الولادة: 1685
الوفاة: 1724
احتل البطريرك أثناسيوس الثالث دّبّاس موقع الصدارة بين أساقفة الروم الملكّيّين بحلب لعقود، حيث قاد أبرشية حلب لمدة تسع وثلاثين سنة، وجعلها مقراً مؤقتاً للبطريركية الأنطاكية، معززًا النشاط الثقافي والحرّية الكاثوليكية بين أبناء الطائفة. ينقسم عهده إلى ثلاثة أقسام:
- من ١٦٨٥ إلى ١٦٩٤: بطريرك أنطاكي منافس للبطريرك كيرّلس الخامس الحلبّي.
- من ١٦٩٤ إلى ١٧٢١: بطريرك سابق لكنه راعٍ لأبرشية حلب بعد تنازله عن السلطة الفعلية.
- من ١٧٢١ إلى ١٧٢٤: أدَّر الأبرشية بالتعاون مع المطران جراسيموس سمان، لكنه أبعده واحتفظ بالإدارة.
🕊️ نشأته
بولس بن الخوري فضل الله الدبّاس وُلد في دمشق عام ١٦٤٧ في أسرة كهنوتية. تلقى تعليمه على يد اليسوعيين واعتنق الإيمان الكاثوليكي. مارس مهنة الخياطة ثم اتجه إلى الحياة الرهبانية في دير القديس سابا في القدس، حيث درس اللاتينية وترقى ليصبح رئيس دير الروم في بيت لحم. تأثر برهبان القديس فرنسيس وتعزز ميوله للكاثوليكية.
👑اختياره لأبرشية حلب وسيامته بطريركًا
بعد وفاة المطران ملاتيوس الباياسي، زار وجهاء حلب دير القديس سابا في القدس ووجدوا الراهب الدمشقي بائيسيوس (أثناسيوس) وطلبوا منه أن يصبح مطرانًا لهم. بالرغم من رفض البطريرك كيرّلس الخامس الحلبّي، تم تتويج أثناسيوس في دمشق في ٢٥ حزيران ١٦٨٥ كبطريرك أنطاكي. واشتدت المنافسة بينه وبين كيرّلس، حيث انقسمت الطائفة بين حزبَي “البرغشي” (أنصار أثناسيوس) و”الناموسي” (أنصار كيرّلس)، مع تدخل السلطات العثمانية ورومة في النزاع، وكان للحلبيين دور بارز في دعم أثناسيوس، الذي كان محبوبًا بينهم بسبب كاثوليكيته وانتمائه إلى الروم الملكيين.
✈️سفره إلى بلاد الفلاخ (١٧٠٠- ١٧٠٥)
على أَنّ وضع أثناسيوس في حلب ساء كثيرًا بعد إبرامه هذا الصلح مع منافسه كيرّّلس وتخاذله أمامه. فقد تخّّلى عنه أصدقاؤه القدامى وأوجبوا عليه التنازل عن البطريركيّة. فتباعد عنه المرسلون والقناصل. وزاد الطين بّّلة ما انتاب الحلبّيّين في تلك الأيام من ضيق شديد وغلاء في المعيشة وانحباس الأمطار.
تجاه هذا الواقع قرّر أثناسيوس في آذار سنة ١٧٠٠ أن يبتعد عن حلب في سفرة إلى القسطنطينّيّة، ومنها قصد بوخارست عاصمة بلاد الفلاخ، حيث نزل ضيفًا مكرّمًا على أميرها المسيحي الشهم يوحّنّا قسطنطين باصارابا ويوضّا. وقد اعتقد البعض أنّ أثناسيوس كان في الماضي أبًا روحيًا وواعظًا.
ثم حصل من كرم الأمير الروماني على ما عجز أسلافه عن الحصول عليه من مجمع انتشار الإيمان في روما، فطُبع في بوخارست على نفقة الأمير عدد من الكتب الدينية والطقسية باللغة العربية. وهكذا صدرت عن المطبعة الأميرية في بوخارست الكتب التالية تباعًا:
- الكتاب المقدس بكامله سنة ١٧٠٠، حسب بعض المصادر.
- كتاب القداسات الثلاثة الإلهية، سنة ١٧٠١.
- كتاب الأورولوجيون المعروف بالسواعي، سنة ١٧٠٢.
وقد ناظر أثناسيوس بنفسه طبع هذه الكتب بمعاونة الكاهن الراهب أنثيموس الكرجّيّ، الذي كان يجيد اليونانية والسلافية والتركية إضافة إلى لغته الكرجية.
وفي حزيران سنة ١٧٠٢ أهدى الأمير مذکور تاريخًا للبطاركة الأنطاكيين، كتبه باليونانية الحديثة، نقلاً عن المؤرخين الروم الملكيين السابقين. وهذا التاريخ محفوظ إلى اليوم في نسخة وحيدة في المكتبة الوطنية في فيينا برقم “يوناني ٨٥”.
وبتاريخ ١١ تموز سنة ١٧٠٣ كان أثناسيوس لا يزال في بوخارست، إذ حضر فيها تنصيب أولياء نعمته من الأمراء ملوًا على بلاد الفلاخ. وهناك من يعتقد أن البطريرك القسطنطيني جبرائيل الثالث عيّنه سنة ١٧٠٥ رئيسًا لأساقفة قبرص، خلفًا لرئيس أساقفتها جرمانوس المتوفى، والله أعلم. على كل حال، عاد أثناسيوس إلى حلب في غضون عام ١٧٠٥، مصطحبًا معه، فضلًا عن الكتب التي طبعها في بوخارست، مطبعة عربية كاملة، هي أول مطبعة عربية في الوطن العربي، وضعها في مطرانيته بحلب.
رسم أيقونتين لدير البلمند للقديس جاورجيوس والأربعين شهيدًا.
في ١٧٠٨ تعاون مع ابنه الشمّاس حنانيا في رسم نسخة من أيقونة “الدينونة العامة” المحفوظة حتى الآن.
آخر أيقونة معروفة له تحمل تاريخ ١٧٢٢ وتمثل “العذراء الهادية”، محفوظة في دير يوحنا الصايغ بالخنشارة.
ابنه الشمّاس حنانيا بدأ ممارسة فن أبيه، فكان يرسم معه في البداية ثم وحده من ١٧١٤ حتى ١٧٤٠.
وفي عهد البطريرك أثناسيوس برز فنانون آخرون مثل موسى بن اصطفان في الرسم على الخزف الصيني، وجبرائيل بن ميخائيل لباد الحلبّي في فن النسخ وتزيين المخطوطات، حيث ترك “كتاب الليتورجيات الإلهية” نسخة نفيسة تعود إلى سنة ١٧١٥.
كما برز فنانون آخرون في رسم الأيقونات مثل شكرا الله بن يواكيم بن زلعوم وآخرون، ما يدل على أن عهد البطريرك أثناسيوس كان عهد نهضة ذهبية في الأدب والفنون والصناعة بين المسيحيين الحلبيين.
🤝في خدمة الفقراء والكنيسة
كان البطريرك أثناسيوس عالمًا ماهرًا وإداريًا محنكًا، وله محبة خاصة للفقراء.
من آثار رعايته الخيرية التي وصلتنا، ما ورد في “كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب” للشيخ كامل الغزي، أن في سنة ١٧١٣ أوقف مسقفات لفقراء النصارى.
وفي ٥ آذار ١٧١٩ كتب البطريرك وثيقة يوقف فيها خمس دور من ممتلكاته على أيتام فقراء طائفته في حلب، مع تخصيص جزء من الريع لأفراد من أسرته.
وفي ٢٥ تموز ١٧٢٠ حرّر وثيقة تميز فيها خصوصيات أنيسة حلب عن مطرانها.
كما أصدر أوامر مشددة لمنع بعض التجاوزات الأخلاقية والاقتصادية التي كانت تحدث في الأعراس، ونشرها الخوري بولس قرألي في المجلة السورية سنة ١٩٢٨.
⛪تأسيس الرهبانّيّة الشويرّيّة
في عهد البطريرك أثناسيوس الثالث دّبّاس تأسست الرهبانية الشويرية (منذ 1697) في دير البلمند، بهدف إنعاش النظام الرهباني الشرقي ونشر الاتحاد الكاثوليكي في لبنان والشام.
في 1710 انتقل الرهبان إلى دير القديس يوحّنّا الصابغ في الشوير، بعد موافقة البطريرك كيرّلس الخامس، مع تأسيس قانون رهباني مختصر.
قاد الرهبانية الخوري سليمان آسري ثم الخوري جرجس سّمّان، وبعدهما نيكيفورس بن الخوري عازار كرمه الذي نظم أول مجمع عام للرهبانية في 1720.
⚖️ التأرجح بين الكثلكة والأرثوذكسّيّة
في فترة تأسيس الرهبانية، ازدهرت الحراة الكاثوليكية في أبرشيات البطريركية الأنطاكية، وأكدت رومة شرعية أثناسيوس كبطريرك كاثوليكي.
لكنه واجه ضغوطًا وعقبات، منها ملاحقات في حلب، وتوترات مع السلطات العثمانية.
في 1716، أبدى البطريرك كيرّلس الخامس استعداده للاتحاد مع رومة، فكان صراع على الشرعية بينه وبين أثناسيوس.
في 1717 طلب المجمع المقدس من أثناسيوس التنازل رسمياً لصالح كيرّلس، الذي اعتبر كاثوليكياً واعتُرف به من قبل البابا في 1718.
أثناسيوس تنازل بشروط لكنه سرعان ما ابتعد عن الكثلكة، حتى بعد وفاة منافسه كيرّلس عام 1720، ومال نحو الأرثوذكسية ومناهضة الكاثوليكية.
بعد وفاة كيرّلس، عاد أثناسيوس إلى سوريا وبدأ يتقرب من رؤساء الكنائس الأرثوذكسية، معاديًا الكاثوليك والمرسلين.
نشر مؤلفات معادية للكاثوليكية، منها ترجمة “عتاب صخرة الشك” التي تهاجم الكنيسة الغربية، وسببت له غضبًا وانشقاقًا في صفوف أنصاره.
هرب الشماس عبد الله زاخر، أحد أنصاره، إلى لبنان ودير القديس يوحّنّا الصابغ.
طلب أثناسيوس الدعم من بطريرك القسطنطينية وإصدار مجمع ضد المرسلين الكاثوليك في 1722، وحصل على فرمانات سلطانية ضدهم.
توزع أثناسيوس هذه الأوامر في أبرشيته، وأكد تمسكه بالإيمان الأرثوذكسي، بينما رفض عبد الله زاخر هذه القرارات وكتب ضدها، وانتقل إلى لبنان خوفًا من الانتقام.
🕯️وفاته
ظل المرسلون الأجانب في حلب منقسمين حول معتقد البطريرك أثناسيوس، فبعضهم كان يرى أنه كاثوليكي بالقلب وأرثوذكسي بالظاهر، وآخرون يعتبرونه زعيمًا أرثوذكسيًا وخصمًا للكاثوليكية.
الحلبّيّون كانوا يقدّرون أثناسيوس ويحبونه، وفضلّوه على منافسه البطريرك كيرلس الخامس، وقبلوا ترشيح تلميذه سلفستروس القبرصي ليخلفه على الكرسي البطريركي.
في آخر أيامه، طلب أثناسيوس من شعبه أن ينتخبوا سلفستروس بطريركًا، مع شرط ضمني بمسامحة جراسيموس، وبعدها أرسل رسائل إلى القسطنطينية تؤكد خلافة سلفستروس.
سلفستروس، الذي كان في جبل آثوس، عاد إلى حلب وأثار جدلاً بين أهلها، لكن توفي في 24 تموز/ أغسطس 1724 بعد مرضه بداء المثانة.
المطران جرمانوس فرحات يروي أن بطرس فروماج اليسوعي نصح أثناسيوس بالاعتراف في مرضه الأخير، لكنه رفض، واعترف عند كاهن قبرصي مشاكس، ما اعتبره اليسوعيون غير مقبول.
جبرائيل حوا، مطران قبرص الماروني، يؤكد أنه زار أثناسيوس في آخر أيامه ومنحه الحلول من الحرم، بينما الأب الكبوشي Joseph de Reuilly يدعي أنه زاره قبل الوفاة وأن أثناسيوس أعلن تمسكه بالإيمان الكاثوليكي، لكنه حافظ على عادات الطقس.
في النهاية، يبقى الأمر مجهولًا بشأن المذهب الذي توفي عليه أثناسيوس، وربما كان يعتقد بإمكانية التوفيق بين الانتماء الكاثوليكي والأرثوذكسي في الوقت نفسه.
📖مؤّلّفاته
- تاريخ البطاركة الأنطاكيين: مكتوب باليونانية الحديثة، مخطوط ولم ينشر بعد، معتمد بشكل كبير على مؤلفات البطريرك مكاريوس الحلبي.
- مواعظ يوحّنّا فم الذهب: 34 موعظة تُرجمت للعربية قبل 1700 وطُبعت في حلب 1707، وأعيد طبعها مرات عدة.
- أعمال المجامع المسكونية الأربعة الأولى (مع مجمع سرديقه): ترجمة عن اللاتينية واليونانية، قدّم له الخوري جبرائيل فرحات مراجعات.
- كتاب صلاح الحكيم وفساد العالم الذميم: ترجمة من اليونانية عام 1705، منسوبة خطأ للقديس باسيليوس الكبير، نُقّحت من قبل جبرائيل فرحات.
- رسالة وجيزة في التوبة والاعتراف: بعنوان “سلك الدّرّ النظيم في سر التوبة والاعتراف القويم”، طُبعت في حلب 1711.
- ترجمة جديدة لكتاب التريودي: بمعاونة جبرائيل فرحات، مع مراجعة نص الأناجيل الأربعة وكتاب كتاب الباراليتيكي، نُشرت في 1711.
- مواعظ آحاد وأعياد السنة.
- توجيهات رعوية حول الكهنوت والزواج والعماد والجنازات: منشور أسقفي صدر في تموز 1716، نُشر وعُمم لاحقًا.
- منهاج الكهنوت لخدّام اللاهوت: ترجمة عام 1716 عن المؤلف اليوناني نقولا بلغاريس.
- صنعة الفصاحة: ترجمة عام 1718 من أصل يوناني مجهول.
- كتاب صخرة الشك: ترجمة عن المطران الياس منياتس، طُبعت في لندن عام 1721.
- رسالة المجمع القسطنطيني 1722: موجهة ضد الدعاية اللاتينية، ووقّعها سلفستروس، أثناسيوس، وآريزنثوس.
- كتاب منهاج الصلاح لبغية النجاح: وضعه عام 1723.
نقلاً عن كتاب “أساقفة الروم الملكيين بحلب في العصر الحديث”، مع بعض التصرف.
موسوعة قنّشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت