الولادة: –
الوفاة: –
قورش Cyrus ,Kyrus أو قيورا، أو قيورى أو قيواي، بحسب ما تدعوه المصادر السريانية، هو شخص واحد، كاتب لم يُعرف في الأوساط السريانية والاستشراقية بشكل واسع إلا في الستينيات لما قام الأمريكي ويليم مكمبر W.F.MACOMBER بتقديم أطروحته عنه. عن حياته لا نعرف غير القليل. على الأرجح وُلد ونشأ في الرها في مطلع القرن السادس، ثم توجّه إلى مدينة نصيبين المجاورة للدراسة والتخصص على يد مديرها مار آبا الكبير وعلى توما الرهاوي (طالع الفصح1 _6 ). ولما صار آبا بطريركاً عام 540، رافقه هو وتوما إلى ساليق وقطيسفون للتعليم في المدرسة التي أسسها البطريرك الجديد هناك. وبعد موت (آبا) عام552 إنتقل إلى الحيرة وأسس فيها مدرسة. يقول التاريخ السعردي :
((وكانت وفاته (آبا) في ليلة الجمعة الثانية للصوم الماراني (السيّدي ) وحمله قيورى إلى الحيرة ودفنه بها وبنى على قبره ديرا … ونصب الاسكول (المدرسة ) بالحيرة )) (جزء 2ص78 _79 ). وكذلك كتاب ((المجدل)) الذي يسميه (قيواي) يشير إلى تأسيسه مدرسة في الحيرة (عمرو ص40 ) ومن المحتمل أن قورش حصل على لقب الأستاذ بعدما غادره توما الرهاوي إلى القسطنطينية حيث مات عام 543. أما وفاته، فلا نعرف تاريخها، وقد تكون في مطلع القرن السابع .
تآليفه :
يذكر عبد يشوع الصوباوي إن لقورش : ((علل وتفاسير وتراجم))(الفهرس ص 87 رقم100 ).
تفاسيره ما هي إلا شروحات للأسفار المقدسة، والتراجم قد تكون من اليونانية إلى السريانية وليست التراجم التي تقال في القداس الكلداني _الآثوري قبل قراءة الرسالة والإنجيل والتي تعود إلى القرن الثالث عشر. ويعتقد مكمبر إنه هو الذي نقل من اليونانية إلى السريانية كتاب هيراقليدس لنسطوريوس بناء على طلب بطريركه آبا الذي جمع أثناء وجوده في القسطنطينية نصوصا يونانية عديدة وخصوصاً تأليف ثيودورس ونسطوريوس. لم يصلنا من كل تآليفه سوى ستة خطابات في علل أعياد التدبير : الصوم، خميس الفصح، الآلام، القيامة، الصعود وأحد حلول الروح القدس. ويظهر أن هذه الخطابات كانت مشروعاً مشتركاً بينه وبين توما الرهاوي الذي كتب الميلاد والدنح ولكن موت الأخير دفع قورش الى إتمام المشروع، فهو يذكر في خطابه عن خميس الفصح ما يلي :
((إننا في البداية وضعنا فصول هذا الخطاب بحسب ما تذكرناه من أقوال أساتذتنا القديسين، أي معلّمي مجمع مدرسة نصيبين ))(2 _6 ). وفي استهلال خطابه عن الصوم يذكر سبب كتابة هذه العلل التي ألقيت شفهياً : (( لأنكم طلبتم منّي (يذكر أسماء الشمامسة الذين طلبوا منه ) لأكتب لكم حسبما يسمح به ضعفي، عِلل هذه الأعياد التي لم تسنح الفرصة لرجل الله، أستاذنا القديس مار توما الملفان، في كتابة علل الصوم، الفصح، الصلب، القيامة، صعود الرب إلى السماء وحلول الروح القدس على التلاميذ، فحالما وصل طلبكم إلى سمعي ..)). إن أسلوب العلل أسلوب أدبي مألوف في مدرسة نصيبين لدى أساتذة القرن السادس _الثامن، إذ كان يرتجل أحد الأساتذة خطابا أمام الأساتذة والطلاب حول عيدٍ أو حدث ما، يتناول فيه، بنهج جدلي، الأوجه المتعددة للمناسبة أو السر المراد إحياء ذكراه مع طرح بعض أسئلة وأجوبة لشد المستمعين في عملية تأويل وتأوين.
يقول في مستهل خطابه عن الصعود: ((إن ذكرى هذا العيد، الذي تحتفل به الكنيسة المقدسة اليوم، هو صعود الرب إلى السماء ولكن في الوقت نفسه يتضمن صعودنا معه))؛ وفي خطابه عن القيامة يطرح عدة أسئلة : ((ما القيامة ؟ولماذا تحتفل الكنيسة اليوم بالقيامة )). ولما دونّت هذه الخُطَب أخذت بعض الأديرة تقرأها كلا في مناسبتها كما الحال في دير ايزلا الكبير ودير بيث عابي.
ومع الزمن كونت هذه الخطب مجموعة متجانسة ضمّت ثلاثين خطاباً حول مناسبات عديدة وحملت عنوان : ((عِلل أعياد التدبير ))نجد نسخة منها في مخطوطة دير الرهبان رقم155 فوستي. وبالنسبة إلى قورش، لقد قام مكمبر بنشر هذه العلل الست تحت عنوان Six Explanations of the Liturgical Feasts CSCO 355_6,SS155_6 (1974).
أطروحاته اللاهوتية :
يعرض قورش في هذه الخطابات خلاصة لاهوتية متناسقة للتدبير من الوجه البيبلي والعقائدي والليتورجي والتاريخي والتطبيقي بحسب تقليد كنيسة المشرق المتّبع في مدرسة نصيبين، ويعرضه بحسب واقع معاصريه للتأثير فيهم وشدّهم لعيشه. إن هذه الخطابات أقرب إلى طبيعة المواعظ منها إلى أبحاث لاهوتية منهجية وافية الجوانب. قورش لا يذكر من المصادر التي استند إليها سوى الكتاب المقدس، ولكن واضح تأثير ثيودورس المصيصي المعتمد في مدرسة نصيبين كمفّسر أعظم. تعليم قورش مبني على أرضية مفهوم زمانه للإنسان والكون والطبيعة والخلقية والخطيئة والخلاص، ونظرته الفلسفية _الكوسمولوجية _اللاهوتية كأنها ثابتة ومسلّم بها هذه نماذج من أطروحاته :
1- الإنسان والكون :
يرى قورش أن لحياة الإنسان وجهين: الأول زمني خاضع للتقلبات :فساد، ألم، موت، والثاني مستقبلي ثابت لا يخضع للفساد والألم والموت (الفصح7 _3 ). هذا التقسيم مرتبط بالمفهوم الكوسمولوجي لعصره، فالكون منقسم إلى قسمين يفصلهما الرقيع : العالم الأدنى حيث يعيش البشر والعالم الأسمى حيث القيامة (الصعود 2 _4 ) ويربط هذين القسمين بالتقسيم البيبلي، وكأن الواحد مكمل للآخر بتناغم. فخيمة العهد تُجسّد هذا التقسيم (الخروج فصل20 و30 ) فالستار يفصلها إلى جزئين : الأول يرمز إلى سكنى البشر، إليه يدخل الكهنة كل يوم لتقديم القرابين والثاني هو قدس الأقداس رمز السماء، لا يدخل إليه سوى عظيم الأحبار ولمرة واحدة في السنة، ثم يربط الكل بالعهد الجديد وبالمسيح الحبر الأعظم وبالموت _القيامة (الفصح3/2 _3 ).
ومن الجدير بالملاحظة أن قورش يضع الملائكة في الجزء الأول، أقلّه نظرياً. يقول : ((إن المسيح بعد أن قام بمجد عظيم من بين الأموات، متحررا من أي ضعف، أظهر تجديد كل الأشياء في ذاته، جاعلاً من جهة، الكائنات الروحية وغير المنظورة من حيث شفافية نفسهم غير خاضعين للتغيير؛ ومن جهة الطبائع المنظورة والمحسوسة، قد جعلها بفضل اندماجها في جسده غير خاضعة للتقلبات _ ))،(القيامة2 _4). ((هذا التحول يحصل بالرجاء في المسيح، بكر البشرية، يوم القيامة العامة. ويدفع (هذا الرجاء) البشر والملائكة إلى ممارسة الفضيلة والابتعاد عن اليأس بما أن المسيح قد فداهم ))، في صعود المسيح فادينا نالت النبوءة كمالها. فهو لم يصعد وحده، إنما جعل كل الجنس البشري يصعد معه وفقا لشهادة الكتاب (أفسس 2 _6 )(الصعود 5 _6 )، إذن الخليقة كلها تتطلع، بنعمة الله، إلى تحوّل أفضل (القيامة 2 _5 ؛الآلام 6 _5 ).
أمام سؤال :لماذا لم يخلقنا الله منذ البداية غير مائتين ؟ يرد قورش بجواب كلاسيكي : ((إن العالم في البدء خلق متناغماً ولكن آدم بعصيانه أدخل الفوضى إليه، ولما جاء المسيح أعاد إليه التناغم بطاعته )) (الآلام6 _5 ). هذه المقارنة بين آدمين نجدها عند معظم الآباء، وهي مقتبسة من الرسالة إلى رومية فصل 5. وبما أن الكون منقسم إلى قسمين، فهو بحاجة إلى جسر يربط الاثنين ببعضهما وهذا الامتياز (الربط) منحه الله للإنسان لكونه صورته، ((لقد سمى الله الإنسان صورته، وأعطاه السلطان على الخليقة جمعاء ))(تك 1/26 –28 ) وجمع في جبلته الخليقة كلها من جهة، ففي نفسه (الروحية ) جمع الملائكة غير الماديين وغير المنظورين، ومن جهة ثابتة جمع في جسده الكائنات الجسدية والمنظورة، من هذا المنطلق دُعي الإنسان إلهاً وابناً لله : ((لقد قلتُ إنكم آلهة وأبناء العلي تُدعون))(مزمور81_6) وإذا اعترف الإنسان بالله ولي نعمته، واقر بالسيادة التي منحه إياها نعمةً منه، لن يحول شيء أبدا دون تحقيق وعوده تجاه الخليقة (الآلام 3 _3 ). قورش يحافظ على التقليد المتواصل بأن آدم بعصيانه عوقب مع الخلود في نهاية الأزمنة عندما يدخل العالم إلى ملء كماله ))(الصعود 7 _7 )، وهذا يتم بفضل الروح القدس (الصعود4 _7 ). هذه المقارنة نجدها في مواعظ ثيودورس العمادية (9 _11 ).
أخيراً يشبه قورش الله بأبٍ يعامل أولاده بما يناسب نموهَّم وعمرهم : ((في حكمته الفائقة يقسم نعمه بشكل يناسب معرفة طبيعتنا ))(الفصح 5 _3 )، وبحسب مقدرتنا على القبول والاستيعاب (الحلول 4_3 ).
2-الخلاص :
ينطلق قورش في مفهومه للخلاص من لاهوت التدبير. يقول : (( إذن كما جاء في الكتاب المقدس، إنه في ملكوت الله لا يأكلون ولا يشربون ( رومية 14 _ 17 ) وإنهم (البشر) يسكنون كملائكة الله (متى 22 _27 )، هذا ما رسمه المسيح في الكنيسة بشأن الأعياد التي تشير إلى تدبيره الذي سوف ينجلي على حقيقته، بأمر الله في أورشليم العليا. ومن بين هذه الأعياد، عيد الصوم (الكبير) الذي تحتفل به الكنيسة المقدسة اليوم .
هذا الصوم يقودنا ويقّربنا إلى الصوم الإلهي الحقيقي الذي يشترك به كل البشر في القيامة المزمعة. إنه ينقّي النفس من ادران الخطيئة، ويطّهر الجسد من دنس الرذائل ))(الصوم 2 _6). وهذا المفهوم للتاريخ البشري يقوده بالتالي إلى مفهوم متعدد الأوجه للخلاص. فمن جهة إن المسيح قد أصلح الوضع البشري المتردّي بموته وقيامته وحررّ الإنسان من الموت والفساد. ومن جهة ثانية تتوّج قيامته الكشف الإلهي ضمن شريط طويل لتدبير الخلاص إلى أن يبلغ العالم الكمال في القيامة العامة (الصوم2 _6). وتتم هذه المسيرة بمراحل ورموز وصور.
إن المسيح ((يرينا في صورةٍ ما زوال الموت ))(الفصح 4 _5 )((إنه أظهر لنا قيامتنا كما في صورة ورمز ))(القيامة7/1 _2). ويشرح بإسهاب هذه الرمزية : ((إن الله نفسه في العهد القديم، كما في الجديد، رضي أن يرسم صورة العهد القديم بواسطة أمثال ورموز تم تحقيقها بمجيء السّيد، لأنه قبل أن يخلق العالم كان في فكره أن يُظهر العالم الجديد الذي بدأ بظهور مخلصنا … إنه دبّر بصدق في حياة الدنيا هذه أولاً والتي بها تمتلك (أنت) السبيل الملائم الذي يقود إلى الكمال ..
وفي الختام تدخّل إلى الحياة العتيدة عندما تقوم من بين الأموات. هكذا بالمقارنة نستطيع أن نتأكد من الحياة المقبلة التي سوف تكشف لنا ..إذن كما قلت إن الله خالق الكل كان قد رسم في فكره التدبير المملوء حياة والذي حصل تحقيقه بالمسيح مخلّصنا. فكان ملائما أن ترسم هذه الصور والرموز في العهد القديم حتى تنجلي في العهد الجديد في المسيح النموذج الحقيقي ))(القيامة 4 _3 ). في الحقيقة ((يشكل موت المسيح وقيامته المرحلة الأساسية التي عليها يقوم التدبير ومن دونها لا نفع للمراحل الأخرى .وهو نفسه رسم حقيقة ذلك خطوة فخطوة حتى نبلغ الكمال))(الصعود 3 _6 )وبعدما صعد إلى السماء بعشرة أيام أرسل الروح القدس ليحل على التلاميذ ،ويغمرهم بنعمه ويقودهم إلى المعرفة الكاملة (الصعود3 _4،4_10). فالقيامة وحلول الروح القدس هما ذروة التدبير.
يقول قورش : ((إن اقتبال الأسرار : المعمودية والقربان رمز موت المسيح وقيامته، يجدّد فينا، يوماً بعد يوم، ذكرى ما عمله من أجلنا ويحيي فينا الرجاء بأننا نقوم معه بعدما نموت ))(القيامة2 _6 ) و((إن نعمة الروح القدس هي التي تعطي الخلود وعدم الفساد )) (الصعود 2 _2 ).
من الملاحظ أن قورش يرى الخلاص شاملا لكل الخليقة وليس للإنسان فحسب : ((المسيح حطّم بموته وقيامته طغيان الموت ليس بالنسبة إليه، إنما بالنسبة إلى الخليقة جمعاء ))(القيامة2 _4 ). ويبرر سياسة الله في مسيرة التاريخ بأنها كانت لتدريب الإنسان من خلال الخبرات التي عاشها ليكون قادرا ً على التمتع بنعم العالم الآخر الذي سوف يدخله (القيامة4 _3 ).
نصوص مختارة
تحريض على السيرة الفاضلة
هذه الأمور، التي تكلمنا عنها بإيجاز، إنما كي لا نُثقل خطابنا ونتُعب سمعكم، لذا آن الأوان لنختم تعليمنا بكلمات تحريض على السماع والعمل وإعطاء الثمار من خلال الأفعال، فنقبل بالتالي المواهب الروحية التي نالها آباؤنا القديسون بفضل إرادتهم الصالحة.
إذا أحببنا السماع من دون ترجمته إلى العمل، نكون غرباء عن إرث آبائنا الروحيين، كما يقول بولس الإلهي ((ليس الذين يصغون إلى كلام الشريعة هم الأبرار، عند الله، بل العاملون بالشريعة هم الذين ينالون البر))(رومية2/13 )، لذلك، إن نحن أردنا أن نكون تلاميذ الرسل القديسين وورثاء إيمانهم، وجَب أن نقتدي بمثالهم في السيرة والتواضع حتى تصّح فينا التسمية وتضمن لنا التطويبات السماوية .
لننظر إليهم كيف كان العالم مصلوباً لهم وهم مصلوبين للعالم (غلاطية 6/41 )وكيف قبلوا العوز والضيق في سبيل إنماء إيمانهم. كانوا مثالاً حقيقياً مزيناً بكل أنواع الفضيلة فيحتذي بهم كل أبناء الكنيسة الكاثوليكية، متممين في جسدهم ما نقص من آلام المسيح حتى يكتمل تعليمه (كولوسي1/24 ). إنهم تحملّوا العذابات والموت القاسي بسبب حبهم للمسيح . لنقتدي إذن بهم ونشترك في رجائهم ونعتبر بسيرتهم الكاملة وبإيمانهم (عبر13/7 ). إن الثمار التي اجتنوها من أعمالهم الشاقة، ساوت إرادتهم الصالحة.
أيّ أبرص دنا منهم وعاد فارغ اليدين ؟ وأيّ كفيف لم ينل البصر بسهولة ؟ وأي مُقعد لم يمش بمجرد كلمة منهم ؟ وأي شيطان لم يطرد بسلطانهم وبمجرد كلمة أمر منهم ؟ وأي مريض لم يُشفَ تماما حالما لمس ثوبهم ووقع ظلهم عليه ؟ وأي مذهب لم يفرغ من افتخاره بتعليمهم المستقيم ؟ وأي مجمع لم يعظوا فيه حقاً كأبواق مرتفعة الصوت؟ فنحن إن قبلنا إيمانهم وسرنا على خطى فضائلهم كما تجلّت لنا، وأخذنا من سيرتهم مثالاً لنا، واعتبرنا إيمانهم وصُلبنا للعالم، والعالم صلب لنا، واحتملنا على غرارهم ما يحصل لنا بسبب ضعف طبيعتنا أو بسبب ضروريات الحياة، فسنتوّج مثلهم ((إذا تألمنا معه فسوف نتمجد معه ))(رومية8/17 )، ((وإذا تحملّنا فسوف نملك معه أيضاً))(2 تيمو2/12 ). ((هو سيدنا ورجاؤنا ومحيينا يسوع المسيح له المجد إلى الأبد )).
(الحلول 7/1 _4، النص السرياني ص185 187 والترجمة الإنكليزية 164 _165 ).
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت