الولادة: –
الوفاة: 1672
بعد وفاة المطران مطروفانس بشارة (13 أيلول 1659)، لم يعيّن البطريرك مكاريوس الحلبي ابن الزعيم خلفًا له، بل أدار أبرشية حلب بنفسه لسنوات، رغبةً في إعادة الوحدة بين أبنائها، والاستفادة من مواردها، ولتعلّقه بمسقط رأسه. كانت حلب حينها تضم نحو ثلث أبناء البطريركية الأنطاكية، وأصبحت مقرًا شبه دائم له لمدة 11 سنة، حيث التقى فيها بثلاثة بطاركة شرقيين (الرومي، السرياني، الأرمني)، مما مهّد لاحقًا لاتخاذ البطريرك أثناسيوس الثالث دباس حلب مقرًا دائمًا.
في بداية عهده، كان والي حلب محمد باشا الخاصكي مشهورًا بالاستبداد والطمع، فشهدت المدينة في عهده كوارث طبيعية (فيضان نهر قويق) واضطرابات اقتصادية (تزوير العملة، غلاء شديد)، وانتهى الأمر بعزله وإعدامه سنة 1661.
خلال هذه الفترة، وقع حادث استشهاد داود الرومي (28 تموز 1660)، وهو من وجهاء الروم الملكيين، رفض دفع “ضريبة العمامة” للمرة الثانية احتجاجًا على التمييز ضد المسيحيين، فاعتُقل وعُذّب وسُجن شهرين، ثم حُكم عليه بالإعدام وقطع رأسه، فشيّعه جميع المسيحيين. أحد أبنائه، وهبه داود (ثاوذورس)، أرسل إلى روما، وتعلّم هناك، ثم صار أسقفًا لاتينيًا في أزمير وتوفي عام 1715.
كما شهدت حلب قبلها إعدام غلام مسيحي بولوني (12 شباط 1660) قَتل سيده دفاعًا عن نفسه من الانتهاك، وظلّت جثته مصونة من الحيوانات في مشهد اعتبره الناس معجزة.
في 7 أيار 1661 وصل البطريرك مكاريوس الحلبي إلى حلب بعد وفاة الوالي الظالم محمد باشا الخاصكي، الذي عُزل وقُتل بأمر السلطان، فاستقبلته المدينة بفرح واطمئنان. جاء البطريرك لتعزية أبناء طائفته بعد استشهاد داود الرومي، ولإدارة الأبرشية الشاغرة، خاصة في ظل مجاعة عامّة عُرفت بـ”سنة الغلاء”.
أقام في حلب خمس سنوات متواصلة (1661–1665)، وخلالها تقرّب من المرسلين الأجانب وقنصل فرنسا، متأثرًا بخدمتهم للفقراء والمرضى والسجناء. امتدح الكثلكة علنًا، ودعا القنصل والمرسلين لقدّاس في كنيسته، وأعلن أن الفرنج يسيرون على الطريق القويم. كما سلّم القنصل رسالة إلى البابا ألكسندرس السابع (30 أيلول 1661) يعترف فيها به رأسًا للكنيسة الأرثوذكسية، متعهّدًا بالسعي لضمّ أمته إلى الكنيسة الرومانية، وأرسل معه مخطوطين (الأفخولوجي والسواعي) لطباعتهما في روما.
ناقش مجمع انتشار الإيمان الرسالة سنة 1662 وقرّر طباعة الكتابين بعد التنقيح، مع متابعة استعداد البطريرك عبر المرسلين الكرمليين. لكن المشروع تعطل، وبقي المخطوطان في الفاتيكان غير مطبوعين. في 22 تموز 1662 ردّ البابا برسالة شكر ومدح لاعترافه بالكنيسة الرومانية وسعيه للوحدة.
✝️ تواجد ثلاثة بطاركة في حلب (1662)
في تشرين الأوّل 1662، غادر القنصل الفرنسي بيكه حلب وخلفه القنصل بارون، الذي تابع دعمه للكثلكة. في عهده اجتمع في حلب ثلاثة بطاركة:
مكاريوس الحلبي بطريرك الروم، المعروف بتقاربه مع الكثلكة.
ختشادور السيواسي بطريرك الأرمن الكاثوليك.
ذيونوسيوس أخيجان بطريرك السريان الكاثوليك، الذي درس في روما ورُسم أسقفًا على السريان بحلب عام 1656.
في 20 آب 1662، نُصّب أخيجان بطريركًا على السريان في احتفال مهيب بكنيسة السريان في حي الصليبة، حضره البطريركان الآخران بأمر من والي حلب، بدعم من القنصل بارون. بدأت المراسم برسامة شقيقه أندراوس أسقفًا، ثم جُلب البطريركان مكاريوس وختشادور من كنائسهما المجاورة، وحُمل الثلاثة على أكتاف الشعب وسط الهتافات الروحية.
بعد ستة أيام، أقام القنصل مأدبة على شرف البطريرك الجديد، شرب فيها مكاريوس نخب البابا وأعلن رغبته في أن تكون هناك “رعية واحدة وراعٍ واحد”، فوافقه البطريركان الآخران. أثار ذلك حماس المرسلين، لكن مجمع انتشار الإيمان شجب طريقة الحصول على اعتراف الوالي (بالرشوة).
لاحقًا، أوفد المرسلون الكرمليون ممثلهم إلى روما في أيلول 1662 لطلب تثبيت البطريرك السرياني الجديد، وطلب هدية كأس ذهبي لكل من مكاريوس وختشادور، مع وعد بإرسال أسقفين لتقديم الطاعة للبابا، لكن الفكرة لم تُنفّذ. كما أُرسلت رسائل إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر، بينها رسالة من مكاريوس يشكو فيها أوضاع المسيحيين تحت الحكم العثماني.
في حزيران 1663، دافع مكاريوس عن المرسلين الكاثوليك أمام البطريرك الماروني جرجس السبعلي، وشاركه في ذلك البطريركان السرياني والأرمني. كردّ للجميل، طلب المرسلون إعادة طبع كتاب “الأفخولوجي” الذي أرسله مكاريوس سابقًا إلى روما.
وفي 14 كانون الأول 1663، كتب مكاريوس رسالة ثانية لمجمع انتشار الإيمان، عبّر فيها عن محبته للكرسي الرسولي ورغبته في الاتحاد الكنسي، وطلب المساعدة للمسيحيين الشرقيين، وشكر القنصل بارون والكأس الذهبية، وأعاد المطالبة بطباعة “الأفخولوجي” و”السواعي”. يبدو أنه وقّع سرًّا اعترافًا رسميًا بالإيمان الكاثوليكي، أُرسل نسخة منه إلى المجمع، فيما حُوّلت النسخة الأصلية إلى مجمع التفتيش في حزيران 1665.
🌍 السفرة الثانية للبطريرك مكاريوس إلى روسيا وبلاد الكرج (1665–1669)
في عام 1665، غادر البطريرك مكاريوس حلب متوجهًا إلى بلاد الكرج ثم روسيا بدعوة من القيصر ألكسي للمشاركة في محاكمة البطريرك نيكون. رافقه في المهمة البطريرك الإسكندري بائيسيوس، ومثّل بطريرك القسطنطينية ذيونيسيوس الثالث الذي تعذر حضوره، إضافة إلى رئيس أساقفة جبل سيناء حنانيا.
مرّ مكاريوس ببلاد الكرج، حيث نشر فكرة الاتحاد مع روما وعمّد كثيرين، كما سعى عبر ملك بولونيا لإعادة الوحدة بين الكنيسة الشرقية والرومانية. وفي موسكو (1667) شارك في الحكم بعزل نيكون. وخلال وجوده هناك نُشر في أمستردام كتاب “صورة الإيمان الأرثوذكسي” يحمل توقيعًا مزورًا باسمه.
في طريق عودته (1669)، أقام في الكرج وكتب بحثًا عن تاريخ اهتداء البلاد للمسيحية، لكنه فقد ابنه الشماس بولس في تبيليسي إثر اغتيال على الأرجح بدافع السرقة، فعاد حزينًا إلى حلب، ثم سلّم أبرشية حلب لأسقف جديد (1670) وعاد إلى دمشق.
خلال الرحلة، ألّف عشرة كتب في التاريخ الكنسي، والمجامع المسكونية، وسير القديسين، وتفسير القداس، وتاريخ البطاركة، وأبحاث لاهوتية وأدبية، أبرزها كتابه الكبير “التاريخ الرومي العجيب الجديد”.
في سنواته الأخيرة، قلّ حماسه للوحدة مع روما لكنه حافظ على علاقات طيبة مع المرسلين، ويُقال إنه اعتنق الكثلكة سرًا. شهد جنازة المرسل الكبوشي صديقه (1671) بحضور ثلاثة بطاركة. كما أصدر شهادات ضد البروتستانتية الكلوفينية، لكنّه لم يشارك في مجمع القدس (1672) الذي أدان البروتستانتية.
توفي في دمشق في 12/22 حزيران 1672 مسمومًا، ويُرجّح أن السبب إما ميوله الكاثوليكية أو طمع البعض في أمواله.
نقلاً عن كتاب أساقفة الروم الملكّيّين بحلب في العصر الحديث بتصرف.
موسوعة قنّشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت