الخط السرياني الحلبي


لقد رأينا فيما سبق ،كيف أن العرب أخذوا الكتابة عن السريان،واستشهدنا على ذلك من أئمة مؤرخي العرب أنفسهم .أما الآن فيهمنا الإثبات أن هذه اللغة الحلبية حينما تكتب بالخط المدعو عربياً إنما تكتب بخطها هي ،خطها السرياني .لأن هذا ،إنما هو الخط السرياني بجميع صفاته…

ونذكر هنا بشيء من التصرف ما جاء في ((كتاب القصارى))المذكور أعلاه للعلامة المطران يوسف داود:

((إنه من الأمر المعلوم لكل خبير أن العرب الشماليين لم يكونوا سابقاً يقرأون ولا يكتبون لغتهم حتى تعلموا صناعة الكتابة نحو القرن الخامس والسادس بعد المسيح .وتعلموها من السريان.ويتضح ذلك بكل التأكيد:

1- من صور الحروف العربية كما هي في القلم الذي استعملوه أولاً،وهو الذي يقال له الكوفي؛إذ هي شبيهة بصور الحروف السريانية غاية الشبه ؛ونعني منها القلم الأسطرنجيلي .

2- من ترتيب الحروف العربية الذي يقال فيه أبجد هوز حطي الخ،إذ هو نفس ترتيب الحروف السريانية…

3- من القوة العددية التي للحروف العربية في حساب الجمل(وهكذا ب=2 – وت=400 لأنها هكذا في السريانية)إذ هي كما يستعملها السريان من دون أدنى اختلاف…

4- من أسماء أكثر الحروف.فإن الألف والجيم  والدال والزين والشين والصاد والفاء والقاف والكاف واللام والميم والنون والهاء والواو هي كلها سريانية محضة.ومن هذه الأسماء السريانية أربعة رخمها العرب بجزم حرف من أواخرها وهي الجيم والدال والصاد واللام،بدل جيمل،ودالث،وصادى،ولامد…

5- يتبين ذلك من أن كل حرفين يلفظان من مخرج واحد لهما صورة واحدة،كما في القلم السرياني.فإن التاء والثاء لهما صورة واحدة .وكذلك الدال والذال ،وكذلك الصاد والضاد ،وكذلك الطاء والظاء،وكذلك العين والغين .كل ذلك كما في القلم السرياني .ومن المعلوم أن التنقيط في القلم العربي لتمييز اللفظ الواحد من الآخر هو أمر محدث…

6- إن كل الحروف المفصولة في العربية (والتي تدعى اليوم حروف انفصال)هي كذلك حروف انفصال الخط السرياني .وكذلك القول في حروف الاتصال… ))(ص25 )

ونضيف على هذا كله برهاناً قاطعاً لا يمكنه أن يرد بأية حجة كانت .ذلك أن الحروف الهجائية حينما أوجدها واضعوها جعلوا لها أسماء لها معانٍ في لغتهم وهذا أمر طبيعي .والحال إننا نجد معنى لأسماء الأحرف الأبجدية في اللغة السريانية ،وفي القديمة منها خاصة ولا نجد لها أي معنى في اللغة العربية .واليك الأحرف بمعانيها:

الف = شراع  جيمل = جمل
بت = بيت  دالث = باب
ها = كوة  نون = حوت
واو= مسمار سمكة = مسماك
زين = سلاح عين = عين
حط = حائط  فا = فم
يود = يد صاده = سهم
كاف = كف  قف = عقدة
لامد = منخاس ريش = رأس
مم = ماء  شين = سن
   تاو = علامة

                                                                    

على أن الحروف الزائدة في اللغة العربية ،منها ما هو ((تركيخ))أو تلطيف للجيم والدال والكاف والتاء السريانية،ومنها ما ليس له معنى كالضاد والظاء ولا-مما يدل على أن العرب حين نقلوا الخط عن السريان ،قلدوه تقليداً أعمى،كالتلميذ الذي ينقل عن اللوح ما يكتبه أستاذه دون أي تفكير ،واقتناع داخلي يسيره أن ما يكتبه الأستاذ هو صحيح دون أدنى شك… والنتيجة من كل هذا ،أن الخط الذي طبعنا به الأعداد الأربعة الأولى من سلسلتنا ((استفد))وكلها لغة حلبية بما فيها من أمثال وهنهونات وندب ،وما نطبع به هذا العدد ،نقول أن هذا الخط ليس خطاً عربياً البتة إنما هو الخط السرياني خطنا ،أخذ منا وردّ إلينا.........

لا شك أن العرب كان لهم بعض الخطوط نذكر منها:الخط السبئى،نسبة إلى مدينة سبأ التي جاء ذكرها في زيادة ملكتها للملك سليمان في الفصل العاشر(1-14 )من سفر الملوك الثالث.والشرح يدل على أن سبأ كانت مملكة راقية غنية منيعة…

((نصب يحمد))وهو لوحة تذكارية أقامها يمانى من طبقة الفلاحين .والكتابة في أعلى النصب بحروف المسند.  

 

 

 

 

 

الشكل الجانبي يوضح الحروف السبيئة ونرى مدى بعدها عن حروفنا .بل عن الخط الكوفي القديم المنقول عن السريانية.وكان هناك الخط المسند الحميري نسبة إلى قبائل حمير.

وكان للعرب القاطنين في شمال الجزيرة خط يسمى النبطي نسبة إلى الأنباط الساكنين بالقرب منهم غير أن أهل الحيرة والأنبار أخذوا أخيراً عن السريان كما ذكرنا ،الخط المنظم فدعي ((الحيري))أو((الانباري))ثم سمي فيما بعد ((الخط الكوفي))فقتل باقي الخطوط ،وأصبح أصل الخطوط المدعوة عربية.وقد ظل القاطنون داخل الجزيرة والحجاز،بعيدين عن الخط إلى أن نزل مكة رجل من كندة يسمى ((بشر بن عبد الملك))وكان قد تعلم الخط من الأنبار ،فتزوج الصهباء بنت حرب أخت أبى سفيان ،فتعلم أبوها ((حرب بن أمية))وجماعة من قريش منه الخط،وبذلك دخلت الكتابة الانبارية السريانية الحجاز…

وتدور الأيام دورتها ،وها هو الخط السرياني الانباري أو الكوفي يرجع فيدخل سوريا وغيرها مع العرب الفاتحين .وكانت تكتب بهذا الخط الرسائل بين الولاة والخلفاء .وظل هذا الخط الكوفي مظهراً من مظاهر الجمال بعد أن قضى الإسلام على الأصنام الجاهلية،والتصوير والنحت ،واتجه نحو الزخرفة وتحسين الخطوط… وكان في آخر أيام بني أمية ،كاتب يسمى ((قطيبة))رأى أن يخرج من قيود الخط الكوفي ،وظهر بشكل جديد ،فكان الخط الجليل ،والخط الطوماري.ثم ظهر

((محمد بن علي بن قلعة ))واشتق من الخطين الجليل والطوماري ،نوعاً سماه ((البديع))وأخذ يهذبه ويحسنه .وهو الخط النسخي المعروف الآن…

فلا تتعجب إذاً ،إذا كان خطنا اليوم لا يشابه الكتابة القديمة فأي خط في العالم يظل على حاله…؟!

بل هذه هي الخطوط المعروفة بالسريانية ،أخذت جميعاً من خط واحد ،وما زالت تطرأ عليها التغييرات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم وهي :

1-الخط السرياني الأسطرنجيلى الأصلي الذي للجميع ،وعنه نقل الخط الكوفي .

2-الخط السرياني الكلداني ،الخاص بالكلدان والآشوريين النساطرة ،والسريان الملباريين أينما وُجدوا.

3-الخط السرياني الرهاوى،الخاص بالسريان الكاثوليك ،والسريان الموارنة ،والسريان اليعاقبة،والسريان الملنكاريين حيثما وُجدوا .

4-الخط السرياني الملكى ،الخاص بالسريان الملكيين الذين تحت الضغط الأجنبي أهملوا فيما بعد خطهم ،كما تخلوا عن اسمهم ولغتهم وعرفوا باسم الروم الملكيين الكاثوليك والروم الملكيين الأرثوذكس أينما وُجدوا…

فهذه الخطوط المعروفة اليوم بالسريانية والتي لكل منها طابعه الخاص يُعرف به ،تبعد كل البعد الواحد منها عن الآخر ،بشكل إنه من لا يعرف سوى خط واحد منها ،يصعب عليه ويصعب جداً ،قراءة باقي الخطوط ،بل يستحيل عليه قراءة الخطوط القديمة…

وهذا هو خطنا (المزعوم عربياً)الذي تحدر من الخط الكوفي السرياني ،كم طرأ عليه من تبديلات وزيادات حتى صار فيه الخط الفارسي ،والثلثي ،والرقعي ،والنسخي ،والهمايوني ،والريحاني ،والديواني ،والديواني الجلي ،الخ كما بينا … بشكل أن من لا يعرف سوى قراءة الخط الثلثي مثلاً لا يمكنه البتة أن يقرأ الخط الديواني ،ويقف ابكم أمام الخط الكوفي ،ويستحيل عليه ذلك إذا كان خطاً قديماً معدماً كما في السريانية القديمة من التنقيط والحركات .

وطالما أن العرب قد أهملوا خطوطهم الخاصة واتخذوا هذا الخط الحالي الذي يتمتع بجميع مميزات ابيه الخط السرياني فهذا الخط الذي يعرفونه ،سوف يظل إلى الأبد ،أحد الخطوط السريانية مهما طرأ عليه من تغيرات ؛لأن هذا هو الواقع أيضاً في باقي الخطوط السريانية … والنتيجة أن هذا الخط على اختلاف أشكاله ،الذي أصبح اليوم ،الخط الرسمي لجميع الدول الممتدة من أقاصي بلاد إيران إلى أقاصي السودان وشمال إفريقيا،أن هذا الخط الذي نكتب به نحن السوريين والحلبيين ،ونطبع به كتبنا ونشراتنا إنما هو أحد الخطوط السريانية ،إنما هو خطنا نحن ،وقد تطور بلا شك مع الأيام ،كما تطورت باقي خطوطنا السريانية ،واتخذ له مثلها طابعه الخاص !....

 

 

 

 


قنشرين كافة الحقوق محفوظة 2004 -2011


Qenshrin.com
Qenshrin.net


 
All Right reserved @ Qenshrin  2004- 2011