الولادة: –
الوفاة: –
⭐ حياة الطوباوي بافنوتيوس
أحد النجوم اللامعة ببرية شيهيت، تَسَلَّمَ الرئاسة كقِسٍّ لشيهيت، وكان من كبار مُدَبِّري الحياة الرهبانية في القرن الرابع (يرى البعض أنه هو بعينه تلميذ القديس مقاريوس الإسكندري).
عُرف باسم “بَفْنوتيوس المتوحد” أو “الشيهيتي”، كما دُعِيَ كيفالاس Cephalas، وقد اختلف الدارسون في تفسير هذا اللقب، فالبعض يرى إنه يعني “أبا دماغ”، والبعض يرى أنها جاءت مُحَرَّفَةً عن “سِمْبلاس” أي “البسيط”. أمّا هو فكان يُلَقِّبُ نفسه بوباليس “الجاموسة” بسبب ضخامة جسمه، كنوعٍ من تحقير نفسه.
📌 حياته الديرية
وُلِدَ ما بين عامي 301 و311 م.، تَبِعَ القديس أنبا أنطونيوس وتتلمذ على يديه، ثم انفرد في حياة توحُّدية، وأخيرًا انطلق إلى برية شيهيت ليستقر هناك، مُتَتَلْمِذًا على يديْ مقاريوس الكبير تحت رعاية القديس إيسيذورس قِسّ شيهيت.
لا نعرف متى سِيمَ كاهنًا، لكنه خَلَفَ القديس إيسيذورس كقِسٍّ لشيهيت حوالي عام 373 م.، حيث انسحب الأخير مع القديس مقاريوس إلى الجنوب نحو البيامون لتأسيس دير أبي مقار، وكان القديس إيسيذورس يتردد لفترة 12 عامًا حتى تنيح.
صار القديس بافنوتيوس أب الأسقيط بعد نياحة القديس مقاريوس الكبير حوالي عام 390 م. وكانت قلايته تبعد حوالي خمسة أميال من الكنيسة. وعندما زار القديس يوحنا كاسيان شيهيت عام 399 م. كان القديس بافنوتيوس شيخًا في التسعين من عمره، وقد كتب عنه أكثر من مرة.
عُرِفَ بالحكمة والرزانة، فعندما حدث شقاق بين رهبان نتريا العقلانيين (الذين تبعوا أوريجينوس في نمط تفكيرهم) وبين البابا ثاوفيلس (23) بخصوص “شكل الله”، إذ حاول هؤلاء الرهبان تصويره بطريقة مادية ملموسة اسْتَطَاعَ بحكمته أن يكسب الكل في محبة.
من أجل استقامة إيمانه نُفِيَ فالنس الأريوسي في قيصرية الجديدة، وعند عودته وجدته القديسة ميلانيا أثناء زيارتها لنتريا، وكان لها شرف الحديث معه (يرى بعض الدارسين أنها التقت بالقديس بافنوتيوس الإسكندري إن كان شخصًا آخر).
❤️ حبه لخلاص النفس
قيل إن أخًا بدير أنبا أنطونيوس في بسبير Pispir اتُّهِمَ بخطيئةٍ ما فانطلق إلى القديس أنبا أنطونيوس، وبعد قليل لحق به بعض الإخوة ليشتكوا عليه، وابتدأوا يُوَجِّهون ضده الاتهامات، أمّا هو فكان يدافع عن نفسه. تَدَخَّلَ القديس بافنوتيوس قائلًا للإخوة:
“رأيتُ إنسانًا سقط في الماء فغطس في الطين حتى ركبتيه، فجاء قوم ليُساعِدُوه ويَنْشُلُوه، فما كان منهم إلا أنهم أغرقوه حتى عنقه”.
فلما سمع العظيم أنبا أنطونيوس ذلك قال عن القديس بافنوتيوس:
“انظروا هذا الإنسان، إنه حقًا يستطيع أن يربح النفوس ويُخَلِّصَها”.
(يُقال إن هذه القصة خاصة بالقديس بافنوتيوس تلميذ القديس مقاريوس الإسكندري).
قيل أيضًا إن القديس بافنوتيوس لم يكن يشرب النبيذ قط، ولكن دُفِعَ مرّةً فمرّ أمام عصابة من اللصوص وكانوا يشربون، وكان رئيس العصابة يعرف أنه ناسك لا يشرب النبيذ، فملأ كأسًا له، وأخرج بيده سيفًا وهدده قائلًا:
“إن لم تشرب فسأقتلك”.
أمّا القديس فحسب في ذلك جحدًا لمشيئته الذاتية، حاسبًا أن ما يفعله رئيس العصابة من قتلٍ يُهْلِكُ نفسه، ففضَّل أن يشرب الكأس من أجل خلاص الرجل، واثقًا أن نعمة الله لابد وأن تعمل فيه. تَصَاغَرَ رئيس العصابة جدًا في عيني نفسه أمام طاعة هذا الإنسان ووداعته، ولم يعرف ماذا يفعل سوى أن يعتذر قائلًا:
“اغفر لي يا أبتي لأني قد أحزنتك”.
أجابه القديس:
“إني مُتَيَقِّن أن الله سوف يغفر لك خطاياك من أجل هذه الكأس”.
فقال رئيس العصابة تائبًا:
“وأنا أيضًا واثق بنعمة الله إني من الآن لن أحزن إنسانًا ما”.
وقيل إن الجماعة كلها تابت على يديه.
كان مع الأب بافنوتيوس في الإسقيط أخ حاربته أفكار الزنا، فقال:
“ولو إني تزوجت عشر نساء لا أشبع شهوتي”.
فتوسّل إليه الأب قائلًا:
“لا يا ابني، فإن هذا الكلام هو بسبب حرب الشياطين”.
فلم يقتنع الأخ، ونزل إلى مصر وتزوج. وبعد زمان التقى به الأب وكان يحمل سلة بها صدفًا، فلم يعرفه، لكن الأخ قال له:
“أنا تلميذك فلان يا أبتي”.
فلما رآه بكى، وقال له:
“كيف تركت ذلك الشرف وأتيت إلى الهوان؟ على كل حال، هل اقترنت بعشر نساء كما ذكرت لي؟”
فتنهد الأخ وقال:
“بالطبع قد تزوجت واحدة، لكني أشقى كثيرًا بسببها، ولا أعرف كيف أشبعها خبزًا”.
قال له الأب:
“ألا تعود إلينا من جديد؟”
أجابه الأخ:
“وهل من توبة يا أبتي؟”
قال له:
“نعم”.
وللحال ترك كل شيء وتبعه وصار في الإسقيط كمبتدئ في الرهبنة.
🔥 تجربته في حياته الرهبانية الأولى
يَرْوِي لنا شينو في كتابه “قديسو مصر” قصة القديس بَفْنوتي القِسّ كما لو كانت تخص شخصًا آخر غير القديس بافنوتيوس تلميذ القديس مقاريوس الكبير، غير أن هذه القصة تبدو أنها خاصة به في بداية حياته الرهبانية، فقد نما القديس في الفضيلة بصورة رائعة الأمر الذي أثار أحد الرهبان إذ كان يحسده على سمعته الطيبة.
وفي أحد الأيام تَسَلَّلَ الراهب من الكنيسة أثناء القداس الإلهي وأَخْفَى كتابه تحت حصيرة الراهب الشاب بفنوتي. وبعد القداس الإلهي اشتكى لرئيس الدير أن كتابه قد سُرِقَ في الدير، وإذ ألح على رئيس الدير أن يبحث عنه تألم الرئيس كيف تكون سرقة في الدير. وأخيرًا استقر الرأي على إرسال ثلاثة رهبان إلى القلالي يبحثون عن الكتاب المسروق.
وبالفعل بعد فترة عاد الرهبان يحملون الكتاب مُعْلِنِينَ عن وجوده تحت حصيرة الراهب بفنوتي. أمّا هو فلم يعترض، بل في اتضاع قَبِلَ قانون التوبة دون أن يُظْهِرَ أيّة علامة تعجب أو دفاع عن نفسه.
أُفْرِزَ الأب بفنوتي من بين الرهبان وضاعف أصوامه لمدة أسبوعين في هدوءٍ عجيبٍ، أمّا الراهب الذي دبّر له المكيدة فَبَاغَتَه روح شرير وسبب إزعاجًا للدير، ولم يستطع حتى القديس إيسيذورس أن يُخْرِجَه، بل كان يصرخ:
“بفنوتي! بفنوتي! أريد بفنوتي!”
في اتضاع جاء القديس بفنوتي المنبوذ من الكل، واعترف الراهب بشرّه طالبًا الصفح عنه.
💬 من كلماته وتعاليمه
ليكن عندكم الحزن أفضل من الفرح، والتعب أفضل من الراحة، والإهانة أفضل من الكرامة، وليكن عطاؤكم أكثر من أخذكم.
مرة توجه البابا ثاوفيلس (23) إلى الإسقيط، فاجتمع الإخوة، وقالوا للأنبا بافنوتيوس:
“قل للبابا كلمة واحدة لكي ينتفع”.
فقال لهم الشيخ:
“إن لم ينتفع بسكوتي، فحتى ولا بكلمتي ينتفع”.
فسمع البطريرك ذلك وانتفع جدًا.
وقال الأب بافنوتيوس:
“لما كنت أمشي في الطريق ضللت بسبب الضباب، فوجدت نفسي أمام إحدى القرى، وهناك رأيت البعض يتحدثون، فوقفت أصلي من أجل خطاياي، فجاء ملاك يحمل سيفًا، وقال لي: يا بفنوتيوس، إن الذين يدينون إخوتهم يَهْلِكُونَ بحد هذا السيف. أمّا أنت، فكونك لا تدين أحدًا، بل تتضع أمام الله وكأنك أنت الذي يرتكب الخطية، فإن اسمك قد كُتِبَ في سفر الأحياء”.