الدولة | فلسطين |
---|---|
المحافظة – المدينة | بيت لحم |
الطائفة | – |
الموقع على الخريطة | ![]() |
⛪ تاريخ كنيسة المهد
تُعْتَبَرُ كنيسةُ المهد من أقدم كنائس العالم، والأهم من هذا حقيقةُ أنَّ الطقوسَ الدينية تُقامُ بانتظامٍ حتّى الآن منذُ مطلع القرن السادس الميلادي، حين شيَّدَ الإمبراطورُ الرومانيُّ يوستنيانَ الكنيسةَ بشكلها الحاليّ.
🏛 تأسيس الكنيسة الأولى
كانت كنيسةُ المهد هي الأولى بين الكنائس الثلاث التي بناها الإمبراطورُ قسطنطينُ في مطلع القرن الرابع الميلادي، حين أصبحت المسيحيةُ ديانةَ الدولةِ الرسمية، وكان ذلك استجابةً لطلبِ الأسقفِ ماكاريوس في المجمعِ المسكونيِّ الأوّل في نيقيه عام 325 للميلاد.
👑 زيارة الملكة هيلانة
في سنة 326، زارت الملكةُ هيلانة الأراضيَ المقدسة بغرض مشاهدة الأماكن المهمة في حياة السيد المسيح، ومن ضمن ما شاهدت مغارةً على مشارف بيت لحم، حيث وُلِدَ فيها السيدُ المسيحُ له المجد.
✨ المذود ومغارة الميلاد
يُعلِّمُنا إنجيلُ لوقا بأنَّ السيد المسيح وُلِدَ في مذودٍ في مغارةٍ حقيرةٍ، إذ لم يكن له موضعٌ في المنزل (لوقا 2:7)، ويذكر البشيرُ متّى في إنجيله منزلاً حضر إليه المجوسُ القادمون من الشرق لإكرام الطفل يسوع، حيث كانت مريمُ العذراءُ ويوسفُ والطفلُ. أما يوستينوسُ الشهيدُ فأشارَ إلى أنّ ذلك المذود وُجِدَ في مغارة.
🐑 الرعاة والبيوت التقليدية
كان كثيرٌ من رعاة تلك المنطقة يحفظون مواشيهم ليلاً في مغر، أضف إلى ذلك أنَّ البيوت الفلسطينية التقليدية القديمة كانت تُبنى في الغالب على مغر أو كهوف، وَتكون الواحدُ من هذه البيوت في العادة من مكانٍ واسع – أو لنقل – غرفةٍ واحدةٍ تُستعمل للأكل والنوم والمعيشة، حيث قُسِّمت هذه إلى عدة طوابق، الأسفلُ منها للحيوانات.
هكذا يمكننا فهمُ كلام البشير لوقا: “إذ لم يكن لهما موضعًا في المنزل”، أي أنَّ مريمَ العذراء ويوسفَ لم يجِدَا مكاناً لهما في المنازل لإزدحامها، وبهذا لم يكن لهما سوى أخذ مكانٍ بين الحيوانات في الأسفل، وفي هذا السياق نُفسِّرُ التقليدَ الغربيَّ للتصورِ المنتشر القائل بوجود المذود في الإسطبل.
🏗 مميزات بناء الكنيسة
من مميزات البناء الذي أنشأه الإمبراطورُ قسطنطينُ أنّه حوى في بنائه الأساسي مثمناً فيه فتحةً تؤدي إلى مغارة الميلاد حيث المذودُ والنجمة، غرباً يجد المرءُ بازيليكا كبيرةً تنتهي ببهو محاطٍ بالأعمدة، والذي يُطلّ على مدينة بيت لحم.
🔨 إعادة البناء
أُعيدَ بناءُ كنيسة المهد في القرن السادس الميلادي في عهد الإمبراطور يوستنيان، حيث كُبِّرَت البازيليكا، وفي وقت لاحق أُضيفت ثلاث أمكنةٍ جانبيةٍ للصلاة على أنقاض المبنى المثمَّن الأضلاع. وتمت إقامة درجاتٍ تُسَهِّل الوصولَ إلى المغارة، وذلك كرمزٍ ليدركَ ويتأملَ المصلونَ سرَّ التجسّد الإلهي.
🙏 الطقوس الدينية
تُقام الطقوسُ الدينية في كنيسة المهد حسبَ تقليدِ كنيسة الروم الأرثوذكس، والجديرُ بالذكر أنّ الكنيسة تحوي زوايا للطوائف الشرقية المختلفة مثل السريان الأرثوذكس والأقباط الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس وغيرها.
تعد الطقوسُ الدينية لدى الطوائف الشرقية أساسَ التحليق في سماء الإيمان القويم، لأنها تُخاطب كلَّ حواسِ المؤمن: فالأعينُ تتمتعُ بجمال الأيقونات المقدسة، وتشنفُ الآذانَ بسماع الترانيم الروحية الغنية بمضامينها العقائدية وألحانها العذبة، وأما رئتا المؤمن فتمتلئان بشذى الروائح العطرة المنبعثة من البخور المقدس. وبواسطة هذه الرموز – التي هي واقعٌ عقائديًّا – ينتشي المؤمنُ روحياً وجسدياً ليكون مستعداً كي يمجّد الخالقَ بكلِّ قلبه وبكلِّ قدرته.
مصدر آخر
✨ ميلاد السيد المسيح في بيت لحم
ولما وُلِدَ يسوعُ في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودوس الملك، إذ جاء مجوسٌ من المشرق إلى أورشليم قائلين: “أين هو المولودُ ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمةً في المشرق وأتينا لنسجد له”. فلما سمع هيرودوس الملك اضْطُرِبَ وجميع أورشليم معه، فجمع كلَّ رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم: “أين يُولَد المسيح؟” فقالوا له: “في بيت لحم اليهودية، لأنه هكذا مكتوبٌ بالنبي: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبرٌ يرعى شعبي إسرائيل” (متى 2: 1-6).
📖 بشارة القديس متى
نلاحظ هنا من بشارة القديس متى الإنجيلي، الذي كَرَزَ لليهود مستخدماً شواهد كثيرة من العهد القديم ليثبت صحة وقوة البشارة وإثبات تجسّد الكلمة. إذ يقول في الإصحاح الأول والآية 23: “هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعى اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا”.
القديس متى يستشهد من أقوال النبي أشعياء، كذلك نراه يستشهد بما قاله ميخا في الإصحاح الخامس والآية الثانية: “وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبرٌ يرعى شعبي إسرائيل”. لذلك نرى تحديداً للمكان، لأن بيت لحم تقع في سبط يهوذا جنوبي سبط بنيامين، وهي أرض اليهودية، ونرى كذلك الشجرة التي ستصل إليها مدينة بيت لحم بسبب ولادة السيد يسوع المسيح فيها.
🕊 بيت لحم والمغارة
مدينة بيت لحم حيث وُلِدَ المسيح فيها عاشت هذا الحدث منذ قدوم الرعاة إلى المهد بعد أن قَبِلُوا البشارة الملائكية، حتى يومنا هذا محافظةً على التقليد المعطى لها. لكننا سنذكر لمحاتٍ سريعة تاريخية لما مرّ على هذا الحدث على المغارة، والتي هي مهد السلام لأن المسيح هو سلامنا الحقيقي.
🏛 بناء كنيسة المهد
نرى أن الحدث المهم يبدأ في القرن الرابع، ما بين العام 326-339م، فقد تَمَّ بناءُ كنيسة المهد فوق مغارة الميلاد تخليداً لذكرى ميلاد السيد المسيح له المجد على يد الإمبراطورة البيزنطية القديسة هيلانة بأمر من ابنها الإمبراطور القديس قسطنطين الكبير. فدُعيت هذه الكنيسة الأولى باسم والدة الإله (ثيوطوكوس).
🔨 إعادة البناء
في العام 529م، تَعَرَّضَت الكنيسةُ إلى تدميرٍ بسبب ثورة السامرين بقيادة “بن سبار” ضد البيزنطينيين. بعد ست سنوات، في العام 535م، تَمَّ إعادةُ بناء الكنيسة للمرة الثانية على يد الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس بدعوة ومبادرة من القديس سابا المتقدس الغيورة لإعادة إحيائها، حيث دُعيت باسم كنيسة المهد. وقد تَمَّ تغيير شكل الكنيسة “الباسيليكا”، أي الهيكل الملوكي، من الشكل المثمن بحنية واحدة دون رواق في البناء الأول إلى باسيلكا بشكل صليب ذات ثلاث حنيات إضافةً إلى النرتكس في البناء الثاني.
⚔ الحروب والفتوحات
في العام 614م، بغزو الفرس للمنطقة، تَمَّ هدم الكنائس في الأرض المقدسة بفلسطين ما عدا كنيسة المهد، التي سُلِّمَت بسبب وجود قطعةٍ من الفسيفساء على جدران الواجهة الغربية من المدخل، المرسوم عليها صورة تمثل المجوس ملوك المشرق بزيهم الفارسي التقليدي وهم يقدمون السجود والهدايا للطفل المولود يسوع وهو في المذود. فبإحترامهم لملوكهم، أعْرَضُوا عن تدمير الكنيسة سامحين ببقائها، لكنهم قاموا بإضهاد الرهبان والكهنة الموجودين فيها. لذلك تُعتبر هذه الكنيسة الباسيليكا أقدم كنيسة في الأرض المقدسة، إن لم تكن في العالم أجمع.
في العام 638م، بدخول المسلمين إلى الأراضي المقدسة، تَمَّ عقدُ معاهدة صداقةٍ في الإخاء والمساواة بين المسيحيين والمسلمين بالمعاهدة العمرية المعروفة بين بطريرك الملة الملكية – بطريرك الروم الأرثوذكس – بالقدس، البطريرك صفرونيوس، والخليفة عمر بن الخطاب، بإعطاء الأمان للجميع وفرض الاحترام المتبادل بين الطرفين في المحبة والتسامح وحكمة عدم المساس بحرمة الأماكن المقدسة للمسيحيين أو الصلاة في كنائسهم جماعة.
🏺 الحفاظ على الكنيسة عبر العصور
من فترة حكم الأمويين حتى العباسيين في القرن التاسع، بقيت الأمور كلها كما هي محافظ عليها، والكنيسة أنقذت سالمة رغم بعض المحاولات من بعض الفئات المغرضة. أما في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي في العام 1009م، فقد هُدِمَ معظم المزارات المسيحية المقدسة، لكن كنيسة المهد استُثْنِيَت من الهدم، نظراً لما ورد عن زيارة وصلاة الخليفة عمر بن الخطاب في الكنيسة الحنية الجنوبية.
وهذا ما جاء مؤكداً في القرن التاسع بما ورد في نصوص كتابات المؤرخ البطريرك افتيخيوس الإسكندري، كما أوضح هذا البطريرك عن واقعة البناء الثاني للكنيسة من قبل “جوستينيان” في القرن السادس.
🌍 الزلازل والتحريات الحديثة
بعد حوادث الزلازل المتعددة، كما في العام 1834م والعام 1927م، اضْطُرَّ حينها للبدء في النظر لأساسات الكنيسة ودراسة الوضع. ففي العام 1934م، في فترة الانتداب البريطاني، وإشرافهم على الكنيسة، قامت دائرة الآثار بالتحريات والكشف في أرض الكنيسة بإشراف هاملتون للصيانة والبرهنة في التنقيب، حيث تَمَّ ملاحظة أن قواعد العُمُدة مطمورة في أرض الكنيسة بأساسات متينة، لا سيما بعد الكشف عنها بحفريات علماء بريطانيين والباحث وليم هارفي، إذ ظهرت على عمق 70سم بقايا الفسيفساء الرائعة التي تعود إلى الكنيسة الأولى زمن القديسة هيلانة والقرن الرابع، حيث وُجِدت الرموز المسيحية وبعض الصلبان التي وُضِعَت رسماً في ذلك الحين على أرضية الكنيسة. وهذا إثبات رسمي للبناء القسطنطيني الأول، لأنه بعد العام 427م عقد مجمعٌ محلي في اللد من قبل الإمبراطور البيزنطي ثيوذوسيوس الثاني، بمنع وضع الصلبان على الأرض إذ أنها طريقة غير صحيحة لتكون مداساً للأرجل، فاقتصر رسمها على الجدران.
🏰 الحكم الفاطمي والأيوبي والمماليك
بعد الفاطميين، كذلك كان الحال مع الأيوبيين وخاصة بقيادة صلاح الدين الأيوبي في العام 1187م، الذي قام بدوره هو أيضاً في إحترام المكان المقدس، حيث سُلِّمَت الكنيسة في عهده. أما في زمن خلفائه من المماليك، الذين حاولوا مراراً هدمها في القرن 13، كالظاهر بيبرس، فلم يستطيعوا ذلك بفعل آيات وعجائب حدثت كما جاء ذكرها في تاريخ تقليد كنيستنا الأرثوذكسية.
⚔ الصليبيون والفسيفساء
في العام 1099م، كان قدوم الصليبيين وسيطرتهم على البلاد لأهداف خاصة ذات أطماع ذاتية، قاموا من خلالها بتتويج بعض ملوكهم الصليبيين بالهيمنة على إدارة زمام الأمور في الكنيسة، طامحين إلى تأسيس المملكة اللاتينية في القدس، ولكن باءت بالفشل هذه الأطماع عند مجيء القائد صلاح الدين وتصديه لهم.
لكن تم هنا اتفاق تعاون رغم الصراعات المريرة التي مرت بها الكنيسة، لنرى في هذه الفترة الصليبية، ما بين العام 1165م – 1169م، الفسيفساء المزينة للجدران على الجوانب العليا من كلا القسمين: الحائط الجنوبي بما يمثله من أشخاص من أجيال المسيح حسب (متى 1:1-16)، والحائط الشمالي الشرقي بما يمثله فوق صور المجامع المسكونية السبعة والمجامع المكانية الستة، بتفاصيلهم على كلا الجهتين، والتي تؤكد المبادئ العقائدية لإيماننا القويم في دحض البدع والهرطقات التي ظهرت في ذلك الوقت.
🏛 الباسيليكا الحالية
الباسيليكا الحاضرة، من القرن السادس، تشمل خمسة مقاطع لأربعة صفوف من الأعمدة على كلا الجهتين، تمثل 44 عموداً، تبين أنها قطعت أصلاً من محجر من ضواحي بيت لحم يُدعى “المصلب”، حيث يبلغ طول العمود 6 أمتار، كل منها قطعة حجرية واحدة من الرخام الوردي، تتوجها راسيات كورنثية بيزنطية الطابع من الرخام الأبيض، بالاقتراب من مصطبة مربعة في صحن الكنيسة، وترتفع عن أرضها حوالي متر لتعطي للزائر فكرة عن كونها سطح مغارة المهد، وهو الكاثوليكون، القسم المركزي لصحن كنيسة الروم الأرثوذكس.
نشاهد “الأيقونسطاس”، وهي كلمة يونانية تعني الحائط الخشبي الذي يحمل الأيقونات حاجباً أو فاصلاً بين داخل الهيكل مكان “المذبح” وصحن الكنيسة مكان وقوف المؤمنين، وهو الهيكل الأرثوذكسي الطابع المصنوع من خشب أرز لبنان والمحفور في القرن 17، فتزينه الأيقونات البيزنطية المرسومة بالذهب والفضة، بالإضافة إلى الثريات النحاسية الضخمة التي صُنعت في ننبرغ بألمانيا عام 1869، والتي قدمت من العائلة الروسية المالكة، القيصر نيقولا الثاني وزوجته ألكسندرا.
🕌 التعديلات العثمانية والقوانين الدولية
في العام 1517م، بمجيء العثمانيين الأتراك، أُجريت التعديلات الأخيرة للكنيسة، حيث صُغِّر المدخل إلى باب ضيق رمزاً للتواضع وحماية للمكان، كذلك تم تعديل سقف الكنيسة الخشبي الذي تعرّض للخراب مرات عديدة، فُعِّلَ من جميع طوائف الكنيسة، مما أدى إلى زرع حقوق وامتيازات لكافة الأطراف، واستدعى حل الوضع بنظام عالمي، أي بقانون دولي ينظم أوقات ومواقع العبادات بين الطوائف، خاصة بعد حرب القرم 1854م.
تم عقد مؤتمر في باريس عام 1856م ليكون هذا النظام “الاستاتسكفو”، نظام المزار بقوانين خاصة تجمع بين كافة الفئات، كنتيجة للأحكام والفرمانات التي أُعطيت من قبل المماليك والأتراك، وأُشرف عليه لاحقاً من الحكومة البريطانية، لتبقى الكنيسة موزعة بين الأطراف الثلاثة كل في موقعه، بامتثال شديد لإنهاء النزاعات السابقة.
🎄 أعياد الميلاد والتقويمات
نحتفل بعيد الميلاد ثلاث مرات في السنة، نظراً لاختلاف التقويم حسب كل طائفة:
الروم الأرثوذكس: حسب التقويم اليولياني الشرقي القديم، في 25 ديسمبر شرقي، الواقع في 7 يناير غربي.
الغربيون: يحتفلون في 25 ديسمبر غربي.
الأرمن: يعتبرون أن ميلاد المسيح مرتبط بظهوره في المعمودية في نهر الأردن، لذلك يكون عيد الميلاد والظهور عند الأرمن في نفس يوم عيد الظهور عند الروم الأرثوذكس، أي 6 يناير شرقي، 19 يناير غربي.
🙏 التمنيات الختامية
أخيراً، نتمنى من الله تعالى لكم جميعاً أعياداً مجيدة مباركة، ملؤها المحبة والخير والسلام، مليئة بالفرح الروحي الذي يرسله ملك ورسول السلام، ألا وهو ربنا يسوع المسيح.
ولننشد مع الملائكة بفرح قائلين:
“المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”.