أحدًا، حتّى كان يَظهرُ لأهلِه كأنَّه ضائعُ العقلِ لا هَمَّ له إلاّ دير المُخلِّص والرهبنة، كما روتْ لنا ذلك أختُه سعدى. فَرَقَّ له قلبُ والدتِه لِتقوَاها وإخلاصِ حبِّها له، وخاطَبتْ والدَه بشأنه لِيدعَه يَذهبُ إلى الدير. وأقنعَتْه بما أَلقاهُ اللهُ على قلبها ولِسانها بأنَّ الرهبانيّةَ دعوةٌ مِنَ الله، وحرامٌ عَلينا أن نمنعَ ولدَنا عن طاعتِه تعالى إنْ كانَ يَدعُوه إليها…”
⛪ إلى دير المخلّص
وصل سليم إلى دير المخلّص في جون الشوف، مساء 7 أيلول 1874، وكان له من العمر 21 سنة، فلبس ثوب الابتداء على الحال في 19 أيلول من السنة نفسها، ودُعي باسم بشارة.
بعد سنتَين، بُرِزَت نذوره الرهبانيّة الثلاثة، الفقر والعفّة والطاعة، في 4 تشرين الثاني سنة 1876. فكان له هذا اليوم فيضًا للفرح الداخليّ، إذ فيه تحقّقت أمانيه بأن يكون وقفًا للربّ ومكرَّسًا بكليّته لخدمته.
📚 الدراسة والتنشئة
بعد النذور، أتت مرحلة الدراسة في المدرسة المخلّصيّة، قرب دير المخلّص. فتعلّم على آباء مشهود لهم بالتقوى والفضيلة، ودرس الفلسفة واللاّهوت واللغتَين العربيّة والفرنسيّة.
على أبواب الكهنوت، لاقى رؤساؤه صعوبةً في إقناعه بأن يرتسم شمّاسًا ثمّ كاهنًا، لأنه كان يعتبر نفسه دون كرامة الكهنوت العظيمة:
“وإذا ألحَّ عليه بعضُ الرؤساءِ بهذا الأمرِ، كان جوابُه في الغالِبِ السكوتَ أو كان يقولُ لهم: أنا ما جِئتُ إلى الرهبانيّةِ إلاّ لأُخلّصَ نفسي لا لكي أرتسِم” (الأب قسطنطين باشا).
بعد محاولات عدّة، إقنعوه بالكهنوت، ليمكنه تقديم الذبيحة من أجل راحة نفس أخويه يوسف ومراد. ارتُسِم شمّاسًا في 26 كانون الأوّل 1883، واتّخذ شعارًا لكهنوته آية من النبي حزقيال:
“إنّي أقمتك رقيبًا لهذا الشعب، فكلّ نفس تهلك بسببك، فمن يدك أطلبها” (حز 3:17).
⛰️ دير القمر وخدمة الرعايا
أوّل عملٍ عُهد إليه القيام به هو رعاية الإكليريكيّين في مدرسة دير المخلّص. ظلّ ثماني سنوات يعمل على تقديس نفسه وتهذيب التلاميذ المؤتمن على تربيتهم ورعايتهم.
في 8 تشرين الثاني 1891، صدر أمر انتقال الأب بشارة إلى دير القمر، فعمل معلّمًا، ثم كاهنًا للقرى وودايا الدير، وخدم مناطق واسعة امتدّت من المختارة حتى الدامور ساحلًا.
تميزت خدمته الطويلة بوفائه لشعار كهنوته بخلاص النفوس والسهر على تقريبها إلى الله، وبعنايته بالفقراء ومساعدتهم، وكانت ساعات اعترافه وكرسيه مفتوحة باستمرار لكل المؤمنين، من الرجال والنساء والأطفال.
🏥 المرض والعناية
مع تقدم العمر، بدأت صحته تتراجع، وعيناه تنطفئان، والنوبات القلبية تداهمه. في 4 كانون الأوّل 1922، نُقل إلى صيدا لتخفيف تعب السفر والعناية بصحته.
🕊️ العودة إلى دير المخلّص واستراحة المحارب
في 26 شباط 1923، نُقِل نهائيًا إلى دير المخلّص، حيث أقام في غرفة قرب الكنيسة، ساهرًا على زيت القنديل أمام القربان المقدّس، ليكون قنديلاً حيًا لكل الزائرين والمؤمنين.
في 22 شباط 1930، تُوُفّي الأب بشارة، فطارت روحه إلى السماء نقيّةً بارّة، ودُفِن في مدفن خاص في حائط كنيسة دير المخلّص الجنوبيّ، ووُرِي جسده الطاهر، وثُبّتت بلاطة كتب عليها:
“هنا يرقد على رجاء القيامة الأخيرة خادم الله الأب بشارة أبو مراد المخلّصي (1853-1930)، مثال الحياة الرهبانيّة العالية والكمال الكهنوتيّ السامي”.
منذ ذلك الحين، صار ضريحه محجّة للمؤمنين، وسُجّلت فيه أشفية عديدة، وجُمِعَت الشهادات لرفع دعوى قدّاسه إلى مجمع القدّيسين في روما، ليُعلَن مكرّمًا، طوباويًّا، وقدّيسًا.
🎬 “سراج الوادي” فيلم عن حياة الأب بشارة
فيلم من إنتاج الرهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة، يروي سيرة الأب بشارة منذ طفولته في زحلة، ورفض أبيه دخوله الدير، وتوسطت والدته لصالحه، إلى سنين خدمته الطويلة، ووفاته في 22 شباط 1930.
التصوير بدأ كانون الثاني 2008، في دير المخلّص، ودير السيّدة، ودير القمر، (كنيسة سيدّة الفقيرة، كنيسة وأنطش مار الياس، وأزقّة البلدة)، قرية كفربعال قرب عنّايا – قضاء جبيل.
موسوعة قنّشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت